لقاء سليمان-أوباما وجدول أعمال العلاقات اللبنانية-الأميركية

الجمل: توجه الرئيس اللبناني ميشيل سليمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن, وعقد أمس لقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض, واليوم تباينت ردود أفعال المراقبين والمحللين السياسيين إزاء هذه الزيارة, ما بين طرف رأى بأن هذه الزيارة لم تكن ضرورية, وطرف أكد على ضرورتها, فإلى أي حد يمكن تقييم نتائج زيارة الرئيس اللبناني إلى البيت الأبيض الأميركي؟ وهل من جدوى حقيقية لهذه الزيارة؟.
جدول أعمال العلاقات اللبنانية-الأميركية: الوقائع الجارية
ذهب الرئيس اللبناني إلى البيت الأبيض الأميركي, وفي باله مطالبة الرئيس الأميركي باراك أوباما, لجهة قيام الإدارة الأميركية بالآتي:
• الضغط على إسرائيل لكي تقوم بالانسحاب من مزارع شبعا, وإعادة قرية الغجر للسيادة اللبنانية.
• الضغط على إسرائيل لكي تمتثل لتطبيق القرارات الدولية المعنية بشأن الصراع اللبناني-الإسرائيلي.
• حث وإقناع الإدارة الأميركية من أجل الالتزام بتقديم المعونات والمساعدات المالية والعسكرية الإضافية والتي سبق أن التزمت بتقديمها إلى لبنان.
ولكن, وبدلا من إنجاز هذه النقاط, فقد انقلبت بنود جدول أعمال الزيارة, بحيث جاءت التقارير وهي تقول, بأن الإدارة الأميركية الديموقراطية الجديدة, قد سعت باتجاه تقديم المزيد من الإملاءات الأميركية الوحيدة الاتجاه, وعلى غرار ما كانت تطالب به الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة, فقد طلب الرئيس الأميركي أوياما من الرئيس اللبناني ميشيل سليمان الالتزام بتنفيذ الآتي:
• العمل من أجل منع تهريب الأسلحة والعتاد العسكري إلى لبنان.
• التصدي لموضوع نزع أسلحة حزب الله وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية.
أما موضوع تقديم المساعدات والمعونات المالية والعسكرية, فعلى الأرجح أن تكون الإدارة الأميركية قد تعمدت تجاهله, وبالتالي, لم تبرز حوله أي تصريحات أو تسريبات صادرة على خلفية لقاء أوباما-سليمان.

التأطير الاستباقي للقاء الرئيس اللبناني-الرئيس الأميركي: تأثير اللوبي الإسرائيلي
سعت دوائر اللوبي الإسرائيلي منذ بضعة أيام إلى استباق زيارة الرئيس اللبناني ميشيل سليمان إلى البيت الأبيض الأميركي, وذلك عن طريق التسويق لنوعين من الإشارات السياسية الاستباقية, هما:
• إشارات استباقية للبيت الأبيض الأميركي, تقول بأن على الرئيس الأميركي أن يطلب من الرئيس اللبناني تنفيذ ما ظلت إسرائيل تطالب به منذ فترة طويلة.
• إشارات استباقية لقصر بعبدا اللبناني, تقول بأن على الرئيس اللبناني إنجاز ما ظلت واشنطن تطالب اللبنانيين بتنفيذه.
جاءت إشارات اللوبي الإسرائيلي, من خلال بعض التحليلات السياسية, والتي كان من أبرزها وأكثرها وضوحا, ما أوردته ورقة الرصد السياسي رقم 1612 التي نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, وأعدها اليهودي الأميركي ديفيد شينكر الزميل الباحث ومدير برنامج السياسات العربية بالمعهد, والذي سبق أن شغل منصب مستشار شؤون الشرق الأوسط بمكتب وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد.
طرحت ورقة ديفيد شينكر, بكل وضوح, منظور اللوبي الإسرائيلي بجدول
أعمال لقاء أوباما-سليمان في البيت الأبيض الأميركي, ويمكن الإشارة إلى أبرز النقاط المفصلة بمنظور اللوبي, على النحو الآتي:
• نجح تحالف قوى 14 آذار الحليف لواشنطن في كسب جولة الانتخابات اللبنانية العامة, ولكن برغم ذلك, فقد جاء تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة, بشكل يمثل تراجعا كبيرا عن ما كانت تطمح إليه واشنطن.
• المساعدات والمعونات الأميركية المالية والعسكرية التي يطلبها الرئيس اللبناني ميشيل سليمان, تكتنفها المزيد من الشكوك إزاء احتمالات أن يستفيد منها حزب الله اللبناني وحلفاؤه.
• الحكومة اللبنانية الجديدة التي يترأسها سعد الحريري, والتي تشكلت على خلفية فوز قوى 14 آذار, هي حكومة تتميز بالضعف, وذلك بسبب التنازلات التي قدمها سعد الحريري لخصوم الولايات المتحدة وإسرائيل في لبنان وفي المنطقة.
• يشارك حزب الله اللبناني في الحكومة اللبنانية, ويستطيع ممارسة حق الفيتو (الثلث الضامن) بما يتيح له تعطيل قرارات السلطة التنفيذية, وبالتالي, فإن أداء حزب الله داخل الحكومة اللبنانية, سوف يكون أداء منسجماً مع إدراك حزب الله القائم على المبادئ الثلاثة, المرفوضة أميركيا, والتي هي :الولايات المتحدة تمثل العدو-يجب إزالة إسرائيل-ضرورة التشديد على الديموقراطية القائمة على الإجماع.
سعى منظور اللوبي الإسرائيلي من خلال هذه النقاط إلى تفعيل عناصر التعبئة السياسية الفاعلة, إزاء زيارة الرئيس اللبناني, ميشيل سليمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن دي سي, وتأسيسا على المبدأ الفاعل: العبرة بالنتائج, فقد جاءت نتائج لقاء البيت الأبيض الذي جمع الرئيس الأميركي والرئيس اللبناني, كما رسم وخطط لها اللوبي الإسرائيلي, وربما دون أن تبذل عناصر اللوبي الإسرائيلي كبير عناء, طالما أنها تمسك بمقاليد الأمور المتعلقة بصياغة القرار الأميركي الشرق أوسطي, والذي بالضرورة يندرج لبنان ضمن ملفاته.
خيارات السياسة الخارجية اللبنانية: بين الدبلوماسية المثالية, والدبلوماسية الواقعية تقع الدولة اللبنانية بكافة مكوناتها, ضمن المجال الجيوسياسي الشرق أوسطي, وتحديدا ضمن منطقة شرق المتوسط, والتي تضم كل من سوريا والأردن والأراضي الفلسطينية, إضافة إلى إسرائيل.
وجود الدولة اللبنانية, وطبيعة ارتباطها بسوريا والأردن والأراضي الفلسطينية, هما وجود وطبيعة يشكلان المحددات الضرورية التي لا يمكن تجاوزها بواسطة دوائر صنع واتخاذ القرار اللبناني, لا في ملفات السياسة الداخلية اللبنانية, ولا في ملفات السياسة الخارجية اللبنانية, فهل يا ترى تستطيع دبلوماسية قصر بعبدا أن تخلق خطا دبلوماسيا منفصلا خاصا بها, ضمن ما يمكن أن تطلق عليه, على سبيل المثال لا الحصر: خط قصر بعبدا-البيت الأبيض الأميركي, قصر بعبدا-قصر الأليزييه الفرنسي, قصر بعبدا-الكرملين الروسي.
وبكلمات أخرى, فقد أصبحت كل العواصم الدولية, أكثر اهتماما بأن تكون تحركاتها الدبلوماسية قائمة على المساندة الإقليمية, والممثلة حصرا في الاستناد على دبلوماسية حلفائها الإقليميين الموجودين في بيئتها الإقليمية, وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن دبلوماسية قصر الإليزيه, لا تتم بمعزل عن التنسيق والتفاهم المسبق مع بقية العواصم الرئيسية الأوروبية, ونفس الشيء, يسري على واشنطن, حيث تثبت من خلال نتائج لقاء أوباما- سليمان بأن دبلوماسية البيت الأبيض الأميركي لا تتم بمعزل عن تل أبيب, ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حدث في العاصمة اللبنانية بيروت نفسها, حيث تقول التسريبات بأن السيناتور جو بايدن, الذي يتولى منصب نائب الرئيس الأميركي, خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان, قد عقد لقاء في منزل النائبة نائلة معوض, مع بقية الزعماء اللبنانيين, وخلال الحديث تطرق الزعيم وليد جنبلاط إلى استفسار نائب الرئيس الأميركي, قائلا بأن لبنان لا يحتاج إلى المساعدات الأميركية العسكرية, وهذه المساعدات يجب أن لا تكون في شكل (سيارات جيب) و(دواليب) و(قطع غيار) و(أسلحة خفيفة), فلبنان يحتاج إلى منظومة دفاع جوي, وهنا انتفض السيناتور جو بايدن قائلا, بأن هذا ممنوع ومحرم على لبنان لأنه يهدد أمن إسرائيل.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة