ما هي أسباب نشر قوات سورية على حدود لبنان الشمالية
الجمل: تزايدت التقارير الإعلامية التي تتحدث عن قيام سوريا بنشر قواتها على طول خط الحدود السورية – اللبنانية وعلى الرغم من عدم تطرق الأطراف السورية بالكثير من الحديث عن هذا الأمر باعتباره شأناً سيادياً داخلياً، فقد نقلت التقارير الإخبارية عن مصدر سوري واسع الاطلاع استغرابه مما "يشاع ويقال في وسائل الإعلام عن حشود سورية بالآلاف".
* جيوبوليتيك الحدود السورية – اللبنانية:
ترتبط سوريا حدودياً مع خمسة من دول الجوار الإقليمي هي لبنان، العراق، الأردن، تركيا، وإسرائيل. وبرغم تعاون هذه الدول لجهة الوزن الجيو-سياسي فإن طبيعة العلاقة السورية - اللبنانية الشديدة التعقيد جعلت من الحدود بينهما الأكثر أهمية لجهة العديد من العوامل الجيو-بوليتيكية الفائقة الحساسية:
• ارتباط المجتمع اللبناني بالمجتمع السوري.
• ارتباط الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد السوري.
• ارتباط الأمن اللبناني بالأمن السوري.
وعلى هذه الخلفية، يمكن الاستنتاج بكل وضوح بأن السياسة اللبنانية لن تستطيع فك الارتباط مع السياسة السورية مهما ذهب الساسة اللبنانيون إلى البيت الأبيض أو الإليزيه وغيرها، لسبب بسيط يتمثل في أنه لا البيت الأبيض ولا قصر الإليزيه يستطيع تجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا القائلة بأن كل ما هو في لبنان يحمل في ملامحه الجغرافية والتاريخية حقائق ومعطيات تاريخ وجغرافية سوريا.
* الجيش العربي السوري والواجب السيادي:
تعتبر حماية الأمن والاستقرار من المهام السيادية للدولة، أي دولة، وعندما طلب في السابق مجلس النواب اللبناني والحكومة اللبنانية في اجتماع الطائف الشهير دخول القوات السورية للمساعدة في حماية أمن واستقرار لبنان لم تتردد سوريا في إرسال قواتها وعندما نجحت بعض الأطراف اللبنانية في دفع المجتمع الدولي إلى استصدار قرار خروج القوات السورية من لبنان خرجت هذه القوات، والآن عندما نشرت سوريا قواتها داخل أراضيها عادت هذه الأصوات ولكن هذه المرة لطرح مطلب مثير للجدل والغرابة وهو عدم القبول بنشر سوريا لقواتها داخل أراضيها فما الذي يريده هؤلاء هذه المرة: هل يريدون أن لا تقوم القوات السورية باعتراض الجماعات الإرهابية السلفية التي تقلها طائرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى لبنان من التسرب إلى سوريا؟ أم يريدون عدم اعتراض القوات السورية لشبكات التهريب والمخدرات التي تحاول إسرائيل إرسالها عبر حلفائها اللبنانيين إلى الداخل السوري؟ أم يريدون عدم اعتراض القوات السورية لشبكات تهريب السلع غير القانونية التي يترتب عليها نقل التضخم إلى داخل شرايين الاقتصاد السوري؟
* دبلوماسية العلاقات السورية – اللبنانية إلى أين؟
وجه وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ الدعوة الرسمية لوزير الخارجية السوري وليد المعلم لزيارة بيروت، للتباحث والتفاهم حول موضوع العلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية، هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الدبلوماسية السورية تشهد هذه الأيام حراكاً إقليمياً – دولياً واسع النطاق ومن أبرز المؤشرات الدالة على ذلك:
• لقاء وزير الخارجية السوري مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الذي تم الأسبوع الماضي.
• لقاء وزير الخارجية السوري مع مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد وولش.
• تجدد زيارات كبار المسؤولين الأوروبيين والدوليين إلى دمشق.
وعلى هذه الخلفية، تقول التسريبات بأن وفداً أمريكياً رفيع المستوى سيزور دمشق تمهيداً لاستئناف الحوار الأمريكي – السوري. ومن الطبيعي أن يكون ملف الأزمة اللبنانية المتجددة حاضراً في كل هذه الزيارات واللقاءات وذلك ليس لرغبة سوريا بالتدخل في الشؤون اللبنانية ولكن بسبب حقائق التاريخ والجغرافيا التي ما زالت تفرض حضوراً قوياً للملف اللبناني في سوريا، وهو الأمر الذي أصبحت واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي أكثر اقتناعاً به بينما ما يزال حلفاء أمريكا والاتحاد الأوروبي داخل لبنان لا يعترفون به.
الدور السوري في لبنان هو دور مفروض على سوريا وذلك لجهة ضرورة أن تحمي سوريا أمنها واستقرارها الذي يحاول البعض استهدافه عن طريق البوابة اللبنانية.
* لعبة الأطراف الثالثة على خط دمشق – بيروت:
دبلوماسية دمشق إزاء خط دمشق – بيروت ما تزال تستند إلى الثوابت الأساسية المتعلقة بضرورة عدم:
• المس بالأمن والاستقرار اللبناني.
• السماح بتدخل القوى الأجنبية في لبنان.
• تعزيز العلاقات السورية – اللبنانية المتميزة بطبيعتها الخاصة.
تلتزم سوريا بشكل موحد على العمل لجهة تنفيذ هذه الثوابت ولكن على الجانب اللبناني يوجد:
• طرف يلتزم بالتأكيد على هذه الثوابت.
• طرف يلتزم بالتأكيد على "غير ذلك".
وبالتالي، إزاء ثنائية مواقف القوى السياسية اللبنانية فإن دمشق سوف لن تراهن إلا على الطرف اللبناني الملتزم بالتأكيد على ثوابت العلاقة.
* الجيش السوري والحفاظ على توازن القوى في المنطقة:
أدت التداعيات والأحداث والوقائع الجارية إلى تشكيل بيئة شرق المتوسط السياسية – الأمنية ضمن خارطة شديدة التعقيد ومن أبرز معالم وملامح هذه الخارطة:
• تزايد الاستقطابات السياسية – الطائفية في الساحة اللبنانية.
• تزايد الخلافات الداخلية في الساحة العراقية.
• تزايد دور الأطراف الثالثة الأجنبية في لبنان، العراق، الأردن.
وعلى خلفية هذه التزايدات، وتداعياتها على استقرار سوريا فإن الجيش السوري سوف لن يتردد في القيام بالتصدي لأزمات المنطقة المهددة لاستقرار سوريا وكما هو مشروع ومسموح به دولياً أن تمارس القوات المسلحة مهام حماية الأمن عن طريق:
• اللجوء لاستخدام الأساليب الوقائية والتي من أبرزها القيام بعمليات ضبط وتأمين الحدود وهو ما يقوم به الجيش السوري على الحدود مع لبنان وعلى الحدود مع العراق.
• اللجوء لاستخدام الأساليب العلاجية والتي من أبرزها خوض الحروب لجهة الدفاع عن النفس وهو ما لم يلجأ إليه الجيش السوري حتى الآن.
يمثل الجيش السوري أذاً الأعمدة الهامة لجهة الحفاظ على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط وذلك لسبب بسيط وواضح للعيان، يتمثل في أن عدم وجود الجيش السوري سوف لن يترتب عليه سوى دخول منطقة الشرق الأوسط في نفق الفوضى الخلاقة، ومن ثم فعلى الأطراف اللبنانية التي تحاول التشكيك في نوايا السوريين إزاء حماية وضبط حدودهم مع لبنان أن يدركوا أن نشر القوات السورية بهذه الطريقة يصب أولاً وأخيراً في مصلحة اللبنانيين لجملة من الأسباب:
• إن عدم السماح بتسلل العناصر والجماعات الأصولية إلى سوريا سيدفع هذه الجماعات إلى مغادرة لبنان وذلك لأن المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي سيبحثان لها عن عمل في المناطق الأخرى.
• إن عدم السماح بتهريب المخدرات إلى داخل سوريا سيدفع إسرائيل إلى إرسال المخدرات إلى المناطق الأخرى بدلاً عن لبنان.
• إن عدم السماح بتهريب السلع الهامشية إلى الأسواق السورية سيحمي الاقتصاد السوري واللبناني كذلك من خطر التورط في عمليات الاستيراد الكبيرة الحجم لهذا النوع من السلع وذلك على النحو الذي يدفع أثرياء المهربين اللبنانيين إلى استثمار أموالهم في الأنشطة الحقيقية الني تعود بالنفع على الاقتصاد اللبناني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد