24-11-2017
"مؤتمر الشعب السوري" في سوتشي الروسية: الأهداف والحقائق.
يُلاحظ أنه في الوقت الذي اقترب فيه الصراع ضد "الدولة الإسلامية" من نهايته، أعلنت روسيا خططاً لاستضافة "مؤتمر الشعب السوري" لبدء مفاوضات لتسوية ما بعد الحرب. فالمؤتمر الذي خُطط ليُعقد أولاً في قاعدة حميميم الروسية في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، عُدِّل موعده ليكون في الثامن عشر من الشهر نفسه في سوتشي الروسية، قبل أن يعاد تأجيله مرة ثانية. وهذا المؤتمر الذي بات موعده الآن الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، سيضم "قوات سورية الديمقراطية"، والعديد من مكوناتها، بما في ذلك الآشوريون والأقليات العرقية الأخرى، وسيناقش دستوراً سورياً جدياً. تأتي هذه الخطوة كأحدث مسعى يقوم به الروس للتفاوض بشكل مباشر وغير مباشر مع العشائر" السورية، وكذلك للتمهيد لمباحثات بين "النظام" و"وحدات حماية الشعب". فمع تنامي الكره للحرب داخل سورية، وارتفاع أعداد الضحايا، تحاول روسيا ترتيب حل سياسي يمكن أن يقبل به خصومُ "النظام" والحلفاءُ المحتملون غير المتحمسين.
لا يزال هناك شح في المعلومات المتوافرة عن الذين سيحضرون هذا المؤتمر. لقد قال المسؤولون الروس إنهم دعوا ثلاثاً وثلاثين مجموعةً وحزباً سياسياً، وإنهم يتوقعون أن يكون هناك ما بين 1200 و1500 شخصية سورية في المؤتمر. بيد أنه من غير الواضح كم هو عدد الذين سيحضرون فعلاً من بين هذا العدد. فلقد رفض الائتلاف الوطني السوري، وهو كتلة كبيرة من المعارضة، المؤتمر، في حين أعاقت تركيا ضم مجموعات كردية إليه.
تسعى روسيا لتحقيق هدفين أساسين في مؤتمر سوتشي. أولاً، تحاول أن تصيغ شكلاً من الاجماع متعدد الأطراف حول ما ستؤول إليه الأمور في إدلب، والمتمثل، من الناحية النظرية، بتجنب عملية عسكرية طويلة الأمد يمكن أن تتسبب بخسائر مادية وخسائر في الأرواح. ثانياً، تسعى روسيا إلى تجنب حدوث مواجهة بين "النظام" والكرد السوريين الذين تسيطر ميلشيات "وحدات حماية الشعب"، التابعة لهم، على "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من أمريكا. لكن تحقيق الهدف الأول يبدو تقريباً شبه مستحيل في حال غياب تمثيل سياسي واسع من المعارضة.
ستحاول موسكو أيضاً إحراز التقدم في قضايا أخرى، بما في ذلك ما يتعلق بالتعاطي مع المخاوف التركية المستمرة بشأن "وحدات حماية الشعب"، والوضع في جنوب سورية، وكذلك في محافظة دير الزور في الشرق. وتواجه روسيا إشكاليات جوهريّة مع حلفائها تتمثل بالمهمة الصعبة في إقناع "النظام" بإجراء تسوية، والتخلي عن رغبته بإعادة السيطرة على كل "شبر من سورية"، وكذلك تحذيرات إيران من أن الحرب لم تنته بعد، وأن على موسكو أن تُحضِّر لحملة على إدلب.
كما يُعدُّ صعباً أيضاً أن نرى كيف ستحرز روسيا تقدماً فيما يتعلق بالنزاع التركي-الكردي. إذ إن مخاوف أنقرة من سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" على شمال سورية، والشرعية الدولية التي يزداد قبولها] لتلك السيطرة[، دفعتا بتركيا لرفض أي وجود كردي في المؤتمر. بل تصاعدت حدة الخطاب التركي لدرجة دعا فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان"لتطهير" عفرين من حزب العمال الكردستاني، وهي إشارة لا تحتاج لكبير عناء لفهم أنها حملة عسكرية واسعة النطاق ضد المنطقة ]التي يوجد فيها الأكراد[. لقد بردت علاقات روسيا -التي كانت قوية في الحالة الطبيعة- مع "قوات سورية الديمقراطية" مؤخراً، ما قد يعني فتح الباب أمام عمل تركي مباشر ضد "وحدات حماية الشعب". كما أن التهديدات العلنية التي أطلقها "النظام" ضد الكرد، أوحت أنه ربما سيكون أسهل على الكرملين الابتعاد عن "قوات سورية الديمقراطية". إن الانقياد لصراع عسكري آخر على أساس هذه الخطوط سيعود بنتائج عكسية، على نحو مباشر، على هدف روسيا المتمثل في التقليل من وتيرة الصراع، إضافة إلى العامل الذي يزيد الأمر تعقيداً؛ وهو التحالف بين "قوات سورية الديمقراطية" وأمريكا. وبالنظر إلى ذلك، فمن غير الواضح كيف أو بأي أسلوب، ستأمل موسكو إحراز تقدم سياسي فيما يتعلق بكرد سورية.
أما المشكلة الأخرى التي من غير المرجح أن يتم حلها في هذه المحادثات فهي مسألة جنوب سورية. تعدّ هذه المنطقة أكثر "المناطق الآمنة" المقبولة دولياً، حيث روسيا والأردن وأمريكا وإسرائيل، اتفقت جميعها، بدرجات متفاوتة، على جهود منع التصادم هناك. إن المسألة الأكثر أهمية تتعلق بوعود روسيا لإسرائيل بإنشاء منطقة فاصلة من عشرة إلى خمسة عشر كيلومتراً بعيداً عن "خط السيطرة الإسرائيلية" في مرتفعات الجولان، بحيث لا يُسمح فيها بوجود أي قوة من حزب الله أو إيران. وتشير مصادر إلى أن قوة من 1000 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية موجودة بالفعل (بعد أن كان قوام هذه القوة 400 عنصر في آب/أغسطس) في المنطقة الجنوبية. لكن هذه القوات لم تحاول حتى الآن أن تعيق قوات حزب الله أو إيران بأيِّ شكل من الأشكال. كما أنَّ خريطة قيل إن روسيا رسمتها تبرز فيها المنطقة الفاصلة المقترحة، والتي تم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الفائت لم تعط أي دلالة عن مناطق لا يسمح فيها لجنود "محور المقاومة" بالعمل، ما أثار أكثر خوف إسرائيل. ولا تزال ملتبسة كيفيّة تعاطي موسكو مع هذه المسألة في سوتشي.
إنَّ أحد مجالات النجاح الممكنة في سوتشي، يتعلق بدير الزور. إنه وبعد الاقتراب الكامل من استعادة السيطرة على الأراضي التي كان يحتلها تنظيم "داعش"، فإن كون تلك البقعة]دير الزور[ بعيدة، يعني وجود القليل من المصالح الدولية المتضاربة. غير أن الوضع يؤثر في طبيعة التسوية السياسية على مستوى المنطقة أيضاً، مع وجود شبكة من الروابط العشائرية المعقدة، تُعدُّ حالياً جوهر الصراع على النفوذ بين أمريكا و"قوات سورية الديمقراطية"، من جهة، وبين إيران و"النظام" من جهة ثانية. تملك روسيا القليل من الأوراق لتلعبها في دير الزور بعيداً عن الدعم العسكري، وهذا وضعٌ تدلل عليه الخسائر التي تكبدتها هناك. لكن روسيا تواجه الخطر الجدي بحدوث تصعيد عسكري فيما يخص احتياطي تلك المنطقة من النفط والغاز، إذ يُعَدُّ الأكبر في سورية. لقد أشار "النظام" مسبقاً إلى أنه يرغب في السيطرة على تلك الاحتياطات، وأنه سيسعى للحصول عليها بالوسائل العسكرية عوضاً عن تركها لـ"قوات سورية الديمقراطية". يمكن لروسيا أن تؤمن اتفاقية من ذلك النمط الموجود في محافظة الحسكة، حيث يحصل "النظام" تقريباً على ثلثي الإنتاج من الآبار الواقعة تحت سيطرة الكرد. لكن هذا الأمر سيكون أكثر صعوبة في دير الزور، بالنظر للنطاق الأكبر من الموارد المتوافرة هناك، وكذلك نظراً إلى حقيقة أنه حتى اتفاقية الحسكة، ربما لا تستمر في المدى المتوسط، في حال كانت دمشق تستطيع- أو متى استطاعت- أن تنقل قوات أكبر إلى الشرق. وهذه المخاطر تزداد مع حقيقة أن المقاتلين السابقين في المعارضة من دير الزور، بعد أن انضموا لـ"قوات سورية الديمقراطية"، ينتشرون على نحو متزايد في المنطقة، ويمكن أن يأملوا في تحدي "النظام" مرة ثانية كما فعلوا في السابق.
ربما يكون التحدي السياسي الأكبر الذي يواجه المؤتمر هو شكوك المعارضة العميقة بروسيا كوسيط جدي في التسوية بين السوريين. يصعب أن نرى موسكو تنجح في تأسيس فهم حول محادثات سوتشي مختلف عما كان عليه واقع الحال في أستنه التي أصبحت على نحو كبير مجالاً لروسيا، وتركيا، وإيران، لفرض سياساتها على سورية، بصرف النظر عن أهواء الفواعل المحلية. وإن اجتماع بوتين وروحاني وأردوغان المزمع في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، سيعزز فقط هذه الفكرة. لكن استعداد بعض فصائل المعارضة للحضور، وخاصة أولئك المنخرطين في مناطق خفض التصعيد التي تم تنظيمها كنتيجة لمحادثات أستنه، يُظهر أن موسكو دفعت بنجاح بعض مجموعات المعارضة إلى المفاوضات.
هذا، ولا يُرجَّحُ تحقيق نجاح في دفع "النظام" للدخول في تسوية. فالرئيس الأسد يكسب على نحو متزايد معركته في عودة شرعيته الدولية، فقد أمّن دعم الأمم المتحدة الكامل لخططه لإعادة إعمار حلب. إذن، أي حافز يدفع الرئيس السوري ليرضى بتسويةٍ الآن؟
كان التأثير في كل من "النظام" والفواعل المحلية والدولية الأخرى سهلاً نسبياً بالنسبة لموسكو طوال العام الماضي. وبعد "سقوط" حلب، جُمّد الصراع بين النظام والمعارضة على نحوٍ كبير، ما ساعد على التركيز على الأراضي التي تحت سيطرة "داعش". ولقد قبلت الولايات المتحدة بهذا التقسيم أيضاً، حيث كان وكلاؤها في "قوات سورية الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية يستولون على الأرض بمساعدة الطيران الأمريكي، كما كان يقوم الجيش السوري و"القوات العسكرية" المدعومة من إيران بدعم جوي روسي.
لم تأت مكافحة "داعش" فقط نتيجة لوجود إرادة حقيقيّة لهزيمة التنظيم، ولكن أيضاً لأن ذلك هو طريق العمل الوحيد الذي أمكن لجميع الفواعل المحلية والدولية الاتفاق عليه. والآن، ومع استعادة قوات "النظام" السيطرة على آخر مدينة من قبضة "داعش"، فإن احتمالية حدوث نزاعات عنيفة وتصعيد غير مخطط له أصبحت عالية كثيراً من جديد. تأمل موسكو أن يسمح لها مؤتمر سوتشي في أن ترتب لمرحلة ما بعد "داعش" في الصراع الدائر في سورية، ولكن سيثبت أن هذه مسألة تفرض عليها تحدياً أكبر بكثير من ]تحديات[استراتيجيتها السياسية التي اتبعتها حتى الآن. في النهاية، ستكون سوتشي فقط حدثاً مؤقتاً حتى يرتاح "النظام" وإيران، ويُعيدا تجميع قواهم لأي هجوم يخططون له لاحقاً.
الكاتب: نيل هاوير (Neil hauer) - ترجمة : ناهد تاج هاشم - مركزمداد للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي
إضافة تعليق جديد