مصر: حرب شوارع أمام قصر الرئاسة

02-02-2013

مصر: حرب شوارع أمام قصر الرئاسة

الرد هذه المرة جاء عبر المولوتوف. فللمرة الأولى منذ اندلاع «ثورة 25 يناير» قبل عامين، اشتعلت النار أمس في قصر الاتحادية، رمز الحكم في مصر الذي تتحصن فيه جماعة «الإخوان المسلمين» منذ وصول مرشحها «الاحتياطي» محمد مرسي إليه.
التطور غير المسبوق الذي أتى به المتظاهرون الغاضبون أمس، جاء بعدما انسدت أمامهم كل سبل محاولات التغيير السلمي، وبعدما ظلوا لأكثر من أسبوع يتظاهرون ويعبرون عن غضبهم تجاه رفض مرسي لكل مطالبهم المشروعة، التي تتمثل في تشكيل حكومة إنقاذ وطني وتعديل مواد في الدستور وإقالة النائب العام ووضع ضمانات لانتخابات برلمانية نزيهة وتقنين وضع جماعة «الإخوان» التي ينتمي إليها الرئيس.عناصر من الشرطة المصرية يعرّون متظاهراً خلال الاعتداء عليه بالضرب أمام قصر الاتحادية في القاهرة أمس (أ ب)
وبالرغم من أن التظاهرات المستمرة في القاهرة والمحافظات طوال الأسبوع المنصرم، تزامناً مع الذكرى الثانية للثورة، قد شابها بعض العنف الذي تأجج بفعل الاشتباكات الدامية في بورسعيد ومدن القناة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يبادر فيها المتظاهرون بالعنف، من دون أن يكون ذلك رد فعل على تعامل قوات الأمن معهم، كما أن هذه هي المرة الأولى التي لا يكتفون فيها بالهتاف المناهض لـ«الإخوان» وحكمهم أمام قصر الاتحادية، ولا حتى بمحاولات لاقتحام القصر، وإنما كان الهدف هذه المرة هو إشعال النيران فيه، وكأنهم يطبقون عملياً الاسم الموحي الذي اختاروه لتظاهرات الأمس: «جمعة الخلاص».
تظاهرات الأمس بدأت تقليدية، إذ خرجت مسيرات عدة تضم آلافاً من المعارضين، عقب صلاة الجمعة من مساجد في مناطق حيوية تمثل نقطة انطلاق، مثل العباسية وشبرا ورمسيس والسيدة زينب ومدينة نصر المتاخمة لحي مصر الجديدة الذي يقع فيه القصر الرئاسي. ولكن بدلا من أن تتجه المسيرات إلى ميدان التحرير كما هو معتاد، فقد غيّرت وجهتها إلى قصر الاتحادية مباشرة.
وبرغم هطول الأمطار، وبرودة الجو، فإن الحناجر ظلت تردد هتافات ساخنة تطالب بإسقاط النظام، والإطاحة بحكم مرسي و«الإخوان». وعندما وصلت العديد من المسيرات إلى محيط قصر الاتحادية، تزايدت الحماسة وتصاعد الهتاف، ونجحت الحشود في اختراق التأمينات التي وضعتها قوات الأمن على بعد أمتار من مقر القصر بما فيها الأسلاك الشائكة، حتى وصل آلاف إلى أبواب القصر، وأحاطوه، وتسلق بعضهم أسواره، وكادوا يصلون إلى ما في داخله، لولا أن قوات الحرس الجمهوري منعتهم من ذلك.
ومع غياب أخر ضوء من النهار البارد بالأساس، سطعت قنابل «المولوتوف» في السماء، وبدأت في السقوط على القصر الرئاسي من الداخل، واشتعلت النيران بالفعل في بعض الأشجار الموجودة داخل القصر، بالإضافة إلى أجزاء من السور. وأجج المشهد غير المسبوق ربما في تاريخ مصر الحديث كله، من حماسة المتظاهرين، إذ هجموا على بوابة القصر الرئيسية الحديدية التي تتمركز خلفها مباشرة عادة دبابة ضخمة تابعة للحرس الجمهوري. وحاول المتظاهرون خلع بوابة القصر، قبل أن يقوموا برشق القصر بالحجارة، وأجزاء من السور الحديدي الذي وضعته قوات الأمن في محيطه.
وشاب المشهد انفلات وفوضى واضحة لدقائق، قبل أن تستعيد قوات الأمن زمامها، وتبدأ في استخدام خراطيم المياه من داخل القصر لتفريق المتظاهرين. ثم أطلقت الطلقات التحذيرية، تبعتها قنابل الغاز المسيل للدموع، وهي جميعها أمور لم تفلح في إبعاد المتظاهرين، الذين ردوا بإطلاق مزيد من الحجارة، فيما أشعل بعضهم الألعاب النارية في الهواء، فبدا المشهد كله يغلفه الجنون والفوضى بسبب الغاز والنيران المشتعلة وأصوات الطلقات التحذيرية الممتزجة بالهتافات المناهضة للإخوان، وفي الخلفية أصوات سيارات الإسعاف ومدرعات الشرطة التي جاءت من الجهة المقابلة لتقديم الدعم لقوات الحرس الجمهوري.
ونجحت قوات الأمن بالفعل في إخلاء المنطقة المحيطة بالقصر بعد اشتباكات عنيفة استمرت لنحو ثلاث ساعات، حيث تقدمت ست سيارات مدرعة في الشارع المواجه لقصر الاتحادية، مطلقة عشرات قنابل الغاز المسيل للدموع، فتراجع المتظاهرون إلى الخلف، وتمركزوا في ميدان روكسي، الذي يبعد مئات الأمتار عن القصر الرئاسي، وسط سحب كثيفة من الغاز المسيل للدموع، لم تمنع الاشتباكات من التجدد على مقربة من القصر.
وأعلنت وزارة الصحة عن إصابة نحو 50 من المتظاهرين بحالات اختناق وإصابات بالخرطوش، بينما تحدث المتظاهرون عن إصابة أحد زملائهم بطلق ناري في الرأس، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الداخلية عن إصابة خمسة من عناصرها.
أما أهل القصر أنفسهم فقد جاء ردهم كالعادة مرتبكاً، وبعد تواتر أنباء عن خروج مرسي للإدلاء ببيان تلفزيوني، انتهى الأمر بإصدار بيان مهتز من الرئاسة، استخدمت فيه أسلوباً هجومياً بات معتاداً منها، وحمّلت فيه القوى السياسية مسؤولية الهجوم على قصر الاتحادية.
وجاء في البيان، الذي نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة على «فايسبوك»، أن محاولات اقتحام القصر هي ممارسات تخريبية عنيفة. وحمّلت الرئاسة مسؤولية هذه الأحداث إلى القوى السياسية «المعارضة» التي يمكن أن تكون قد ساهمت في التحريض، قبل أن تدعو هذه القوى إلى الإدانة الفورية لمثل هذه الممارسات، وحث أنصارها على المغادرة الفورية من محيط القصر. ولم ينس البيان أن يشير في ما بدا نهجاً أساسياً في أي الخطابات أو الكلمات التي تصدر عنها - إلى أن تعامل الأجهزة الأمنية سيكون «حاسماً».
المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي خرج ليقول في تصريح تلفزيوني إن مرسي راجع البيان الرئاسي قبل نشره، موضحاً أن مرسي، وبرغم حزنه الشديد من هذا المشهد، إلا أنه ظل داخل قصر الاتحادية أثناء الهجوم عليه، مشدداً على أن مرسي وجميع العاملين في القصر الرئاسي سوف يغادرونه عقب انتهاء المهام التقليدية.
جبهة الإنقاذ، الوعاء الأكبر للمعارضة، أصدرت بدورها بياناً حاد اللهجة، حمّلت فيه مرسي وجماعة «الإخوان» مسؤولية الأحداث، بسبب إصرارهما على تجاهل تشكيل حكومة إنقاذ وطني، ولجنة لتعديل مواد الدستور الذي كتبه «الإخوان» وحلفاؤهم بمفردهم، وإقالة النائب العام، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث العنف التي بدأت منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني في مدن القناة ومختلف المدن وتقنين وضع جماعة «الإخوان المسلمين» التي تعمل في مصر من دون سند من القانون أو الشرعية».
وتبرأت الجبهة من مشاركتها في أي أحداث شغب أو عنف، مؤكدة تمسكها بالسلمية، ومطالبة في ذات الوقت بفتح التحقيق في هذه الأحداث لمعرفة من يقف وراء وقوع العنف فجأة أمام قصر الاتحادية بهذه الصورة.
بدوره، حمّل رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي مرسي و«الإخوان» المسؤولية عمّا يجري، محذراً من استمرار العنف والفوضى ما لم ينصت الرئيس وجماعته إلى مطالب الناس بتشكيل حكومة جديدة، ودستور ديموقراطي وقضاء مستقل، وهو الرأي الذي هاجمته جماعة «الإخوان المسلمين» بعنف، واعتبره حلمي الجزار، وهو أحد أبرز وجوه الجماعة المنتشرة في الفضائيات، بأنها دعوة إلى مزيد من العنف وتحريض عليه بطريقة غير مباشرة، في حين اعتبر القيادي «الإخواني» البارز عصام العريان أن الأحداث التي وقعت أمام الاتحادية جريمة مكتملة الأركان، يجب تقديم المشاركين فيها والذين يقفون وراءها إلى العدالة، في وقت جددت فيه «الإخوان»، وعبر أكثر من بيان، التأكيد على عدم نزول أي من أعضائها إلى محيط قصر الاتحادية أو ميدان التحرير، الذي وقعت فيه بدوره أمس اشتباكات مماثلة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
وبدا أن العنف الممتد من شرق القاهرة إلى قلبها أمس، والتظاهرات والاشتباكات التي لا تقل حدة التي شهدتها محافظات عدة مثل الإسكندرية وكفر الشيخ والدقهلية، قد قتلت عملياً وثيقة الأزهر التي وقعتها أمس الأول أطراف بارزة في المعارضة والإخوان لنبذ العنف، وسط مخاوف وتوقعات من أن تتطور الأمور إلى ما هو أكثر عنفاً.

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...