مؤتمر الالتزام بالقيم الروحية والأخلاقية
"القيم الروحية والاخلاقية والالتزام بها"، ما أحوجنا في هذا الوقت الى اعادة الاعتبار الى هذه المفاهيم حيث الجنوح كبير نحو التمسك بالسياسات والمصالح ونسيان الايمان لمصلحة القشور الدينية والممارسات السطحية الطقسية التي لا علاقة لها بالايمان الحقيقي. مما يحيد بالدين عن هدفه الأسمى في تعزيز الكرامة الانسانية لمصلحة الالغائية والاقصائية.
المسلمون والمسيحيون يتشاركون في الكثير من القيم الروحية والاخلاقية، وبالرغم من هذه الشراكة فإنهم ينقسمون في ما بينهم وكذلك هم منقسمون داخل كل طائفة ودين حتى ليخال المرء انه إزاء مواجهة مفترضة دائمة يتحصن خلالها المتطرفون من كل جانب.
ليس كافياً الحديث عن القيم الروحية والاخلاقية اذا لم يكن هناك التزام بها.
وبالفعل ان ما نشهده في وطننا ومنطقتنا يدفعنا الى القول ان صوت الانقسام والعنف يعلو اليوم للأسف على ما عداه. لكن هذا الوضع ليس محتماً ونهائياً ذلك اننا نأمل دوماً في التغلب على مشاعر الخوف بالإيمان وليس بالتمسك بالطائفية. ونحدد اسباب ما يجري حالياً على مستويين:
الاول نفسي وثقافي والثاني سياسي.
ويندرج تحت النوع الاول من الاسباب موضوع صدام الجهالات (choc of ignorances)، الجهل المتبادل لمعتقد الشريك الآخر من جهة والإيديولوجيات غير المحددة من جهة ثانية، وفي هذا السياق لعلنا نطرح موضوعاً مهما يشغل مواقع الحوار كافة وهو موضوع الدين: أي دور للدين في هذه المواجهات؟ وهل ان الدين هو عامل جمع ام سبب للتفرقة والنزاع؟ ولا نغالي ان قلنا ان استعمال الدين في السياسة يشكل إساءة للدين وللسياسة معاً كما ان استعمال السياسة في الدين يشكل عائقاً امام تحقيق السلام والتضامن.
اما السبب الثاني فهو في الحيز السياسي كما الحرب التي وقعت على لبنان والمشكلات اللبنانية الداخلية المستعصية، ولا ننسى البيئة التي نعيش فيها ضمن منطقة الشرق الاوسط: الحرب في العراق والاحتلال في فلسطين والمواجهة الدولية مع ايران وحصار سوريا.
ان موضوع البحث يتناول إذن جدوى النقاش حول القيم وحول سوء الفهم المتبادل طالما اننا نعرف جيداً ان المشكلة الرئيسية في هذه المنطقة، هي الصراع العربي الاسرائيلي كجوهر كل النزاعات والآلام. ولعل فشل الأسرة الدولية في معالجة هذه الازمة ادى الى تراجع فعالية القانون الدولي في ايجاد حلول منصفة وعادلة تضع حدا لهذه المواجهات. ولعلنا هنا ندعو الى السعي مجدداً لتحقيق احد أهم الأهداف لاستعادة الهدوء في هذه المنطقة، وهو ايجاد السبل الآيلة الى اعادة الاعتبار للقانون الدولي وتفعيل دوره.
اذا كانت السياسة عنصر تفرقة – وكانت لها الكلمة الفصل – فأي دور للقيم في هذا الصراع. لعلنا ندرك امكانية وجود قيم اساسية مشتركة نستمدها من الاديان السماوية وبخاصة من المسيحية والاسلام كاحترام الانسان كقيمة بذاتها والكرامة الانسانية. وفق هاتين القيمتين تجتمع الأديان، وربما تفاوت تعلق الأتباع من كل دين وداخل كل دين بهما.
كما تتفاوت درجة التعلق من اتباع الاديان بقيم الرحمة والتسامح compassion and tolerance. إن هذا التفاوت يرتب نظرات مختلفة الى الانسان من حيث انه قيمة فردية جعلت الاديان من أجله وليس هو من اجلها.
ان سوء فهم البعض لهذه القيم، ونحن اشد ما نكون في حاجة اليها في مجتمعنا اللبناني والعربي المتنوع يؤدي الى اعتبار التسامح منة من فئة لمصلحة فئة اخرى. كما تعلو بعض الاصوات في المشهد اللبناني استكباراً على الاخر المختلف وتهديداً للسلم الأهلي، وفي المشهد العربي استعلاء بعض الفئات الاسلامية تجاه شركائهم المسيحيين وفشل بعض الأنظمة في التعاطي معهم مما يهدد قيمة أساسية تفوق برأيي أي قيمة اخرى هي قيمة العيش المشترك التي تكسب لبنان معناه والعالم العربي جوهره ومبناه.
كما ان قيمة الرحمة compassion مغيبة في تصرف وسلوكيات بعض الفئات في لبنان والعالم العربي، بحيث ان الحديث عنها يؤدي الى استثارة شعور الغلبة والإلغاء والإقصاء حيال الاخر المختلف أيضاً وأيضاً.
إن الالتزام بهذه القيم يختلف بين فئة واخرى، كما ان تفسيرها والتعبير عنها يتفاوت ربما بين منطقة ومنطقة اخرى وحتى داخل كل منطقة. وهذا دليل صحي على حق ممارسة النقاش والتعبير الديموقراطي الحر. واذا كانت بعض هذه القيم مسيطرة في مجتمع معين الا أنها لا تحوز الاجماع دائماً. ان مقتضيات العيش المشترك لا تجيز لنا البقاء في مجال التفسيرات المختلفة ليس على الصعيد الوطني فقط، انما ايضا على الصعيد الدولي. ان هذه القيم قد لا تلائم مصلحة هذا الشخص او ذاك او هذه الامة او تلك.
ان العولمة وتطور الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجيا لم تؤد الى سعادة البشر، بل الى المزيد من التسابق والتزاحم بين الحضارات والثقافات وحتى محاولة الغاء خصوصياتها كما بين الاديان ايضا. يكفينا ما نراه من محاولات بعض الكنائس الاميركية في غزو مناطق ليس مناطق غير مسيحية فقط وهذا امر مفهوم، ولكن بصورة أخص مناطق حيث المسيحيون غالبية كما في اميركا اللاتينية وروسيا وسائر بلدان اوروبا الشرقية وبعض التجمعات في منطقة الشرق الاوسط وتسخير الامكانيات المالية الضخمة لتحقيق هذا الهدف وربما ايضا نشير في هذا السياق داخل الجسم الاسلامي ايضا.
ان هذا التغيير الصارخ في القيم الانسانية واستخدام الدين كوسيلة من وسائل السيطرة والتسلط في يد الأقوياء يضفي على الوضع المزيد من التعقيد ويساهم في اضعاف مؤسسات المجتمع الدولي ويجعلها قاصرة عن معالجة القضايا والمشاكل الشائكة كتعطل دور الامم المتحدة في قضيتي فلسطين والعراق مثلا.
عباس الحلبي
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد