مؤتمر أنابوليس: واقعية لا تحلق وأمال غير قابلة للتنفيذ
مؤتمر أنابوليس يقترب. الأميركيون والإسرائيليون والفلسطينيون يعلقون على نجاحه آمالاً كبيرة، ولكن كثيرين يتوقعون له الفشل. ويبدو أن الجهد الظاهري الممنوح لعقد هذا المؤتمر من جانب الأطراف الثلاثة يشجع على الاعتقاد بجديتهم في منع وقوع الفشل. غير أن الفجوة بين آمال كل هذه الأطراف تظهر وكأنها متعذرة الردم. فالفوارق بين آمال وجودية للبعض ومصالح حزبية للبعض الآخر تدفع للاعتقاد بأن التوافق سيتم لمصلحة الطرف الأقوى.
فالرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته يريدان مؤتمراً يمكنه أن يشكل إعلان فتح باب التسوية العملية على أقل تقدير. وهما بذلك يريدان أن يكتب في التاريخ أن إعلان أو اتفاق أنابوليس برعاية بوش ورايس مثل انعطافة حاسمة في الصراع العربي الإسرائيلي. وأن ما قبل أنابوليس من صراع يختلف عما بعد أنابوليس من تعاون ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإنما بين الأخيرين ومعظم دول المنطقة العربية.
وكان بوش ورايس يتمنيان لو أن هذا الإعلان يتضمن موافقة الطرفين على إنهاء الصراع بينهما والتوافق على مناقشة كل القضايا الأخرى في وقت لاحق. فبوش لا يريد في هذه الأيام إشغال نفسه بتفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي إذ أن كل ما يريده هو البحث عن صورة مثيرة وجديدة لإعلان العرب وإسرائيل أن رؤية بوش قابلة للتحقيق.
ولا يعترض الإسرائيليون على ذلك شرط أن لا يشكل مثل هذا التوافق على رؤية بوش إقراراً بأي جدول زمني أن التزاماً بأي صيغة نهائية لحل القضايا الجوهرية المعلقة. فإذا كان الفلسطينيون يوافقون على يهودية القدس فلا مانع وكحد أقصى فإن إسرائيل توافق على إعلان من قبيل أن في القدس مشكلة يجب السعي لإيجاد حل لها بالتفاوض بين الطرفين. أما بخصوص حق العودة فإن إسرائيل، عدا حالات إنسانية، لا ترى أن هذا حق للفلسطينيين، وإن كان البعض يراه كذلك فالعودة هي إلى الدولة الفلسطينية. وتتهرب إسرائيل من أي إقرار بالمسؤولية أصلاً عن نشوء مشكلة اللاجئين. ولم يعد في إسرائيل كبير اعتراض على قيام الدولة الفلسطينية، ولكن الاعتراض يقوم على حدودها ودورها.
ومن الجلي أن النقطة الأخيرة هي ما يحاول الإسرائيليون والأميركيون تضخيمه في المؤتمر ليشكل إعلان أنابوليس محطة مركزية في كل حديث عن الدولة الفلسطينية. ومع ذلك يبدو أن السلطة الفلسطينية التي اكتوت كثيراً بنار الأحاديث المضخمة عن الدولة والتقييدات العملية على أبسط مقوماتها لم تعد تقبل الأحاديث العمومية عن الدولة. إنها تريد توفير مضمون محدد لهذه الدولة وأن يجبل هذا المضمون من مكونات القضايا الجوهرية. وقد حاولت السلطة الفلسطينية التعامل مع محطة أنابوليس بوصفها محطة ما قبل النهاية وليس مجرد محطة على طريق طويلة. وهذا ما بدا من التصريحات شديدة الوضوح لكل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس طاقمه للمفاوضات أحمد قريع (أبو علاء).
ومن الجائز أن هذا الميل من جانب السلطة للتعامل مع مؤتمر أنابوليس على هذا النحو هو ما دفع الإسرائيليين إلى التخوف من هذه الآمال التي وصفت بأنها مبالغ فيها. وربما لهذا السبب حاولت الرد بأشكال عملية: مصادرة أراضٍ في محيط القدس لتوسيع الرابط بين معاليه أدوميم والقدس بشكل ينهي بشكل حاسم إمكانية التواصل الجغرافي بين شمالي الضفة وجنوبها. وهذا ما يعني عملياً أن التواصل ليس فقط بين «جناحي» الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع سيعتمد على حسن النية الإسرائيلية، وإنما كذلك بين شمالي الضفة وجنوبها. كما يدخل في الأمر أيضاً تعيين تسيبي ليفني المتحفظة هي ووزير الدفاع إيهود باراك على أية تفاهمات تتعلق بالحل النهائي.
وعدا ذلك أبدت مصادر إسرائيلية إيمانها بأن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية الحالية إلى المنطقة تأتي في أوانها من أجل وضع الفلسطينيين في صورة واقع المؤتمر وتخفيض سقف توقعاتهم. فإشاعة توقعات كالتي عرضها الرئيس عباس وأبو علاء حول مساحة الدولة وحول نسبة تبادل الأراضي وحول «القيمة والمثل» تعني أن الفشل مؤكد. ويبدو أن جوهر المراهنة الإسرائيلية على تراجع السلطة الفلسطينية يتمثل في تقديرها لانعدام الخيارات أمامها.
فالنظام العربي بأغلبيته المؤثرة تريد من الفلسطينيين إنهاء الصراع بأسرع وقت ممكن نظراً لأن بقاءه لم يعد محتملاً، وهو كفيل بتحميل الفلسطينيين مزيداً من الأعباء والتبعات. والوضع الفلسطيني بات مشرذماً حيث يصعب إعادة توحيده فقط بشعارات مواجهة إسرائيل. وهذا ما يجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت متفائلاً لدرجة تعيين تسيبي ليفني رئيسة لطاقم المفاوضات.
وليس صدفة أنه في أجواء كهذه أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه توصل إلى تفاهم مع الرئيس الفلسطيني حول الهيكل العام للمفاوضات الحالية، وأن المؤتمر لن يفرض جداول زمنية للتسوية النهائية كما لن يناقش القضايا الحساسة. وشدد أولمرت على أن التفاهم يعني كذلك أنه ليس هناك جدول زمني لا لبدء العملية التفاوضية ولا لنهايتها. ومما لا ريب فيه أن هذا الإعلان يتعارض مع كل الإيحاءات التي صدرت عن قيادة السلطة بخصوص ما سيجري في مؤتمر أنابوليس.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد