معهد واشنطن:دعم وتصنيع تيار شيعي ضد حزب الله
الجمل: عرفت المجتمعات والكيانات الإنسانية، المؤامرة باعتبارها فعلاً خبيثاً يتم الاتفاق عليه في الظلام... وعلى خلفية التطور والتقدم الانساني فقد تقدمت المؤامرة أيضاً بشكل أصبح من الممكن الحديث عن وجود ما يمكن تسميته بـ(صناعة المؤامرة) وذلك على أساس اعتبارات التقدم والتطور والتحديث في عمليات تخطيط وتنفيذ المؤامرة وفقاً لما يعرف بـ(إدارة المؤامرة).
كذلك أصبحت مراكز الدراسات الاستراتيجية تلعب دوراً كبيراً ورئيسياً في صناعة المؤامرة إن لم تكن هي نفسها مصانع ومعامل المؤامرة.
من ابرز وسائط الصراع العربي الإسرائيلي نجد عدداً كبيراً من مراكز الدراسات والبحوث المتخصصة في مجالات (صناعة) الصراع العربي الإسرائيلي. ويعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط واحداً من أبرز هذه الـ(ماكينات) والنظرة الفاحصة لمناشط وفعاليات هذا المعهد تؤكد وتكشف عن مدى الارتباط الوثيق لفعاليات هذا المعهد مع مراحل وتطورات وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي ضمن دوائر منظومة الصراع الثلاثة:
• دائرة بؤرة الصراع: فلسطين، سورية، لبنان، الاردن.
• دائرة النطاق المصاحب للصراع: الدول العربية الأخرى وإيران.
• دائرة المجال العام الخارجي: المنظمات الدولية والدول الكبرى وغيرها.
نشر ديفيد شينكر (الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمتخصص بشؤون الصراع العربي – الإسرائيلي عموما بالتركيز وخصوصاً في شؤون وملفات دائرة بؤرة الصراع) مقالاً في مجلة ويكلي ستاندار (تابعة للمحافظين الجدد ويرأس تحريرها وليم كريستول) الصادرة هذا الأسبوع، حمل عنوان: الشيعة ضد حزب الله.
يندرج المقال ضمن مايعرف بـ(صناعة المؤامرة) وذلك لان ديفيد شينكر قد أسس مقاله هذا على الأطروحة التي تقوم على القاعدة المنطقية التي تقول بما أن جزء من (أ) يقع ضمن (ب) فإنه يلزم على ذلك أن بعض (أ) لايقع ضمن (ب).
وقد طبق ديفيد شينكر اسقاطاً لهذه القاعدة على الحالة اللبنانية يقوم على قاعدة أن جزءاً من الشيعة (أ) يقع ضمن حزب الله (ب) وبالتالي فإن بعض الشيعة لا يقعون ضمن دائرة حزب الله ومن ثم مضى ديفيد شينكر قدماً في أطروحته التي يحاول التسويق لها في مقال الويكلي ستاندار والتي نشرها أيضاً معهد واشنطن بالخطوط البارزة وفي صفحته الأولى الملامح البارزة التي اشار إليها ديفيد شينكر تتمثل في الآتي:
• أوقف حزب الله هجماته الصاروخية ضد إسرائيل وتحول حالياً باتجاه الهجوم ضد المفكرين والسياسيين اللبنانيين الذين يتحدثون وينتقدون هيمنة حزب الله على التوجهات السياسية الخاصة بالشيعة اللبنانيين.
• ليس كل الشيعة يؤيدون حزب الله، وقد عارض بعضهم بصوت عالي اجندة المقاومة وحالياً يحاول حزب الله من أجل أن يضع تحت قبضته هؤلاء المنشقين بما يجعلهم يسايرون خطته وتوجهاته السياسية.
• حتى الآن لم يصل الخلاف والتعقيد إلى مرحلة تولد العنف والعنف المضاد ولكن ما هو معروف أن لحزب الله تاريخاً طويلاً في عملية اللجوء لاستخدام العنف في المنطقة.
كذلك يتعرض ديفيد شينكر إلى بعض الأمثلة والتي يحاول أن يجعل منها شواهداً تؤكد صحة ملاحظاته وهو ما تقول به منهجيات تدعيم أساس الأطروحة في نظرية المؤامرة- وذلك عن طريق الاشارة للآتي:
• احتجاج وزراء حزب الله في كانون الأول 2005م على بعض الاجراءات الحكومية المتعلقة بملف التحقيق في اغتيال رفيق الحرير رئيس الوزراء اللبناني السابق.
• دعوى مطر القانونية في كانون ثاني 2006 ضد فتوى رجل الدين الشيعي الشيخ النابلسي تستند الدعوى القانونية على اطروحة أن حزب الله وفقاً لفتوى الشيخ النابلسي التهديدية قد استطاع أن يحرم الشيعة اللبنانيين من ممارسة حقهم الدستوري بالمشاركة في الحياة العامة..
• مقالة الشيعية اللبنانية منى فياض، استاذة الفلسفة بالجامعة اللبنانية، والتي نشرتها في صحيفة النهار اللبنانية وهاجمت فيها هيمنة حزب الله السياسية والفكرية وأيضاً انتقاد منى فياض لحزب الله التي نشرتها صحيفة السياسة الكويتية.
• حديث الشيعي اللبناني لقمان سليم والذي طالب فيه بعملية تنويع التمثيل السياسي للشيعة اللبنانيين محاولاً الزعم بأن هيمنة حزب الله على الشيعة اللبنانيين قد أدت إلى اقصاء الشيعة المعتدلين ومنعتهم من المشاركة السياسية.
ويرى ديفيد شينكر أن الشيعيان محمود مطر ومنى فياض ولقمان سليم برغم انهما لا يحظيان بأي تأييد داخل مجتمع الشيعة اللبناني إلا انهما يمثلان شريحة هامة لـ(نوع من الشيعة اللبنانيين) الذين لا تربطهم أي علاقة مع حزب الله أو حركة أمل أو إيران أو سورية.
إن التعرض بالتقويم والتحليل لما كتبه ديفيد شينكر حول الشيعة وحزب الله يكشف أهميته القصوى من الواجهات المؤسسية التي قامت بتبني نشره فجريدة الويكلي ستاندار هي بمثابة الناطق الرسمي الايديولودجي والسياسي لجماعة المحافظين الجدد. وما يكتب على صفحاته اليوم يحدث ويتحقق عملياً بعد يومين أو ثلاثة في البيت الأبيض الأمريكي والكونغرس.
أما معهد واشنطن فقد إنشاءه بدعم الايباك وحالياً تقوم برعايته منظمات اللوبي الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلة وقد راينا بالفعل كيف أن الكثير من أطروحاته حول الملفات الشرق أوسطية قد قامت لاحقاً وزارة الخارجية الأمريكية بتبنيها كأجندة رسمية في المنطقة.
المؤامرة التي يحاول ديفيد شينكر ان ينسج خيوطها يمكن التكهن –من دافع المقال- بان ملامحها البارزة تتمثل في الآتي:
• القيام بتبني عدد من الشخصيات البارزة الشيعية من الذي لا تتوافق أرائهم مع توجهات حزب الله أو حركة أمل.
• تجميع هذه الشخصيات وبناء (نخبة شيعية جديدة).
• اعداد وتصميم جدول أعمال شيعي لبناني جديد تختلف أجندته عن أجندى حزب الله وحركة أمل من جهة ومن الجهة الأخرى تتوافق اجندة هذا الجدول مع الأجندة الأمريكية الإسرائيلة المضمنة في القرار 1559 وتفريعاته وتاويلاته.
• أن يتم تعزيز الارتباط بين جماعة 14 أذار (تيار المستقبل) وهذه النخبة الشيعية الجديدة.
• ان تتبنى مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية واجهزة الإعلام الغربية وأيضاً (بعض أجهزة الإعلام العربية) مهمة الترويج لاطروحات جدول أعمال هذه النخبة الجديدة بما يؤدي إلى التسويق لرؤاها ضمن مجتمع الشيعة اللبناني على النحو الذي يؤدي تعميقه.. الى خلق (قاعدة شعبية) تستند عليها هذه النخبة.
وأخيراً وهو ما يهد إليه ديفيد شينكر: تعميق الانقسام داخل المجتمع الشيعي اللبناني عن طريق خلق تيار اجتماعي شيعي لبناني معارض لحزب الله وحركة أمل وسورية وإيران وعلى ما يبدو فإن مشروع ديفيد شينكر سوف يحالفه النجاح والتوفيق حصراً إذا استطاع كما يقول الشتاء ( أن يقنع النهر بأن لايسيل..).
الجمل: قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد