مصالح طهران وموسكو في سوريا

11-03-2012

مصالح طهران وموسكو في سوريا

الجمل- قسم الترجمة: إذا نجحت موسكو في الوقوف في وجه الضغوطات الدولية في مجلس الأمن ضد سوريا، واستطاعت أن تحفظ مسير إجراء الإصلاحات وإقامة الحوار بين الحكومة والمعارضة السورية ، عندها سيصبح من الممكن تأمين المصالح المشتركة لإيران و روسيا وذلك من خلال الحفاظ على نظام الرئيس الأسد الذي سيقوم بهذه الاصلاحات دون أي تدخل خارجي.
أحد الخصائص الهامة التي تميز علاقات اللاعبين في ميدان السياسة الدولية ،نسبية هذه العلاقات ، وهذه قاعدة جوهرية، تدخل في تنظيم أهداف ومصالح أي دولة في تحديد علاقات الصداقة – العداوة أو علاقات الحياد مع باقي الدول في العالم .
ايران وروسيا هما دولتان موجودتان على ساحة السياسة الدولية ،بالتأكيد ليستا مستثنيتان من هذه القاعدة الجوهرية.
في الواقع يجب بحث المستوى العالي أو المنخفض في علاقات كل من ايران وروسيا خلال العقود الأخيرة من خلال القاعدة السابقة حيث كانت في مختلف المراحل التاريخية هي السبب في تقارب أو ابتعاد الطرفيين عن بعضهما.
التحولات السريعة والمعقدة في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا ، تشكل نقاط منعطف تاريخية في علاقات  طهران وموسكو، بالرغم من وجود بعض الخلافات بينهما ،أدى هذا إلى تشّكل نقاط التقاء واشتراك واضحة في العلاقات بين الدولتين، في هذه المقالة القصيرة سنبحث نقاط الالتقاء ، لنفهم بشكل جيد التحولات الأخيرة الجارية في علاقات كل البلديين.


تحليل التحولات: 
شكلت ساحة الأحداث السورية أرضية مساعدة لظهور نقاط التقاء واضحة بين ايران وروسيا أمام التحولات الدولية و خصوصاً تحولات منطقة الشرق الأوسط.
يعارض كلا البلدين، بدلائل تاريخية وسياسية مختلفة وحفاظاً على مصالحهما وأمنهما القومي، توسيع النفوذ السياسي والاقتصادي و العسكري للغرب في مناطق تقع في محيطهما.
لهذا كان لطهران وموسكو خلال السنوات الأخيرة انتقادات متشابهة  إزاء سيطرة القطب الواحد على الاحداث في العلاقات الدولية من قبل امريكا وتوسيع الناتو إلى الشرق و طرح مشروع تركيب منظومة الدرع الصاروخي في التشيك وبولندا و بعدها في تركيا ووقوع ثورات ملونة في المناطق المحيطة بروسيا  بالإضافة إلى نشاط المنظمات والهيئات الثقافية والسياسية ذات الثقافة الغربية ،وتوسيع محيط النشاط الاقتصادي للغرب خصوصاً في مجال الطاقة في مناطق تقع في محيطهما الحيوي .
لهذا يجب أن تكون رؤية كلا البلدين إزاء التحولات الجارية في سوريا تندرج في إطار القلق المشترك من توسيع محيط نفوذ الغرب في منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية.
يعرف الروس جيداً أنه في حال سقط النظام السياسي الحالي في سوريا ستسقط المنطقة كلها وتصبح  تحت سيطرة الغرب وخصوصاً امريكا ، وهذا سيّوجه ضربة قوية لروسيا الصاعدة من جديد ،  في حين ترى ايران أن سوريا تشكل دولة مهمة في المنطقة و ذات موقع استراتيجي في محور المقاومة ضد اسرائيل والغرب.
سقوط الحكومة الحالية في سوريا و وقدم حكومة موالية للغرب لن يكون امراً مفيداً نهائياً  للمصالح الاستراتيجية الايرانية والروسية.
ترجع أهمية هذه القضية إلى أن روسيا على عكس التحولات في الشرق الأوسط وخصوصاً ليبيا ، دخلت إلى ساحة التحولات السورية بكامل قوتها السياسية ، وتصدت بقوة وحزم لإرادة المحور الغربي-العربي- التركي الساعي لتغير النظام في سوريا واستخدمت بشكل قاطع الفيتو ضد قرار مجلس الامن بخصوص سوريا.
وفي الوقت الذي قامت به كل من امريكا والدول الاوربية ومعهم الدول الخليجية بإغلاق سفاراتهم في دمشق واستدعاء سفرائهم ، أوفد الروس "سيرغي لافروف" وزير الخارجية و"ميخائيل فرادكوف" رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي إلى دمشق للقاء الرئيس الأسد.
على المستوى العسكري أرسل الروس صواريخ بالستية من طراز "ياخونت" التي تعمل تحت مسمى أنظمة الدفاع الساحلية (باستيون) على عكس ما حدثفي ليبيا ،الروس جادون جداً في التعاطي مع التحولات السورية.
منذ زمن طويل من أيام الحرب الباردة للروس علاقات عسكرية واسعة مع السوريين ، الكثير من التكنولوجيا العسكرية الموجودة في سوريا  هي روسيه بالأصل .
في ذلك الوقت كانت تجمعهم مع دمشق أفضل وأقوى العلاقات ، حيث نجح الروس في الحصول على ترخيص من السوريين لإقامة قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس حيث تعّد هذه القاعدة من النقاط القليلة المعدودة للتواجد العسكري الروسي المباشر في القسم الشرقي من البحر المتوسط.
لذلك هيأت التحولات الاخيرة أرضية مناسبة لتقوية العلاقات العسكرية الروسية –السورية، كما أن تقوية الدفاعات السورية يصب في خانة المصالح الايرانية لجعل سوريا قوية مقابل التهديدات الإسرائيلية .
أهمية هذه التحولات تتأتى من خلال تسليم منظومة صواريخ بالستية من طراز "ياخونت" لمواجهة التهديدات الاسرائيلية،كانهذا الموضوعمنذ عام 2007 إلى أحد المحاور الاساسية في المباحثات الاسرائيلية مع روسيا من أجل عدم تسليم منظومة الدفاع الصاروخية هذه لسوريا.
من جهة أخرى  يمكن مقايسة ألية تعاطي روسيا مع التحولات في سوريا من حيث الحساسية ونوع وقوة رد الفعل مع آلية تعاطي موسكو مع المناطق المحيطة بها، تعاطي يوجب اتخاذ مواقف متصلبة وحازمة مقابل توسع الناتو في أسيا المركزية والقوقاز ، واستقرار الدرع الصاروخي شرق أوربا، ومشروع انضمام جورجيا لحلف الناتو وقيام ثورات ملونة في اوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان.
في شهرآب عام 2008 أظهر الروس أنهم لن يترددوا في التدخل العسكري للحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية ، وتدل التحركات الروسية تجاه سوريا عن أن موضوع سوريا مهم جداً بالنسبة لهم ،وإذا أرادت روسيا أن تتخلى عن سوريا عليها أن تتخلى عن دورها للأبد في منطقة الشرق الأوسط لصالح الغرب ، الامر الذي يتضارب بشكل كبير مع المصالح الاستراتيجية الواسعةلموسكو.
هواجس الروس تتطابق بشكل كبير مع قلق الايرانيين من تحولات منطقة الشرق الأوسط وخاصة توسع نفوذ الغرب فيها وخطر إضعاف سورية مقابل اسرائيل ،اما القضية المهمة المشتركة بين ايران وروسيا هي أنه يجب دعم النظام السوري وفي نفس الوقت أن يقوم النظام بإجراء اصلاحات سياسية ، على عكس الجامعة العربية وتركيا والدول الغربية الذين يدعون لتغير النظام بالقوة، تخالف ايران وروسيا بقوة هذه الألية وفي المقابل يدعمون إجراء اصلاحات سياسية مدروسة .
قلق ايران وروسيا من أن يتغير هذا المسار وخاصة أن النموذج الليبي ماثل امام الجميع ، ويتحول إلى مسار دولي ، يترجم بشكل جيد هذا الأمر ما قاله تشوركين الممثل الدائم لروسيا في مجلس الأمن خلال تصريحات أدلى بها.
صرح تشوركين رافضاً المشروع الذي تقدمت به مملكة المغرب ضد سوريا قائلاً أن:مجلس الأمن ليس مكاناً لكتابة الوصفات لعزل وتنصيب رؤساء الدول ،يجب وضع ألية لتفويض مجلس الامن ،حتى لا يستطيع عدد من أعضاء المجلس في أي وقت رغبوا فيه أن يجبروا أي رئيس وزراء أو أي رئيس دولة على أن يتنحى.
في هذه الإطار ،قامت كل من ايران وروسيا بمساعي كثيرة من أجل أن يقبل الجميع بضرورة إجراء اصلاحات في حكومة الرئيس الأسد ، مع أن المعارضين السوريين لا يقبلون الحوار لهذا لم يصلوا إلى نتيجة.
المصالح الاقتصادية الواسعة لكلا البلدين في سوريا، تدخل أيضاً في إطار النقاط المشتركة بين طهران وموسكو في ظروف تعاني دمشق فيها من عقوبات اقتصادية منذ سنوات طويلة فرضها الغرب عليها .
العلاقات الاقتصادية لسوريا مع ايران وروسيا  أكثر من أي بلد أخر، تسهم هذه العلاقات في النمو والتوسع الاقتصادي لسوريا.
وصلت الصادرات الروسية عام 2010 إلى أكثر من (1.1)مليار دولار، والاستثمارات الروسية في سوريا وفق تقرير صحيفة موسكو تايمز وصلت في عام 2009 إلى اكثر من(4.19) مليار دولار ، بالإضافة إلى مبيعات السلاح الروسي لسوريا المقدر بـ 4مليار دولار.
هناك نشاط كبير واضح لشركات النفط  والغاز الروسية في سوريا . ايران أيضاً نظراً للعلاقات السياسية القوية مع دمشق تحظى بعلاقات اقتصادية كبيرة مع هذا البلد ، حيث وصل ميزان التبادل التجاري بين الطرفين في عام 2010 أكثر من 5 مليار دولار،كما يجمع البلدين علاقات قوية جداً في مجال السياحة وصناعة السيارات وإحداث محطة كهرباء وصناعة النفط والغاز .
الاضطرابات خلال السنة الماضية في سوريا كان لها أثر سلبي جداً على النشاط الاقتصادي الايراني والروسي وأدت إلى تباطؤ  في بعض الأحيان في التعاملات حيث أدت إلى توقف بعض الأعمال بشكل كامل .
الهاجس المشترك لكلا البلدين ،يتركز في أن يفقدا مصالحهما الاقتصادية إذا ما سقطت حكومة الرئيس الأسد وتسلم حكومة موالية للغرب تعمل ضد مصالح روسيا وايران في سوريا.
للتقاطعات الاقتصادية مكانة هامة في الاصطفاف المشترك بين طهران وموسكو،يجب أخذها بعين الاعتبار خلال تحليل التحولات الحالية.
أخر الهواجس المشتركة بين ايران وسوريا هي وصول المتطرفين الاسلاميين المرتبطين بالتيارات السلفية والوهابية إلى السلطة في سوريا، يشكل هؤلاء أكبر التيارات المعارضة للحكومة السورية ، حيث يتم دعمهم بقوة كبيرة جداً من قبل الدول العربية وخاصة السعودية.
تذوقت روسيا من قبل طعم المرارة جراء العمليات التي قام بها السلفيين والوهابيين في القوقاز الشمالي وخاصة الشيشان واينغوش وداغستان،  كما أن ايران تعرف جيداً مواقف هؤلاء المعادية لإيران وللشيعة .
بالإضافة إلى التخوف من حكومة موالية للغرب ، تحس كل من ايران وروسيا بالخطر الشديد من وصول التيارات السلفية والوهابية في سوريا إلى سدة الحكم ، هذا الأمر سيؤثر بشكل كبير ومباشر على مكانة ومواقف كلا البلديين.


تبعات التحولات:
تعد سوريا أهم  موقع استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لإيران و روسيا ، من خلالها يمكن التأثير على تحولات المنطقة وخصوصاً تحولات  فلسطين واسرائيل . الملاحظات الاستراتيجية الكبيرة للبلدين في مقابل توسع حيز نفوذ الغرب في المنطقة ، الارتباطات العسكرية و الاقتصادية والقلق من وصول التيارات الموالية للغرب والسلفية أدى هذا إلى تقارب في مواقف البلدين تجاه الاحداث في سوريا . يبدو بعيداً أن يقوم الغرب بدون التنسيق وإرضاء روسيا بالتدخل العسكري في سوريا. إذا نجحت روسيا في مجلس الأمن في أن تقف في وجه الضغوطات الدولية على سوريا ،وأن تتابع مسير الاصلاحات والحوار بين الحكومة والمعارضين السوريين ، ربما يمكن التكهن بتأمين المصالح المشتركة الايرانية –الروسية من خلال الحفاظ على نظام الرئيس الأسد  بإجراء اصلاحات بدون تدخل خارجي ، لكن إذا أراد الغرب بدعمه تركيا والدول العربية دون آخذ ملاحظات روسيا بعين الاعتبار ، التدخل العسكري في سوريا ،وإذا أدى هذا الأمر إلى تغير النظام في سوريا ستكون حينهاالظروف صعبة ومعقدة جداً لإيران ولروسيا ،بالإضافة إلى التغير في الشروط الجيوسياسية في المنطقة .
إن إقامة علاقات مع النظام القادم إلى سوريا المرّكب من تيارات موالية للغرب وتيارات سلفية ،ستواجه مشكلات كثيرة. ويلاحظ خلال هذه الظروف أن ايران وروسيا تمتحنان أكثر مرحلة حساسة ومهمة في علاقتهما السياسية ويبدو أنه امتحان صعب للغاية من أجل التعاون الاستراتيجي بين البلدين.


المصدر: المشرق

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...