مرسوم حل البرلمان الأردني: الدلالات والتداعيات الداخلية والخارجية
الجمل: أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ظهر الأمس مرسوماً ملكياً بحل البرلمان الأردني، وذلك في تطور وصفته التقارير والتعليقات بأنه مفاجئ وغير متوقَّع.. إن صدور مرسوم الملك بحلّ البرلمان في هذا الوقت يحمل أكثر من دلالة، فما هي الأبعاد المعلنة وغير المعلنة لهذا المرسوم وما هي تداعيات المرسوم على الأداء السلوكي السياسي الداخلي والخارجي الخاص بالنظام الملكي الأردني خلال الفترة القادمة؟
* المرسوم الملكي الأردني المفاجئ:
تقول المعلومات والتقارير، بأن الملك عبد الله الثاني قد أصدر ظهر أمس الاثنين وبشكلٍ مفاجئ وغير متوقَّع مرسوماً ملكياً يقضي بتنفيذ الآتي:
- حلّ البرلمان الأردني الحالي، والذي يتكوَّن من مجلس النوّاب الأردني ومجلس الأعيان الأردني.
- الدعوة لعقد جولة انتخابات مبكِّرة لانتخاب البرلمان الجديد.
- مطالبة الحكومة الأردنية الحالية باتخاذ الإجراءات والترتيبات اللازمة.
إن قيام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بإصدار مرسوم ملكي بحل البرلمان بهذه الطريقة غير المتوقَّعة، لا يمكن أن يكون قد تمّ وفقاً لاعتبارات "المزاج"، أو مجرّد الرغبة في التعبير، وبالتالي، فإنه لا بدّ أن تكون هناك أسباب كافية تقف وراء صدور هذا المرسوم، وحتى الآن، لم يوجه جلالة العاهل الأردني أي انتقادات أو يصدر حتى مجرد المبررات أو الذرائع الشكلية التي رفعته لاتخاذ قرار حلّ البرلمان.
* ماذا وراء "النوايا الملكية" الأردنية؟
تشير معطيات خبرة تعامل العاهل الأردني الملك عبد الله مع البرلمان الأردني، بأنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها جلالة العاهل الأردني بحلّ البرلمان. وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• في العام 2001م أصدر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مرسوماً ملكياً بحلّ البرلمان الأردني والدعوة لعقد جولة انتخابات مبكِّرة.
• ينص الدستور الأردني على ضرورة قيام الانتخابات المبكّرة خلال فترة سنتين من تاريخ الحل.
• تم عقد جولة الانتخابات المبكّرة في عام 2003م، أي بعد حل البرلمان بعامين.
• خلال فترة العامين الممتدة من لحظة حل البرلمان في عام 2003م وعقد جولة الانتخابات المبكّرة عام 2003م، قام البلاط الملكي الأردني بتمرير 210 قانون وتشريع.
• عندما تم تشكيل البرلمان الجديد في العام 2003م، كانت هذه الـ 210 قانون وتشريع قد انفرضت على الأردنيين عملياً على غرار اعتبارات "الأمر الواقع".
وتأسيساً على ذلك، فإن التفسير الوحيد لنوايا العاهل الأردني إزاء إصدار مرسوم حل البرلمان الحالي، هو رغبة ونوايا البلاط الملكي لجهة إزاحة البرلمان الأردني، بما يتيح إبعاد السلطة التشريعية من دائرة التأثير على عملية صنع القرار. وبكلماتٍ أخرى، فإن غياب البرلمان الأردني عن الساحة السياسية، معناه وجود فراغٍ تشريعي، وهذا الفراغ التشريعي سوف يقوم مجلس الوزراء الأردني بالتقدم وملء فجوة هذا الفراغ، مع ملاحظة أن جلالة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سوف يكون في وضع أفضل إزاء الاضطلاع بمهام وأعباء الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على مجلس الوزراء الأردني، الذي يتميز ليس بقلة الأعضاء وولائهم الشديد للعاهل الأردني، وإنما بعدم وجود الأصوات المعارِضة، والتي بالرغم من قلتها في البرلمان المحلول، إلا أن وجودها كان كافياً ليسبب الإزعاج الشديد للبلاط الملكي. وعلى ما يبدو، فإن العاهل الأردني وبلاطه لم يعودا راغبين في سماع أي صوت ناشز خلال العامين القادمين، حيث يشهدان المزيد من الأنشطة السياسية الداخلية والخارجية، والتي يتوجب أن تكون حصراً في يد العاهل الأردني جلالة الملك عبد الله الثاني وحده وليس البرلمان، وليس بخافٍ على أحد أن تشير إلى التطورات الإقليمية المتوقعة الآتية:
• توسيع دائرة القتال في صعدة اليمنية، بما سوف يترتب عليه توسيع الشراكة الأردنية – السعودية – المصرية – الأمريكية (وبالتالي الإسرائيلية) وهذا أمرٌ قد تسبب مناقشته في البرلمان المزيد من الإحراج والمشاكل للعاهل الأردني وبلاطه الملكي.
• توجد احتمالات لامتداد الشراكة الأردنية – السعودية باتجاه الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وبالتالي، فإن عدم وجود البرلمان الأردني سوف يتيح اتخاذ القرارات والمضي قدماً بكل هدوء في الملفات الفائقة الحساسية والتي لا تتحمل النقاش ولا تعدد وجهات النظر، فلا صوت يعلو فوق صوت الملك عندما يكون بلاطه منهمكاً في إدارة المعارك المصيرية الخاصة بالأمة العربية.
• توجد احتمالات بأن تشهد الفترة القادمة من التعاون على خط تل أبيب – عمّان – رام الله، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بجهود حكومة نتنياهو باستبدال المفاوضات حول ملف حل الدولتين باتجاه ملفات جديدة أخرى مثل ملف السلام الاقتصادي الذي تحدّث عنه نتنياهو، وملف الدولة الفلسطينية المنقوصة الأراضي والمؤقتة الحدود والذي تحدث عنه شاؤول موفاز، وما يمكن أن يتطلب ذلك من بلاط العاهل الملكي الأردني من جهودٍ باتجاه التوفيق بين مشروع سلام فيّاض حول الدولة الفلسطينية، ومشروع الجنرال شاؤول موفاز حول الدولة الفلسطينية أيضاًَ. وبالتأكيد، فإن وجود البرلمان الأردني سوف يترتب عليه إبراز بعض الأصوات التي سوف تعارض، وإن كانت سوف تكون قليلة وغير كافية لعرقلة أعمال البرلمان.
هذا، وما هو جدير بالإشارة ومثير للاهتمام والغرابة، يتمثل في أن هذا البرلمان الأردني الذي أصدر صاحب الجلالة مرسوماً بحلّه، هو بالأساس برلمان الملك بحقٍّ وحقيقة، فهو يتكون بشكلٍ أساسي من العناصر الموالية للملك، ومن رجال العشائر الموالين للملك أيضاًَ. وتقول المعلومات والتقارير بأن هذا البرلمان المحلول قد تمّ انتخابه تحت غطاء عمليات تزوير وتجاوزات واسعة النطاق تمت تحت إشراف أيادي البلاط الملكي الخفيّة، والتي سمحت بوجود قلّة قليلة جداً من المعارضين – المعتدلين – للبلاط الملكي. ولكن برغم ذلك، فإن أداء البرلمان الأردني، وتحديداً مجلس النوّاب والأعيان خلال الفترة السابقة، والممتدة من لحظة انتخاب البرلمان في العام 2007م وحتى لحظة حلّه بالأمس، كان أداءً داعماً ومسانداً لتوجّهات العاهل الأردني وبلاطه الملكي. ولكن، وكما علق أحد الظرفاء الأردنيين قائلاً، بأن جلالة الملك يدرك تماماً مدى عدم رغبة شعبه الأردني في استمرار وجود هذا البرلمان، لذلك كانت هدية العيد – أو بالأحرى العيدية – التي قرر العاهل الأردني تقديمها لشعبه هي إصداره مرسوماً ملكياً مفاجئاً وحاسماً بحلّ البرلمان. والدعوة لانتخاباتٍ برلمانيةٍ جديدة، ولكنه فات عليه أن يحدد تاريخها...
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد