مستقبل الصراع على كركوك والحرب الأهلية العراقية القادمة
الجمل: شهدت الساحة السياسية العراقية خلال الأيام الماضية حدوث تطورات تعتبر فائقة الأهمية والحساسية لجهة تحديد ليس مسار الأزمة العراقية المستفحلة وإنما أيضاً مسار المستقبل العراقي.
* تواترات مشاهد السيناريو العراقي:
تسارعت خطى العملية السياسية العراقية وتزايدت سخونة المشاهد الدراماتيكية، فمن جهة صادق برلمان إقليم كردستان على مسودة الدستور الكردستاني ومن الجهة الأخرى غادرت قوات الاحتلال الأمريكي المدن العراقية ما عدا كركوك والموصل بحيث أعادت انتشارها في مواقع تمركز عسكري جديدة تقع خارج هذه المدن.
خطوات العملية السياسية الجديدة أدخلت اللعبة العراقية في مربع جديد وأقل ما يمكن أن يوصف به هذا المربع هو أنه مربع بالغ التعقيد لجهة تداعياته المتعاكسة التي تمثل أبرزها في الآتي:
• ألزم دستور كردستان القوى السياسية الكردية وحكومة الإقليم لجهة القيام بضم كركوك والموصل للإقليم وفي الوقت نفسه قوبل ذلك بمعارضة شديدة من القوى السياسية العراقية الأخرى وحكومة المالكي إضافة للسكان العرب والتركمان والآشوريين المقيمين في المدينتين.
• خرجت القوات الأمريكية من المدن العراقية الرئيسية لكن واشنطن أعلنت أن حدوث توترات ونزاعات بين السكان العراقيين سيترتب عليه بالضرورة عودة القوات الأمريكية للمدن إضافة إلى أن خروج القوات الأمريكية من كركوك والموصل سيكون رهناً بتوصل الأطراف العراقية إلى حل للمشكلة.
وبالتدقيق أكثر فأكثر في هذين النقطتين نلاحظ ما يلي:
• إن مفاعيل عودة القوات الأمريكية لجهة التمركز في داخل المدن العراقية هي مفاعيل ما تزال موجودة ومتاحة بكثرة إضافة إلى أن الأجهزة الأمريكية ما تزال تمسك بالمفاتيح الرئيسية الخاصة بهذه المفاعيل وبإمكانها أن تستخدمها متى ما أرادت إعادة قواته إلى المدن العراقية.
• إن مفاعيل خروج القوات الأمريكية من كركوك والموصل هي مفاعيل غير موجودة بسبب أن بنود الدستور الكردي إضافة إلى الموقف الكردي الرسمي والشعبي قد أغلقت جميعها إمكانية التوصل إلى أي صفقة بحيث لا يوجد إلا حل الصفقة غير المتوازنة التي لن تتم إلا بأن يتنازل أحد الطرفين وهو الأمر غير الممكن طالما أن خيار التخلي عن كركوك والموصل مرفوض بواسطة كلا الطرفين
تداعيات هذه المشاهد المتعاكسة ستنتقل بقوة لجهة التأثير على الهياكل المؤسسية العراقية بما يؤدي إلى إقعادها عن دورها الوظيفي السليم وعلى هذه الخلفية فإن العملية السياسية العراقية ستشهد العديد من التغيرات لجهة ضغوط عمليات الاستقطاب السياسي التي ستحدث أو بالأحرى بدأت تحدث بما أصبح يهدد فصم العلاقة بين المؤسسة الرئاسية التي يسيطر عليها جلال طالباني ومؤسسة السلطة التشريعية التي ما زال يسيطر عليها التحالف الشيعي العراقي.
* مقاربات اللاعبين وقواعد اللعبة:
هل سيقبل الأكراد بالتنازل عن بنود الدستور الكردستاني التي أكدت على ضم كركوك والموصل؟ بالتأكيد فإن الإجابة قول "لا"! وهل سيقبل العرب السنة والشيعة في العراق بالتنازل عن كركوك والموصل لصالح الأكراد؟ والإجابة تقول بالتأكيد "لا"!
ولما كانت السياسة هي فن الممكن فمن الممكن عدم استبعاد التوصل إلى حل.. ولكن كيف؟ وما هي قواعد اللعبة؟ ومن هم اللاعبون الرئيسيون والثانويون الذين بيدهم الحل؟
• أصبحت الساحة العراقية تعج بعدد كبير من اللاعبين ومن أبرزهم واشنطن وحلفاءها العراقيين إضافة إلى المقاومة العراقية.
• أصبحت شبكة المصالح تسيطر على دائرة اهتمام وأجندة أعمال العملية السياسية العراقية.
أدى كل ذلك إلى إكساب الأزمة العراقية قوة دفع أكبر باتجاه المجهول واللايقين:
• راهنت القوى الكردية على بقاء القوات الأمريكية للقيام بدور الحليف الحامي لإقليم كردستان.
• راهنت حكومة المالكي على بقاء القوات الأمريكية لجهة القيام بدور السند الرئيس لاستمرار الحكومة.
الآن، بدلاً من السؤال القائل: كيف يحل المالكي والأكراد المشكلة التي تقول: كيف ستحل واشنطن مشكلة حلفائها؟
على أساس اعتبارات النقاط المشار إليها يمكن الاستنتاج أن عقدة اللعبة العراقية ستصبح عصية على الحل وهو أمر يمكن أن يفتح الباب مرة أخرى لعودة خيار سيناريو الحرب العراقية – العراقية هي حرب وإن اندلعت فإن واشنطن ستعمل من أجل إدارة مفاعيل دواليبها بما يرفع معاناة العراقيين ويجعلهم أمام خيارين أحلاهما مر: إما "بقاء القوات الأمريكية" أو "بقاء القوات الأمريكية"!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد