ما هي خلفيات الحشود العسكرية التركية- الكردية على الحدود العراقية؟
الجمل: تم نشر قوات البشمركة التابعة لرئيس حكومة إقليم كردستان العراقي، مسعود البرازني وحلفائه، على طول الحدود العراقية- التركية، في حالة تأهب قصوى تحسباً للمواجهة المحتملة مع قوات الجيش التركي التي احتشدت بالأساس على الجانب التركي من الحدود العراقية.
التعبئة العسكرية بواسطة الطرفين الكردي والتركي تأتي على خلفية:
- التهديدات التركية بشن حملة عسكرية، من أجل تصفية قواعد حزب العمال الكردستاني الموجودة في شمال العراق.
- تهديدات رئيس حكومة كردستان الإقليمية العراقية، مسعود البرازاني، بتصعيد التمرد الكردي داخل تركيا.
اختلفت التفسيرات حول دوافع هذا التهديد الكردي –غير المسبوق- لتركيا، وقد تمحورت وجهات نظر المراقبين والمحليين، ضمن ثلاثة تفسيرات:
• التفسير الأول: إحباط مخطط الاقتحام العسكري التركي:
المخطط التركي يهدف إلى اقتحام شمال العراق بواسطة القوى العسكرية، وذلك بما يحقق الأهداف الآتية:
- تصفية القواعد والبنى التحتية العسكرية لميليشيا حزب العمال الكردستاني، وبقية الفصائل الكردية الأخرى ما أمكن ذلك.
- إضعاف النفوذ السياسي والاقتصادي للقوى والفصائل الكردية.
- تشتيت التمركز الديمغرافي الكردي، وذلك لأن إقليم كردستان العراقي أصبح قاعدة لتمركز الحركات الكردية الموجودة في تركيا، العراق، وإيران، وأصبح يشكل ملاذاً آمناً للحركات الانفصالية الكردية، والتي أصبحت تستخدم الإقليم كـ(مؤخرة) للإعداد والتدريب وتنفيذ الهجمات.
- إقامة منطقة عازلة (Buffer Zone) تركية، على غرار المنطقة العازلة التي سبق أن أقامتها إسرائيل داخل جنوب لبنان، على النحو الذي يؤدي إلى منع عناصر حزب العمال الكردستاني من التسلل عبر الحدود إلى تركيا.
- إحباط مخطط تنظيم القاعدة، الهادف إلى إقامة تنظيم قاعدة كردستان، وقاعدة تركيا، وحالياً تقول المعلومات بأن حوالي 300 من عناصر تنظيم القاعدة، ينشطون داخل إقليم كردستان العراقي من أجل إعداد وتدريب العناصر الكردية، والتركية بحيث تنخرط في تنظيم القاعدة، ثم بعد ذلك تستقل كل مجموعة في منطقتها.
استطاعت قوات البشمركة والفصائل المسلحة الكردية، أن تعزز قوتها العسكرية خلال الأعوام الأربعة الماضية التي أعقبت احتلال العراق، وتعتقد القيادات العسكرية الكردية، بقدرتها على عرقلة أي هجوم عسكري تركي، وذلك لأن بنية شمال العراق الجبلية إضافة إلى دعم السكان المحليين سوف تعزز قدرتها هذه المرة في مواجهة الجيش التركي وشن حرب لا متماثلة ضده على غرار حرب حزب الله مع إسرائيل في الصيف الماضي.
• التفسير الثاني: تعزيز قدرة ونفوذ مسعود البرازاني:
بعد تكوين حكومة إقليم كردستان التي تتمتع باستثناءات كبيرة وفقاً لبنود الدستور العراقي الجديد الذي أشرفت على وضعه سلطات الاحتلال الأمريكي، وتولي الزعيم الكردي مسعود البرازاني لرئاسة حكومة إقليم كردستان، ومنافسة الزعيم الكردي جلال الطالباني لرئاسة الجمهورية العراقية، بدا واضحاً أن روشتة تقسيم السلطة لا تلبي طموحات الزعماء والحركات الكردية، وبدأت هذه الأطراف تسعى بمساندة سلطات الاحتلال الأمريكي من أجل فرض وثيقة تقسيم الثروة، وفقاً لما عرف بقانون توزيع عائدات النفط العراقي الجديد، وهو قانون الهدف الأساسي منه هو إضعاف أي حكومة مركزية عراقية، لأنه بعد أن حرم الدستور العراقي الجديد الحكومات العراقية القادمة من ممارسة حقها السيادي الكامل على كامل التراب وموارد السلطة في العراق، فإن هذا القانون يحرم هذه الحكومات من مورد القوة الاقتصادية الرئيسي، على النحو الذي يؤدي لإضعاف قوتها العسكرية، والاجتماعية.. وغير ذلك.
لم يعد الخلاف عربياً- كردياً فقط بالنسبة للأكراد، بل برزت الخلافات الكردية- الكردية، وتصاعدت حدّتها على خلفية رفض الكثير من الأطراف الكردية للصيغة التي نفذها تحالف البرازاني- طالباني في طريق اقتسام وتوزيع حصة كردستان من الموارد والقيم المتعلقة بالسلطة والثروة ضمن حصة إقليم كردستان.
أبرز نقاط أجندة الخلافات الكردية- الكردية تتمثل في الآتي:
- إشكالية تطبيق الديمقراطية: ظل ثنائي البرازاني- طالباني يحارب طوال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين من أجل تحقيق شعارات تطبيق الديمقراطية، والآن بعد أن سيطر هذا الثنائي على الأوضاع انقلب على الديمقراطية، وأصبح يرفض تطبيق الديمقراطية داخل إقليم كردستان، على النحو الذي أدى إلى حرمان المواطنين الاكراد من حقوقهم السياسية.
- إشكالية حكم الرشيد، يتعرض إقليم كردستان حالياً لأسوأ أساليب الإدارة الحكومية، بحيث أصبحت المصالح العشائرية واللامؤسسة تسيطر على القرارات والأداء الحكومي الرسمي لحكومة الإقليم.
- الفساد: تسيطر جماعات المحاسيب والمقربين على أجهزة صنع واتخاذ القرار، وعلى وجه الخصوص أفراد عشيرتا البرازاني وطالباني، وأصبحت موارد الإقليم الاقتصادية تحت رحمة هذه الجماعات التي تحولت إلى ما يشبه خلايا المافيا المتغلغلة داخل أجهزة الحكومة الإقليمية.
الأكراد أصبحوا يتهمون بوضوح مسعود البرازاني وبدرجة أقل جلال طالباني بالمسؤولية والتقصير في التصدي للفساد المستشري وحسب، بل وبالتورط فيه وتوفير الحماية لخلايا المافيات الكردية المقربة إليهم، والتي أصبحت تسيطر على كل شيء بدءاً من السيطرة على الوردات التي يديرون شبكاتها عبر الحدود التركية والإيرانية والسورية، وحتى الواردات النفطية والاستحواذ على ميزانية الإقليم الرسمية.
إزاء هذا الموقف المتدهور، لجأ مسعود البرازاني إلى استخدام وتوظيف نظرية المؤامرة والخطر الخارجي الداهم، من أجل تحويل انتباه الأكراد ودفعهم إلى التركيز على الخطر التركي، وذلك بما يتيح لمسعود البرازاني الظهور بمظهر البطل الكردي الذي يقود شعبه في مواجهة وصد الهجوم العسكري التركي الذي بات وشيكاً.
• التفسير الثالث: تنفيذ عملية أمنية بالوكالة:
يقوم هذا التفسير على أساس اعتبارات أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية قد لجأتا لاستخدام الملف الكردي وتحريكه على النحو الذي يؤدي إلى التأثير على اتجاه التطورات السياسية الجارية حالياً داخل تركيا..
الصراع في تركيا تبلور في اتجاهين:
- معسكر قوى الأغلبية بزعامة حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية، والهادف إلى إدماج تركيا ضمن البيئة الإقليمية الشرق أوسطية، وتخفيف ارتباطات تركيا مع إسرائيل وأمريكا وأوروبا، وعدم التورط في صراعات إقليمية جديدة بالوكالة عن أمريكا أو إسرائيل، والالتزام بإخضاع السياسة الخارجية التركية لاعتبارات المصالح الاقتصادية.. وهذا المعسكر لا تؤيده لا أمريكا ولا إسرائيل.
- معسكر قوى الأقلية بزعامة الحركات السياسية الصغيرة العلمانية المعارضة، وانضمت إليه المؤسسة العسكرية التركية باعتبارها المدافع والحامي الدستوري للعلمانية، ويهدف هذا المعسكر إلى الإبقاء على الطابع العلماني التركي، والتشديد على ضرورة ضم تركيا للاتحاد الأوروبي، والمزيد من العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل وتعزيز دور تركيا في حلف الناتو.. وإخضاع السياسة الخارجية التركية للاعتبارات الأمنية والعسكرية.
التحركات الكردية ذات الطابع التصعيدي المعادي لتركيا، الهدف منها إثارة حفيظة الشارع التركي، وجعله يهتم بدعم معسكر القوى السياسية التي تهتم بالتعامل مع قضايا الأمن القومي التركي على أساس الاعتبارات الأمنية والعسكرية، وذلك على النحو الذي يقلل من شعبية معسكر حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يفضل التعامل مع قضايا الأمن القومي التركي على أساس الاعتبارات الاقتصادية.
ويُقال أيضاً بأن الزعماء الأكراد قد تلقوا ضمانات أمريكية- إسرائيلية بعدم السماح لتركيا بشن هجومها العسكري المتوقع ضد شمال العراق، وتجدر الإشارة في هذه النقطة بالذات إلى أن الإدارة الأمريكية أرسلت مندوباً خاصاً إلى العاصمة التركية أنقرا، حذر حكومة حزب العدالة والتنمية من مغبة التعرض لهزيمة عسكرية في شمال العراق، على غرار هزيمة حزب الله للجيش الإسرائيلي في حرب الصيف الماضي.
وعموماً، فإن قواعد اللعبة الأمريكية- الإسرائيلية، أصبحت أكثر وضوحاً، فقد عقد اليهودي التركي الجنرال ييسار بيوكانيت مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن خطة الجيش التركي للقيام بعمل عسكري ضد الأكراد في شمال العراق هي خطة أصبح تنفيذها رهن إشارة صدور قرار الموافقة السياسية، وفي نفس الوقت الذي كانت تدرس فيه حكومة حزب العدالة والتنمية التركية موضوع إصدار القرار السياسي، جاء المبعوث الأمريكي يحمل (التحذير) العاجل الذي يطالب أنقرا بعدم التورط وتفادي الهزيمة، وتزامن ذلك أيضاً مع إصدار المحكمة الدستورية التركية العليا لقرار عدم الاعتراف بدستورية جلسة البرلمان الخاصة بانتخاب عبد الله غول لرئاسة الجمهورية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد