مؤشرات الميدان السوري والخارج الدولي تصب لمصلحة الأسد
سجّل الجيش السوري في الأسابيع القليلة الماضية تقدما ميدانياَ لافتاً تخطى الحدود التي توقعتها القيادة السورية، إذ لم يقتصر التقدم على جبهة معينة، بل إمتدّ من ريف دمشق إلى أرياف حمص واللاذقية وإدلب وصولاً إلى ريف حلب وإستعدّ لتسجيل إنجازات في أحياء المدينة التي تخضع لسيطرة المجموعات المسلحة.
لم يكن التقدم بسيطاً، لأنه جاء يقلب المعادلة من دفاع الجيش عن المدن والمراكز العسكرية إلى الهجوم على أرياف إستقرّ فيها المسلحون وحاولوا التمدد منها إلى المدن الأساسية كالعاصمة دمشق.
قد يكون الهجوم على دمشق وارداً لكن إمكانية تحقيق المسلحين أي خرق باتت معدومة. فالمعلومات تتحدث عن معنويات عالية رُصدت عند العسكريين بعد نجاح الجيش في الوصول مجدداً إلى ريف إدلب وقتل أعداد كبيرة من المسلحين في ريف القصير وإستعادة السيطرة على القرى تدريجياً بشكل يومي. أما معنويات المسلحين كما تبدو في تصريحاتهم فتراجعت إلى حدود اليأس من إمكانية الصمود طويلاً وخلق ذرائع تتركز على عدم التسليح وضعف الإمكانات العسكرية.
في كل المحافظات السورية يدور الحديث بين المواطنين عن تجاوز مسألة سقوط النظام كما كانت تتوقع المعارضة ويعد المسلحون، الأمر الذي أعاد فتح خطوط التواصل بين مواطنين وأجهزة الدولة والإستعداد لتقديم المعلومات الأمنية عندما تسمح الظروف وتدعو الحاجة. فالصورة تبدلت والمواطن دخل في دوّامة التعب الإقتصادي والقلق على المصير بعد حصول التدمير والتهجير. ولم تتحقق نبوءات المعارضة ولم يسقط النظام بل إن الجيش بات في الموقع الأمامي، فيما تحولت بعض المجموعات المسلحة إلى عصابات تفرض الخوّات أو تسرق المصانع والمعامل كما في حلب.
أسباب تقدم الجيش السوري لا تعود إلى قدراته الطبيعية، وإن كان اثبت أنه مثال للجيش الصامد الجبّار الذي يواصل قتاله في أبشع الحروب منذ اكثر من سنتين، دون أن يتعب أو ينكفئ أو يتخاذل.
تتعدد أسباب التقدم بين تدريبات عملية تلقاها العسكريون تحاكي حرب العصابات، وجرّ المسلحين للقتال وفق طريقة الجيش، وإعتماد خطط تكتيكية عسكرية لقتل أعداد كبيرة من المسلحين. ويروي احد الضباط السوريين الميدانيين ان الأعداد التي تشارك في هجوم لمجموعة مسلحة على مركز عسكري قد يتخطى احياناً الألف مسلح من جنسيات عدة، لكن الجيش إعتاد أساليب الهجوم وحوّل وسيلة الدفاع من إطلاق نار عشوائي كثيف إلى إطلاق منظّم محدّد الأهداف.
لعب سلاح الطيران دوراً محورياً في ضرب مراكز المسلحين ومنعهم من التواجد على الطرق وفي المراكز المكشوفة، لكن إرتياح المجموعات في الأشهر الماضية فرض طمأنينة لديها، وعاشت "نشوة النصر" بعد الأنباء عن إسقاط طائرات النظام.
تلك النشوة يشير إليها معارضون إلى انها سببت الخسارات المتتالية في ريف ادلب وحمص وصولاً إلى حلب، رغم أن المعلومات أشارت إلى إستقدام المسلحين تعزيزات إلى منطقة ريف القصير لإسترداد تلة النبي مندو الإستراتيجية ومنع تقدم الجيش تجاه المدينة المذكورة، لكن خسائر بشرية هائلة أصابت المسلحين في تلك المنطقة.
كما أن تلك النشوة أدت إلى حصول نزاعات عملية بين "جبهة النصرة" و"الجيش الحر"، والإختلاف حول المغانم كما حصل حول نفط ديرالزور، أو حول السيطرة الميدانية.. وباتت كل "عصابة" تفرض الأمرة على مساحتها.
تتعدد الروايات، لكن العنوان ينحصر بتقدم واضح للجيش وتراجع معلن للمسلحين السوريين، يُرصد في الأمان العائد إلى طرقات رئيسية من دمشق إلى اللاذقية، أو من دمشق إلى حلب مروراً بإدلب، كما ان حركة المطار في ريف دمشق طبيعية. كما يُرصد التقدم في حديث رئيس الإئتلاف المعارض معاذ الخطيب مجدداً عن إستعداده للحوار مع النظام.
وهذا الإرتياح في الميدان تلمسه عند القيادة السورية جيداً، ولذلك ظهرت الثقة في حديث الرئيس السوري بشار الأسد، بإعتراف الأميركيين حول تفوق القدرة العسكرية للحكومة السورية.
ويقول مطّلعون سوريون أن الإنجازات الميدانية متواصلة، لأنها السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة السورية "في نتائجها تتحدد التسويات وتُفرض الأولويات".
عنصر "القاعدة" وتطرف المقاتلين ساهما إلى جانب النظام في إعادة الإعتبار إلى منطق الدولة الذي تتحدث عنه القيادة السورية، بينما المنطق الروسي فرض تحولاً دولياً سيحضر في لقاءات بين موسكو وواشنطن تدريجياً.
ومن هنا يقول دبلوماسي عربي إن مؤشرات الداخل السوري والخارج الدولي وما بينهما باتت جميعها دفعة واحدة تصب في مصلحة الأسد، لقد أصبح الوقت لصالحه، وأعاد الإمساك بزمام المبادرة، الا يوحي بذلك قرار العفو العام الشامل عن المحكومين والمطلوبين؟
عباس ضاهر
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد