مـاذا وراء تسـليم القـدس إلـى المملكـة الهاشـمية؟
فاجأ الملك الأردني عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمهور الفلسطيني بإعلان الاتفاق على منح الأردن حقوق «رعاية» مدينة القدس والأماكن المقدسة فيها. ونبعت المفاجأة من كون الإعلان يعني ترسيماً لأمر واقع كان موضع اختلاف فلسطيني من ناحية، ويتنافى مع سعي منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية لترسيخ دعائم الدولة. وقد بررت قيادة السلطة هذا الاتفاق بأنه استمرار لما كان قائماً من جهة، ولمواجهة المخططات الإسرائيلية من جهة ثانية.
وبديهي أنه لا يمكن فهم هذا الاتفاق من دون قراءة سريعة لماضي العلاقات الأردنية مع الحرم القدسي ولواقع القضية الفلسطينية والسلطة القائمة حالياً. وتعود العلاقات الهاشمية مع القدس إلى فترة إنشاء إمارة شرقي الأردن بعد الحرب العالمية الثانية، وتعويض الهاشميين عن خسارة الحجاز، والحرمين المكي والمدني ببدء الصلات مع الحرم القدسي. وشكلت نكبة فلسطين وما تلاها من ضم الضفة الغربية وإعلان المملكة الأردنية الهاشمية ترسيماً لعلاقة السيطرة والوصاية على القدس الشريف. وظهرت هذه الوصاية بشكل أوضح بعد زوال السيطرة الأردنية على القدس إثر احتلالها من جانب الجيش الإسرائيلي في حرب العام 1967 حيث انتهجت إسرائيل سياسة «الجسور المفتوحة»، وحاولت تكريس «التقاسم الوظيفي». ولكن النضالات الفلسطينية وانتهاء «الخيار الأردني» قادا إلى تنازع مديد بين الفلسطينيين والأردن على إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس. وكان واضحاً، على الأقل لدى أنصار التسوية من الإسرائيليين، استسهال التعاون مع الأردن في هذا الشأن على التعاون مع الفلسطينيين.
ويمكن القول إن قرار فك الارتباط من جانب الأردن مع الضفة الغربية من ناحية واتفاقيات أوسلو من ناحية ثانية زادا وضع «الوصاية» الأردنية التباساً. فالأردن صار يتحدث عن «الرعاية» بوصفها أحد أهم واجباته تجاه فلسطين وتجاه الإسلام. ووجدت جهات فلسطينية في ذلك نوعاً من المنفعة التي كان يسكت عنها ما دام الطرف الفلسطيني ضعيفاً. ومع زيادة ضعف السلطة الفلسطينية كانت تكثر تنازلاتها. وثمة من يعتقد أن قرار إبرام اتفاق «الرعاية» في هذا الوقت يفضح أكثر من أي شيء آخر ضعف السلطة الفلسطينية وقيادتها.
والواقع أنه لا يمكن الخروج باستنتاجات نهائية من إعلان الرعاية نظراً لتعقيدات الوضع الفلسطيني والعلاقة الأردنية الفلسطينية. ومع ذلك يصعب عزل هذا القرار عن انسداد أفق التسوية من ناحية، وقرارات القمة العربية الأخيرة من ناحية أخرى؛ وربما رغبة جهات فلسطينية في «أكل العنب وليس محاربة الناطور» في كل ما يتعلق بالقدس. فالعلاقة الأردنية الإسرائيلية تتسم أيضاً بحساسية استراتيجية لا تقل بل تزيد عن الحساسية السياسية الأردنية الفلسطينية.
وعموما تنص الاتفاقية على أن الملك الأردني هو «صاحب الوصاية وخادم الأماكن المقدسة في القدس... وأن رعاية المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة تجعل الملك أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية وصيانة المسجد الأقصى». وبحسب الاتفاقية فإن «منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والقانوني الوحيد للشعب الفلسطيني... وأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره يتجسد في إقامة دولة فلسطين التي يشمل إقليمها الأرض الواقع فيها المسجد الأقصى المبارك».
وأكد الطرفان في الاتفاقية «احترام الأماكن المقدسة في القدس... وحرية جميع المسلمين في الانتقال إلى الأماكن المقدسة الإسلامية ومنها، وأداء العبادة فيها بما يتفق وحرية العبادة»، فضلاً عن «إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية وصيانتها بهدف احترام مكانتها وأهميتها الدينية والمحافظة عليهما، وتأكيد الهوية الإسلامية الصحيحة والمحافظة على الطابع المقدس واحترام أهمية الأماكن المقدسة التاريخية والثقافية والمعمارية، وكيانها المادي والمحافظة على ذلك كله»، كما «متابعة مصالح الأماكن المقدسة وقضاياها في المحافل الدولية ولدى المنظمات الدولية المختصة بالوسائل القانونية المتاحة».
ووفقاً للاتفاقية، فإن «الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها يكون وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية»، كما أن الملك «يستمر ببذل المساعي للتوصل إلى تنفيذ المهام المشار إليها» آنفاً، على أن «تعترف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور الملك ... وتلتزمان باحترامه». وفي المقابل، تنص الاتفاقية على أن «لحكومة دولة فلسطين، باعتبارها المجسدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ممارسة السيادة على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس»، وعلى سعي الطرفين «للتنسيق والتشاور حول موضوع الأماكن المقدسة كلما دعت الضرورة».
ورداً على اتهامات تربط بين الاتفاقية وزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة إلى المنطقة، أكد عباس خلال تصريحات للصحافيين أن «اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات ليس لها علاقة إطلاقاً بالزيارة أو الحديث عن المفاوضات»، مضيفاً «نحن والأردن ننسق مواقفنا معاً في ما يتعلق بالأوقاف، واتفاقية أمس (الأول) هي تجديد لما تم في العام 1987، والسيادة لنا على كامل الأرض الفلسطينية وهذا لا نقاش فيه».
وأوضح عباس أنه «في العام 1988 عندما أعلن فك الارتباط تحدثنا مع (الملك الأردني) المرحوم الملك الحسين بن طلال عن هذا الأمر وكيفية متابعته، واتفقنا على أن الأردن مسؤول عن الأوقاف الإسلامية، وهو في الأصل كذلك، وان الأردن سيستمر في تحمل مسؤولياته، وهو ما يحصل حتى الآن».
(«السفير»، أ ف ب)
إضافة تعليق جديد