مخاوف إسرائيلية من ردود الفعل السورية ومطالب بتوزيع الأقنعة الواقية
بقيت عين وسائل الإعلام الإسرائيلية شاخصة إلى الموقف السوري المُرتقب، رداً على الاعتداء الجوي على السيادة السورية، وكثر التحذير من مغبة لجوء دمشق إلى طرق وخيارات عديدة لإعادة رسم قوعد اللعبة من جهة، ورد الاعتبار لنفسها من جهة ثانية.
وحذر المراسل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، من مغبة الوقوع في الخطأ، عند تقدير طبيعة الموقف السوري، ذلك أن صورة «الأمور عادية» من شأنها أن تتغير في لحظة، ولا سيما أن سوريا وإسرائيل دخلتا إلى مسار من شأنه أن يؤدي بهما إلى الحرب أيضاً. ومكمن الخطورة يكمن، بحسب فيشمان، في أن «انتقال سوريا من بث رسالة الأمور عادية إلى وضع الجاهزية الفورية للهجوم يمكن أن يكون قصيراً جداً، فهذا قرار شخص واحد، وهو قد يتخذ في كل لحظة».
وأضاف فيشمان أن فترة الأعياد المقتربة «ستمر علينا تحت ظلال التأهب العالي. والآن نحن لا نزال في حالة انتظار. كل يوم يمر يخفض فرص التدهور. لكن لا يزال لا يمكن تنفس الصعداء. الأزمة لا تزال في ذروتها وكل خطأ يمكنه أن يكون مصيرياً».
ودعا فيشمان القيادة الإسرائيلية إلى أخذ التهديدات السورية على محمل الجد، قائلاً: «إننا نتعامل مع أناس في غاية الخطر، مغامرون، من أسوأ الأنواع. وعندما يهدد مثل هذا النظام بالثأر من إسرائيل، ينبغي أخذه على محمل الجد والاستعداد لاحتمالات عديدة. قد تكون هذه محاولة سورية ما لخرق السيادة الإسرائيلية لترميم الكرامة المهانة مثلاً». كما توقع فيشمان أن تلجأ سوريا إلى شن عمليات على أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم.
بدوره، رأى المحلل السياسي في «هآرتس»، عكيفا الدار، أن «الواقع الإقليمي لم يتغير: التحالف السوري ـــــ الإيراني بقي على حاله، وربما أصبح أكثر قوة؛ مصالح دمشق في لبنان قوية كما كانت دائماً؛ تأثير سوريا على فصائل الرفض الفلسطينية ما زال ساري المفعول؛ الجولان ما زال جرحاً نازفاً».
وإذ أشار ألدار إلى أنه، وفقاً للجهات العليمة في إسرائيل، يوجد لدى سوريا صبر حتى بداية 2009، إلا أنه دعا إلى ضرورة استنفاد كل الوسائل لمنع حدوث الحرب، وخصوصاً أن أي عملية، أو حتى أي انتصار عسكري، لا يشكل بديلاً من التسوية السياسية، بحسب الدار.
من جهته، توقف المتخصص بالشؤون السورية، ايال زيسر، في صحيفة «معاريف»، عند مستوى الاهتمام الإعلامي السوري المنخفض بقضية الاختراق الجوي، مشيراً إلى أن هذا الأمر يبعث على التهدئة، لكنه نصح، رغم ذلك، بضرورة أن تواصل إسرائيل فتح عينيها على ما يجري في حدودها الشمالية. وقال زيسر إنه «اذا ما كانت طائرات إسرائيلية قد حلقت حقاً في سماء سوريا، فإن في ذلك ما يقرر قواعد لعب جديدة في العلاقات بين الدولتين، سيصعب على بشار الأسد التسليم بها». ولهذا السبب، يعتقد زيسر، أنه لا يزال هناك تخوف من أن يحاول الرئيس السوري «الإثبات لإسرائيل أن قواعد اللعب التي حاول فرضها منذ حرب لبنان الثانية لا تزال سارية المفعول». وبالتالي، فإن «الخطر من رد سوري لم يمر بعد، ويجدر بإسرائيل أن تواصل متابعة الخطوات السورية باهتمام كبير جداً».
وفي السياق، أكد مدير «معهد السياسات ضد الإرهاب» في مركز هرتسيليا المتعدد المجالات، الدكتور بوعاز غنور، أن «بحوزة سوريا العديد من الخيارات المتنوعة للعمل ضد إسرائيل، تقوم الآن بدراستها بشكل موزون من أجل اختيار البديل الأفضل».
وعرض غنور، لموقع «يديعوت أحرونوت» على الإنترنت، خيارات الرد السورية، فرأى أنها تبدأ من إقدام حزب الله على تسخين الحدود الشمالية عبر تنفيذ عملية عسكرية ما، وتمر بتفعيل منظمات فلسطينية تحظى بدعم دمشق، وفي مقدمتها «حماس» و«الجهاد»، للتحرك في المناطق الفلسطينية المحتلة أو في داخل إسرائيل، ولا تنتهي باعتماد السوريين «نموذج التصعيد الذي اختاره حزب الله في الماضي، بعد اغتيال أمينه العام السابق عباس الموسوي، من خلال استهداف مصالح إسرائيلية ويهودية خارج إسرائيل، كما حصل في بيونس أيرس خلال سنوات التسعينات».
وخلص غنور إلى أن الاحتمال الرابع أمام السوريين يرتبط بتسخين الجبهة السورية الإسرائيلية في هضبة الجولان كدولة في مقابل دولة وكجيش في مقابل جيش، لكنه أشار إلى أن معقولية إقدام السوريين على انتهاج خيار كهذا ليست مرتفعة.
وأوضح غنور أن السوريين «هددوا في الفترة الأخيرة باستخدام منظمات محلية ضد إسرائيل إذا لم يحصل تقدم في المفاوضات».
وتجنب غنور الخوض في ترجيح أي من الخيارات التي يمكن أن تلجأ سوريا إليها، إلا أنه أشار «إلى أن السلوك السوري يدل حتى الآن أنهم يدرسون كل الخيارات بجدية».
ووصف الخبير الإسرائيلي التعامل السوري مع ما جرى حتى الآن «بالذكاء»، وقارنه «بالرد الإسرائيلي» خلال عدوان تموز العام الماضي، الذي كان «غرائزياً وفورياً». ورأى غنور أن ما يقوم به السوريون حالياً هو «أنهم يرون في ما أقدمت عليه إسرائيل عملاً حربياً، وأعلنوا أنهم سيردون بما يجدونه مناسباً. وفي هذه الأثناء عكفوا على اختيار البديل الأفضل». وقال إن «هذا الأداء (السوري) هو نوع من التفكير السليم».
ورأى غنور أن الأسد «بمفهوم معين، قيد نفسه، لكنه إذا قرر التراجع وعدم الرد فسيكون قادراً على ذلك، وهذا ما تثبته التجربة الماضية»، مشيراً إلى أن «السوريين، في كل الأحوال، قرروا أن يأخذوا الوقت من أجل دراسة إمكان الرد، وبالتأكيد يوجد احتمال أن يتخذوا قراراً بالرد».
إننا نتعامل مع أناس في غاية الخطر، مغامرون، من أسوأ الأنواع. وعندما يهدد مثل هذا النظام بالثأر من إسرائيل، ينبغي أخذه على محمل الجد والاستعداد لاحتمالات عديدة. قد تكون هذه محاولة سورية ما لخرق السيادة الإسرائيلية لترميم الكرامة المهانة مثلاً
من جهة أخرى أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية أمس أن الأصوات في المؤسسة الأمنية تتعالى مطالبة بتوزيع الأقنعة الواقية على الإسرائليين، على خلفية التوتر القائم مع سوريا، فيما يرفض وزير الدفاع إيهود باراك إقرار هذه الخطوة. وذكرت صحيفة «معاريف» أن كلاً من شعبة الاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي يؤيدان توصية صدرت عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قبل أسابيع ترى ضرورة العمل على توزيع الأقنعة الواقية في أقرب وقت ممكن في ظل التغيير الذي طرأ على وضع إسرائيل الإقليمي إثر عدوان تموز الماضي على لبنان. إلا أن باراك يعارض حتى الآن تنفيذ هذه التوصية، رغم أن ملايين الإسرائيليين سلّموا الأقنعة التي بحوزتهم إلى الهيئات المختصة من أجل تجديدها ولم يحصلوا على بديل بعد. ونقلت «معاريف» عن مصادر أمنية قولها إن «سوريا تملك مئات الصواريخ البعيدة المدى التي يمكنها أن تصل الى كل زاوية في إسرائيل وكذا احتياطاً هائلاً من السلاح الكيميائي والبيولوجي». وتطالب هذه المصادر بتوزيع الكمّامات الآن «على الأقل من أجل زيادة الإحساس بالأمن».
من جهة أخرى، أشارت «معاريف» إلى أن الجيش الإسرائيلي يعمل أخيراً على استكمال تحصين وحدات مخازن الطوارئ وقواعد أخرى حيوية في المنطقة الشمالية كجزء من تطبيق عبر عدوان تموز. وبحسب «معاريف»، فإن «تصاعد التوتر مع سوريا أعاد إلى الجيش الإسرائيلي إدراك أن دمشق قادرة على إمطار منشآت الجيش في الشمال بنيران دقيقة وفتاكة، ولذلك جرى تسريع خطوات التحصين».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد