معارك ريف حلب الشمالي تخلط الأوراق ومساعٍ لـ«هدن» مع الجيش السوري و«النصرة» تنكفئ
تقدّم سريع ومباغت استطاع تحقيقه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» في ريف حلب الشمالي.
سقطت مجموعة من القرى الاستراتيجية، وثبّت وجوده في قرية دابق التي يعتبرها التنظيم رمزاً، وعينه تتجه صوب مدينة أعزاز، معقله السابق، وسط ذهول الفصائل التي تقاتله، وانسحاب وانكفاء فصائل أخرى، قبل أن تتوقف المعارك عند حدود مدينة مارع، التي تشهد إعادة لترتيب الأوراق، وسط تكهنات بمعارك ضارية ستشهدها المنطقة لتحديد مستقبلها، ومستقبل الفصائل المتحاربة أيضاً.
كثيرة هي التغيرات التي تسبب بها فتح «داعش» جبهات قتال في ريف حلب الشمالي، وما يشكله تقدم التنظيم من تهديد وجودي للفصائل التي تقاتله، وعائلات المسلحين، ما رفع من وتيرة الخوف من ارتكاب مجازر قد يذهب ضحيتها الآلاف، خصوصاً أن هذه المعارك جاءت بعد المجازر التي ارتكبها «الدولة الإسلامية» بحق أبناء عشيرة الشعيطات في ريف دير الزور، وروح الثأر التي دخل بها التنظيم معاركه، ليغدو عدو الأمس صديقاً مرحلياً.
في مدينة مارع، التي برزت مؤخراً كأهم معقل للفصائل المسلحة التي تقاتل «داعش»، يحتشد آلاف المقاتلين من فصائل «جيش الإسلام»، و«جيش المجاهدين»، و«لواء التوحيد»، و«أحرار سوريا»، و«نور الدين الزنكي»، و«جبهة الأكراد»، قبل أن ينضمّ إليهم مقاتلون من «حزب العمال الكردستاني»، قدموا من منطقة عفرين، التي كانت حتى وقت قريب محاصرة من قبل الفصائل ذاتها، في حين اختفت «جبهة النصرة» التي كانت تصول وتجول في المنطقة.
وأشار مصدر معارض، إلى أن انسحاب «جبهة النصرة» وانقلاب الرأي العام ضدها يعتبر أحد أبرز التغيرات التي تشهدها المنطقة، موضحاً أن «الجبهة» تسببت في البداية بسيطرة التنظيم على قرية أخترين، قبل أن يتراجع مقاتلوها إلى مدينة أعزاز متخلين عن جبهات القتال، الأمر الذي تطلب تدخل قوى جديدة على ساحة المعارك، أبرزها المسلحون الأكراد، الذين يرون في «داعش» عدواً يهدّد وجودهم في المنطقة، لتنشأ تحالفات جديدة، ويرسل الأكراد عدداً كبيراً من المقاتلين، قدره المصدر بنحو ألفي مقاتل، وصلوا إلى مدينة مارع، وتوزعوا على جبهات القتال.
وإلى جانب انكفاء «جبهة النصرة»، وانقلاب المزاج العام ضدها في الريف الشمالي، تراجع وجود «حركة أحرار الشام»، المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، في ريف حلب الشمالي، بعد أن كانت تتقاسم إلى جانب «النصرة» نفوذاً واسعاً، حيث أرسلت «الحركة» عدداً ضئيلاً جداً من المقاتلين، وتراجع قياديوها إلى خطوط خلفية، لتجد الفصائل المحلية الصغيرة نفسها في واجهة المعارك، وهو تغيّر، يراه المصدر مهماً في المنطقة التي استوطنت فيها التنظيمات المتشددة، طيلة العامين الماضيين.
وفي السياق ذاته، يعيد مصدر «جهادي» أسباب تراجع «حركة أحرار الشام» عن جبهات القتال ضد «داعش» إلى رفض عدد كبير من المقاتلين القتال ضد «جهاديي الدولة»، الأمر الذي يرونه «محرّماً».
وبالتزامن مع تراجع وانكفاء «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، برز نجم الجيش السوري، الذي كثف غاراته الجوية على مقار ومناطق تواجد مقاتلي «داعش»، الأمر الذي خفّف من ضغط التنظيم على الريف الشمالي، وساهم إلى حد كبير بتوقف تقدمه. وأوضح المصدر المعارض أن الطيران الحربي السوري يشنّ غارات بشكل يومي على معاقل التنظيم من جهة، ومعاقل تواجد «جبهة النصرة» في أعزاز و«حركة أحرار الشام» في صوران.
وبالتزامن مع غارات الجيش السوري، التي تراها الفصائل المقاتلة لـ «داعش» كنوع من المؤازرة، تدور في أروقة الفصائل أحاديث عن مجموعة من «الهدن» التي يجري التحضير لها مع الجيش السوري على جبهات القتال القريبة، منها التراجع من مخيم حندرات، وفك الحصار عن قريتي نبل والزهراء بشكل جزئي، لضمان التفرغ الكامل لقتال «الدولة الإسلامية»، الأمر الذي لم يؤكده أي مصدر رسمي حتى الآن، في حين تشير الوقائع الميدانية إلى رغبة الجيش بالحسم العسكري عن طريق سيطرته على مقطع البكارة، والوصول إلى تخوم مقر مستشفى الكندي من جهة، واستمرار العمليات العسكرية في منطقة خان طومان جنوب مدينة حلب.
وبالعودة إلى الأحداث الميدانية، تشهد جبهات القتال بين «داعش» والفصائل التي تقاتله حالة سكون في الوقت الحالي، تقطعها عمليات قصف متبادل بين الطرفين من حين إلى آخر، واشتباكات متقطعة قرب قرية احتيملات، في حين منح كل طرف خصمه مهلة 24 ساعة للانسحاب.
وفي مدينة حلب، يبدو أن الطريق بات ممهداً لتقدم الجيش السوري نحو أحياء حلب الشرقية، إثر انشغال الفصائل في حربها مع «داعش»، ونزوح معظم السكان المدنيين، الأمر الذي من شأنه قلب المشهد الميداني بشكل كلي في حلب، رغم أن الوقائع تشير إلى عدم رغبة الجيش في خوض معارك من هذا النوع في المدينة وتفضيله انتظار التسويات، والتي تأتي في مقدمتها التسوية التي تطبخ في حي الشيخ مقصود، والذي ينتظر انسحاب المسلحين منه وتسليمه إلى المقاتلين الأكراد.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد