مشعل: المصالحة الفلسطينية باتت بيد “إسرائيل” وأمريكا
على الرغم من أن العالم يواجه مشكلات كثيرة وكذلك المنطقة العربية، فإن القضية التي تشغل بال الجميع الآن هي قضية فلسطين لا سيما الخلاف بين حركتي فتح وحماس الذي حطم الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويؤثر بالسلب في مستقبل القضية وقوبلت حماس في هذا الخصوص بانتقادات كثيرة منها الانقلاب على الشرعية ومحاولة اقامة ادارة اسلامية في غزة تتبع الاخوان المسلمين، ومنها تهديد الحدود مع مصر في سيناء. لمناقشة هذه القضايا وغيرها توجهنا للرجل الأول في حماس خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة فكان هذا اللقاء:
- ماذا تقول عن الوضع القائم في غزة الآن؟
لا شك أن استمرار الحصار لما يزيد على عشرة شهور منذ يونيو/ حزيران العام الماضي وحتى الآن شكل كارثة انسانية في قطاع غزة، لم تستثن أي جانب من جوانب الحياة اليومية من العلاج والمستشفيات، الصناعة، البناء الزراعة، لدينا أكثر من 100 ألف عامل بلا عمل و18 ألف موظف في حكومة الأخ اسماعيل هنية لايتلقون الرواتب من ميزانية السلطة الفلسطينية، بالتالي هذا الوضع لا يمكن السكوت عليه، من حق شعبنا الفلسطيني أن يدافع عن حقه وأن يكسر هذا الحصار، أن ينهي هذه المعاناة، أن يجد دعماً من أمته لإنهاء هذا الحصار وكسره، من حق الأطفال والنساء والشيوخ وكل قطاعات شعبنا الفلسطيني أن يعيشوا حياة كريمة بعيداً عن هذا السجن الكبير الذي يعيش فيه مليون ونصف مليون انسان في قطاع غزة.
وبالتالي عندما يشعر شعبنا بالمعاناة، أين يتجه؟ يتجه إلى الحضن العربي، وأكبر حضن عربي هو الحضن المصري، نحن نقمتنا على الصهاينة والأمريكان، لأن الذي يحاصر الشعب الفلسطيني هم الصهاينة والأمريكان ولكن من الذي نستعين به بعد الله تعالى، اننا نستعين بأمتنا ومصر في طليعة الأمة، شعبنا الفلسطيني يحمل في ذاكرته دور مصر الرسمي والشعبي وحروبها من أجل فلسطين ضد “إسرائيل” وشهداء الجيش المصري وشهداء الشعب المصري وما لحق بمصر من معاناة بسبب قضية فلسطين، نحن كل ذلك نقدره وذاكرتنا حية به ونحن شعب وفي، ولا نحمل لمصر إلا كل محبة وتقدير.
العرب قادرون على كسر الحصار الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ومصر قادرة على ذلك خصوصا أن بيننا معبر رفع ولايجوز أن يظل هذا المعبر مرتهنا باتفاقيات ظالمة تمت بعيداً عن الشرعية الفلسطينية عام ،2005 ثم انتهت اتفاقية معبر رفح، وجددت أكثر من مرة وانتهى مفعولها، وفي زيارتنا الأخيرة لمصر تكلمنا مع المسؤولين حول شكل الادارة وترتيب المعبر ترتيبا سليما واعطاء الضمانات والتصميم على سلامة الاجراءات على المعبر من دون حاجة للوجود “الإسرائيلي”، صحيح أنها مازالت دولة احتلال ومهيمنة ولكن لايحق لها أن تتحكم في شريان الحياة بين غزة ومصر.
- بعض الفلسطينيين استغل فتح المعبر بشكل سيئ وجاء يحمل أحزمة ناسفة وأشياء أخرى. مارأيك في ذلك؟
الشعب الفلسطيني عبر الحدود إلى مصر قبل شهور طلباً للحياة ولقمة العيش الكريمة وذهاباً إلى الحضن المصري الدفئ، ولأن شبابنا في غزة لا يتحرك الا مسلحا فهو يتحرك بعفوية وليس بأي قصد للاساءة إلى مصر وأمنها، وسياسة حماس معروفة، ليست حماس التي يمكن أن تتهم بالاساءة إلى الأمن العربي فهي حصرت معركتها داخل فلسطين وضد الاحتلال “الاسرائيلي”، ولايخفى على أحد أنه ليس فقط قطاع غزة جزء من الأمن القومي المصري، أنا أعتبر كل فلسطين جزءاً من الأمن القومي المصري لأن هذه بوابتها الشرقية، والذي يستهدف مصر هي “إسرائيل” التي تسعى إلى انتزاع دورها والقفز عنه وتهميش دورها حتى تظل هناك دولة وحيدة تتحكم في المنطقة اقليميا هي “اسرائيل”.
ونحن في فلسطين وحماس بشكل خاص أحرص الناس على أن يتعاظم دور مصر الاقليمي، لأننا بحاجة إلى قيادة للأمة حتى نهمش دور “إسرائيل” وتعود الأمة إلى دورها الريادي والقيادي ولايستطيع أن يقوم بهذا الدور إلا مصر، لذلك أنا من خلالكم أوجه خطابا بالعقل والقلب للشعب المصري ولكل النخب والشخصيات والأقلام المصرية أن حماس وغزة وفلسطين هي سند لكم وخط دفاع متقدم لكم وليست مصدراً للخطر، انما الخطر الحقيقي هو “إسرائيل” والادارة الأمريكية ومطامع الأعداء في هذه المنطقة، ولذلك أقول إن مطلبنا كشعب فلسطيني من الدول العربية وعلى رأسها مصر بحكم ريادتها وزعامتها للأمة أن تُعجل بكسر الحصار وألا تقبل بالسياسة “الإسرائيلية” الأمريكية التي تريد قتلنا والاحتفاظ بأرضنا ومحاصرتنا ومعاقبة شعبنا بشكل جماعي.
- الوضع يمر من صعب إلى أصعب، فماذا يمكن أن يحدث خلال الأيام القليلة القادمة؟
أنا أقول الوضع في غزة خطير جداً وبرميل بارود، فالمعابر مغلقة، ولا تدخل الحاجات الأساسية في حدها الأدنى للشعب الفلسطيني، فمع استمرار هذا التجويع، والعدوان والاجتياحات المتكررة والقتل اليومي في ظروف بالغة السوء ماذا يتوقع الانسان؟ اذن فلنتق الله في الشعب الفلسطيني، هذه الحالة غير طبيعية، عدد الذين ماتوا بسبب عدم قدرتهم على السفر للعلاج أكثر من 132 شخصا، وإضافة لكل هذه المعاناة، نسبة الفقر تقريبا 80% في غزة.
- من وجهة نظرك هذا الحصار ما أسبابه؟
البعض يجلد ذاتنا ويجلد ذاته ويحملنا مسؤولية لا نتحملها، إن هذا الحصار سببه ماجرى في يونيو/حزيران الماضي، مرة يقول سببه الصواريخ ومرة بسبب الانقسام وهكذا. أقول بكل صراحة رفقا بأهل فلسطين ورفقا بحماس ورفقا بأهل غزة، ماجرى في حزيران الماضي لم يكن انقلابا من حماس لأن حماس لاتنقلب على نفسها، حماس كانت ومازالت جزءا من الشرعية الفلسطينية بل كانت على رأس حكومة الوحدة الوطنية فكيف ذلك، عادة المعارضة تنقلب على السلطة، نحن لم نكن معارضة حتى ننقلب على السلطة، نحن كنا جزءا أساسيا من السلطة وعلى رأس حكومة الوحدة الوطنية، ونحن الأغلبية في المجلس التشريعي، منتخبون انتخابا ديمقراطيا من شعبنا، لكننا دافعنا عن شرعيتنا وعن شعبنا أمام التيار الانقلابي ولايستطيع أحد اليوم أن ينكر هذه الحقيقة بعد ما نشرته المجلة الأمريكية “بنينتيفيز” التي تكلمت عن الدور الأمريكي - “الاسرائيلي” في دعم التيار الانقلابي ودعم أشخاص معينين من خلال الجنرال الأمريكي “دايتون” ثم “فريزر” وغيرهما من الجنرالات الأمريكان، دخل السلاح “الإسرائيلي” ليتدخل في الشأن الفلسطيني، ونحن دافعنا عن شرعيتنا ولم ننقلب على أحد.
- يرى البعض أن الانقسام الفلسطيني يدعو الصهاينة للاعتداء على الفلسطينيين؟
نعم الانقسام الفلسطيني سيئ ويغري الصهاينة بالاعتداء علينا ويخدمهم ولكن من الذي يرفض المصالحة؟ الطرف الآخر، أما نحن الذين استجبنا لكل الوساطات العربية، الرئيس حسني مبارك وجه دعوة ونحن قبلناها بلاشروط ورئيس السلطة الفلسطينية ومن قلب القاهرة وضع عليها ثلاثة شروط، السعودية، الرئيس السوداني والرئيس اليمني حاولوا ولكن بلا نتيجة، ولذلك قلنا مراراً إن المصالحة الفلسطينية باتت قراراً أمريكياً “اسرائيلياً” بدلا من أن تكون قراراً فلسطينياً وعربياً خالصاً. أمريكا تضع فيتو على المصالحة الفلسطينية والدليل الآخر عندما وقعنا على اعلان صنعاء ومع ذلك تراجع ممثل فتح عن هذا التوقيع.
- هل “إسرائيل” هي سبب المعاناة؟
نعم.. لقد استجبنا لكل من دعوا إلى التهدئة التي طرحتها أطراف عدة وعلى رأسها مصر ولكن “إسرائيل” ترفض، رفضت محاولة تدخل روسيا وبعض الأطراف الأوروبية وهي مازالت غير جادة في عروضها، ولا تعرض شيئاً ذا بال، هي تريد حصر التهدئة في غزة فقط، وترفض التهدئة الشاملة والمتبادلة والمتزامنة، اذن لايجوز أن نوجه اللوم للشعب الفلسطيني ولا إلى حماس، من يستطيع أن يلجم آلة العدوان “الإسرائيلي” فليفعل ولقد بادرنا في الماضي إلى التهدئة مراراً في 2003 و2005 و،2006 ولكن “إسرائيل” هي التي لاتستجيب، اذا لايجوز أن نجلد ذاتنا، وأن نلقي باللوم علينا كفلسطينيين أو كعرب، والدليل على ذلك أن العرب والفلسطينيين منذ سنوات طويلة وهم يعرضون السلام، فماذا فعل “الاسرائيليون” والأمريكان، لاشيء حتى المسؤولون العرب أنفسهم بمن فيهم الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية السعودي وكل المسؤولين في البلاد العربية يشعرون بالاحباط بسبب التجاهل “الإسرائيلي” والأمريكي، إذن العلة “إسرائيل” وليست عند الفلسطينيين ولا عند العرب بالتالي المعاناة سببها الاحتلال أساسا وسببهما العدوان، وحين ينتهي الاحتلال والعدوان ينتهي الصراع وينتهي شلال الدم ويعيش الناس بسلام.
- هل تعتقد أن فلسطين ستحرر في هذا العهد ؟
أنا على يقين أن تحرير فلسطين واستعادة حقوقنا لن يطول به الزمن، لا أقول انه سيكون خلال أيام أو شهور أو بضع سنوات قليلة، ولكن لن يطول الزمن لأن هذه سُنة الأمم وسُنة التاريخ وسُنة الله في الشعوب والأمم. الاحتلال لا مستقبل له، الاستيطان لا مستقبل له، الصليبيون جلسوا في بلادنا مائتي عام والقدس احتلوها 9 أعوام ثم خرجوا منها، ليس هناك احتلال أو استيطان يدوم، نعم المشكلة في أنفسنا، فنحن عرب اليوم ضعفنا وتفككنا وزادت خلافاتنا وقصرنا في الأخذ بأسباب القوة، الأمر الذي يغري الأعداء بنا، ويطيل أمد الاحتلال، لكن قطعا قيمة المقاومة الفلسطينية أنها تستنزف “اسرائيل،” تربكها، تشغلها عن التمدد في المنطقة العربية والاسلامية، تجعل للاحتلال كلفة حقيقية وتحضر الأمة وتعطيها فرصة كي تستعيد التوازن وكي تمتلك أسباب القوة حتى تكون هناك ارادة عربية وقرار عربي باستعادة الحقوق. وأنا أقول وقلتها للاخوة في مصر والمسؤولين وأقولها دائماً: هل كان يمكن لمصر أن تستعيد سيناء لو توقفت عند محطة هزيمة 67؟ قطعا لا، لكن عندما أصرت وعضت على جراحها وصبرت على المعاناة وبدأت تستعيد العافية وتقوي جيشها ودخلت حرب الاستنزاف، استطاعت بعد حرب أكتوبر المجيدة 73 حرب رمضان، أن تخلق حالة جديدة من ميزان القوى أجبرت “إسرائيل” أن تخرج من سيناء، اذن لاشيء يستعيد الأرض الا القوة والمقاومة، نعم المقاومة اليوم في ميزان القوى الحالي لاتستطيع حسم المعركة، لكن هل البديل أن نستسلم؟
- هل تعتقد أن مصر ستكمل الجدار الذي تبنيه على حدودها مع قطاع غزة؟
لا أظن أن هناك أي حاجة لبناء جدار يفصل بين المصريين والفلسطينيين لأن غزة هي امتداد طبيعي لأرض مصر، وهي الحضن الطبيعي للفلسطينيين ومهما حاولنا فلا يمكننا الفصل بين عائلات مقسمة نصفها على الأرض المصرية والآخر على أرض غزة، فمن المعروف أن نصف الغزاويين تربطهم قرابة وصلة نسب بأهالي رفح.
شيرين المنيري
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد