مستقبل العراق على خلفية تجاذبات واشنطن - بغداد
الجمل: خلال هذه الأيام وقبل خمس سنوات بالضبط كانت الإدارة الأمريكية وبريطانيا تبذلان جهوداً خارقة من أجل إقناع العالم والمجتمع الدولي بضرورة القيام بعمل عسكري ضد العراق، وذلك من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، والإطاحة بنظام صدام حسين المرتبط بتنظيم القاعدة وإقامة دولة ديمقراطية توفر الأمن والسلام للشعب العراقي، ولكن تبين لاحقاً، باعتراف الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية بأنه لا وجود لأسلحة الدمار الشامل في العراق وبأن نظام الرئيس الراحل صدام حسين لم يكن مرتبطاً بتنظيم القاعدة، وأكثر من ذلك تبين أن هذه المزاعم قد تم إعدادها مسبقاً بواسطة المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين لجهة بناء الذرائع وتوفير المبررات للقيام بغزو واحتلال العراق.
* مستقبل العراق على خلفية تجاذبات واشنطن:
تزامنت زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الذي يمثل أحد أبرز الصقور الجمهوريين في الإدارة الأمريكية، إلى العراق مع زيارة المرشح الرئاسي الصقوري الجمهوري ماكين إلى العراق. وليس صدفة أن أعلن الصقران الجمهوريان بأنهما يؤيدان ويدعمان بقاء استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق بشكل مفتوح وبلا نهاية، وكان ماكين أكثر وضوحاً من تشيني عندما أعلن بأنه لو بقيت القوات الأمريكية في العراق لقرن كامل جديد فإن ذلك لن يمثل أي مشكلة بالنسبة إليه.
تداعيات حرب العراق ألقت بتجاذباتها على الملفات السياسية الأمريكية وأدت إلى إعادة تشكيل خرائط التحالفات السياسية:
• معسكر الجمهوريين:
* جماعة المحافظين الجدد تؤيد البقاء العسكري الأمريكي المفتوح في العراق، وأعلنت هذه الجماعة عن دعمها للمرشح الرئاسي الجمهوري جون ماكين.
* جماعة المحافظين التقليديين تؤيد البقاء المشروط في العراق لجهة تعاون دول الجوار العراقي وقبولها وأيضاً قبول العراقيين بالوجود الأمريكي.
• معسكر الديمقراطيين:
* معسكر هيلاري كلينتون يؤيد الانسحاب من العراق ظاهرياً ولكنه في الحقيقة يتواطأ مع الجمهوريين في إبقاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتدعم هذا المعسكر نانسي بيلوزي رئيسة مجلس النواب الأمريكي.
* معسكر باراك أوباما يؤيد الانسحاب من العراق في أقرب زمن ويجد هذا المعسكر التأييد من معظم زعماء الحزب الديمقراطي البارزين مثل جون كيري وكوشينج.
تقول المعلومات والتسريبات باحتمالات أن تستخدم إدارة بوش الجمهورية حيثيات ومعطيات الملف العراقي الحالية من أجل القيام بحدث يترتب عليه تحول دراماتيكي في أوساط الرأي العام الأمريكي الذي أصبح أكثر دعماً وتأييداً لأجندة الحزب الديمقراطي، وعلى الأغلب أن يكون هذا الحدث هو إشعال الحرب ضد إيران بما يفتح الباب واسعاً أمام الجمهوريين وإدارة بوش لاستخدام نظرية الخطر الخارجي والتهديدات التي تواجه الأمن الأمريكي بما يؤدي إلى تجميع التأييد لأجندة الجمهوريين ويقلل من شعبية الديمقراطيين على غرار نفس سيناريو فترة ما بعد أحداث 11 أيلول 2001م.
* مستقبل العراق على خلفية تجاذبات بغداد:
بعد مرور خمسة أعوام لم يحصل العراق على المستقبل الأفضل، وتحت تأثير تداعيات الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي أصبح العراق الدولة الأكثر تصدعاً وتفتتاً في العالم وحالياً يشير المشهد العراقي إلى الآتي:
• على الصعيد السياسي: يوجد معسكران رئيسيان في العراق هما:
* معسكر المقاومة العراقية ويضم عشرات الكيانات السياسية والمسلحة.
* معسكر المتعاملين مع الاحتلال ويضم عشرات الكيانات السياسية والمسلحة.
• على الصعيد الاقتصادي: انهارت البنيات التحتية العراقية وتدهور الاقتصاد وتزايدت معدلات الفقر والبطالة والنزوح، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية وتدهور مستوى المعيشة وغير ذلك.
• على الصعيد الاجتماعي: تزايدت معدلات العنف والتطهير الطائفي والعرقي، على النحو الذي أدى إلى تزايد العداوات وتفشي القتل وعمليات فرق الموت وأعمال السلب والنهب وترتب على ذلك إرغام ثلث الشعب العراقي على النزوح والهجرة إما إلى داخل العراق أو إلى دول الجوار العراقي.
• على الصعيد العسكري: لم يعد للعراق أي قوات مسلحة تتولى الدفاع عن الوطن والمواطن إضافة إلى أن انتشار السلاح والمليشيات أدى إلى تعدد وكثرة استخدام الجماعات المسلحة للأغراض الطائفية والحزبية والشخصية والقبلية العشائرية.
• على الصعيد الأمني: لم يعد للعراق أي جهاز أمن وطني، وقد أدى ذلك إلى نشوء ظاهرة "الفراغ الأمني" مما أدى إلى ظهور الأجهزة الاستخبارية الخاصة والطائفية والحزبية، إضافة إلى إفساح المجال لتغلغل واختراق الأجهزة الأجنبية في الساحة العراقية.
* خارطة طريق حملة الغزو العسكري الحادية والعشرين:
تقول المعلومات التاريخية بأن العاصمة العراقية بغداد قد تعرضت خلال تاريخها الطويل إلى 20 عملية غزو واحتلال عسكري، أي دخلتها واحتلتها الجيوش الأجنبية عشرين مرة، والآن تخضع بغداد لعملية الاحتلال العسكري رقم 21 في تاريخها، والتي نال "عار" القيام بها الجيش الأمريكي.
يقول محلل سياسي أمريكي بأن الجيش الأمريكي قد سعى من أجل القضاء على الانتماء القومي العربي العراقي، ولكنه بدلاً من ذلك فقد قام بتدمير المرافق والمباني والمؤسسات التعليمية والطبية. إضافة لذلك، بدلاً من أن تقوم الإدارة الأمريكية بتحرير العراق والعراقيين، فإنها أوقعتهم في شرك محرقة الصراع الطائفي والإثني والخلافات السياسية، وحالياً تحاول الإدارة الأمريكية المضي قدماً عن طريق التمهيد لتفتيت العراق وإضفاء الطابع المؤسسي القانوني الدستوري للآتي:
• تقنين الانقسامات العراقية عن طريق تمرير قانون الفيدرالية وتقسيم العائدات النفطية.
• الإعداد والترتيب لانفصال إقليم كردستان العراقي.
• نقل النفط العراقي عبر إسرائيل.
• فتح الأسواق العراقية للشركات الإسرائيلية.
• استخدام قطاع الزراعة العراقي ليكون مزرعة خلفية لإسرائيل.
• استخدام العراق كنقطة ارتكاز وقاعدة لاستهداف دول الشرقين الأوسط والأدنى والخليج العربي.
خارطة طريق حملة الغزو العسكري الحادية والعشرين تقول قراءاتها بأن تحالف بوش مع المتعاملين العراقيين يهدف ويسعى إلى القيام بارتكاب واحدة من أسوأ الحماقات وهي القيام بتوقيع اتفاق يتيح للقوات الأمريكي البقاء الطويل الأمد في العراق.
أبرز المعطيات والحيثيات الجارية الآن يشير إلى الآتي:
• حكومة المحافظين الجدد تريد توقيع الاتفاق والكونغرس الأمريكي يعارض ذلك.
• حكومة المتعاملين العراقيين (المنطقة الخضراء في بغداد) تريد توقيع الاتفاق ولكن البرلمان العراقي يعارض ذلك.
تتمثل مشكلة بوش – المالكي الحالية في كيفية تغلب بوش على الكونغرس وتغلب المالكي على البرلمان لتمرير الاتفاق وتوقيعه قبل نهاية العام الحالي. بوش يريد تمرير الاتفاق بحيث يضمن توريط الإدارة الأمريكي القادمة باتفاق يلزمها بإبقاء القوات الأمريكية في العراق وعدم سحبها إلا إذا طلبت حكومات المتعاملين العراقيين ذلك، وحكومة المتعاملين تريد عدم سحب القوات الأمريكية لإدراكها بأن خروج القوات الأمريكية معناه أنها لا بد أن تخرج من العراق معه، تماماً مثلما خرج أنطون لحد وعناصر ميليشيا جيش لبنان الجنوبي من لبنان مع القوات الإسرائيلية التي خرجت من الجنوب. مفردات المعادلة التي تحقق توازن مصالح الطرفين واضحة، ولكن المشكلة تتمثل في أن البرلمان العراقي يدرك جيداً أن تمرير الاتفاقية معناه بقاء زمرة المتعاملين العراقيين وعدم تداول السلطة وبالنسبة للكونغرس الأمريكي فإن أعضاءه يدركون جيداً أن البقاء في العراق معناه استمرار الحرب لأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق لن يكون وجوده على غرار سيناريو وجود القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية وغيرها، بل هو وجود حربي وعملياتي سيترتب عليه الإطاحة بمقاعدهم في الانتخابات الدورية القادمة لمجلسي النواب والشيوخ الأمريكي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد