مفاجآت اللائحة النهائية لجائزة بوكر البريطانية
كانت مفاجأة اللائحة النهائية لجائزة مان بوكر البريطانية خروج الكاتب المفضل لدى مكاتب المراهنات ديفيد ميتشل عن روايته «بلاك سوان عزيز». ما لم يفاجئ كثيرين خروج الفائزين السابقين الأسترالي بيتر كاري والجنوب افريقية نادين غورديمر. قالت لجنة الجائزة في بيانها ان كلاً من الروائيين الستة المرشحين للجائزة يملك «صوتاً مميزاً اصيلاً (...) وقدرة قوية على القص وتمسكاً بالحقائق التاريخية». ورواياتهم التي بقيت من اللائحة الأولية التي ضمت تسعة عشر كتاباً «تستولد مزاجاً ومناخاً يدومان طويلاً بعد الانتهاء من قراءتها».
حلت سارة ووترز (40 سنة) محل ديفيد ميتشل وباتت المفضلة في مكاتب المراهنات. لا يعني ذلك حتمية فوزها لأن افراد اللجنة الحكم يتمسكون بخلافهم احياناً حتى نصف الساعة الأخير. يعلن الفائز في حفلة مساء العاشر من تشرين الأول (اكتوبر) وينال خمسين ألف جنيه استرليني وقفزة في مبيع روايته قد تصل الى نصف مليون نسخة. ووترز الويلزية مثلية تناولت مثيلاتها في رواياتها السابقة الثلاث لكنها جربت الخروج من التصنيف في روايتها الرابعة المرشحة لبوكر «الحراسة الليلية». وجدت صعوبة في رسم الشخصيات، ثلاث مثليات وأخرى «طبيعية»، وعجزت عن تحريكها الى ان فكرت بماضيها بدلاً من مستقبلها.
تدور روايتها في الحرب العالمية الثانية التي منحت المادة الهائلة عنها حيوية وواقعية للنص. كاي تعمل سائقة سيارة إسعاف وترتدي ملابس الرجال في شوارع لندن بحثاً عن لحظات حميمة. هلن تعيش مع صديقتها جوليا الكاتبة البوليسية. لكن، كلتاهما تنتقلان بقلب خفيف من صديقة الى اخرى. فيف قطعت علاقتها الطويلة برجل متزوج وأضفى عليها الحداد «نوعاً من الرمادية، طبقة من الحزن، رفيعة كالرماد، تحت السطح مباشرة». للمرة الأولى تعتمد ووترز بطلاً ذكراً وأن جعلته امتداداً لها لكي تستطيع بناء شخصيته. الحرب خلفية الرواية التي تستكشف الحب والغيرة والخيانة وتحاول الاهتمام جدياً بمشكلات الدول الأخرى على رغم الحرب الطويلة في بريطانيا. بعد لقاء حميم تفكر هلن: «هل كان من الحمق، تساءلت، ان تشعر بالامتنان كما فعلت الآن، للحظات كهذه في عالم يملك القنبلة الذرية ومعسكرات الاعتقال وغرف الغاز؟ لا يزال الناس يمزق احدهم الآخر قطعاً. لا يزال هناك قتل ومجاعة واضطراب في بولندا وفلسطين والهند، والله أعلم اين ايضاً».
تدور حوادث «النهر السري» لكيت غرينفيل في اوائل القرن التاسع عشر ويعاني بطلها الفقر والإذلال الى ان يقرر السرقة ليعيل نفسه وزوجته. يبعد الى مستوطنة المحكومين في استراليا طوال حياته ويجد خلاصه في حب زوجته وشجاعتها. في لهفته الى استرجاع كرامته يضع يده على قطعة ارض كبيرة ويهتم بها بحب متملك، لكنه يعمى عن اشارات كثيرة تدل إلى ملكية احد المواطنين الأصليين لها. يبدو هؤلاء مثل النبلاء في وطنه انكلترا، فهم لا يعملون لكسب قوتهم بل يروون القصص ويهرجون لأطفالهم. العنف ينفجر فجأة ويهدد بخسارة كل ما حققه لكنه ينجح في الحفاظ على اسرته وأرضه. غرينفيل أسترالية في السادسة والخمسين، نالت جائزة أورانج النسائية في 2001، وجائزة كتاب الكومنولث عن «النهر السري» هذه السنة.
تكتب م. ج. هايلاند (38 سنة) في «احملني» عن طفل في الحادية عشرة يؤمن بأنه قادر على قراءة الأفكار واكتشاف الكاذب، ويحلم بالشهرة ودخول كتاب غينيس للإنجازات الخارقة. تروي هايلاند الإيرلندية احداث سنة في حياة الفتى المقبل على المراهقة الذي تعزز التغييرات العائلية اضطرابه. يعيش مع أبويه في بيت جديه لكن الأسرة تضطر الى الانتقال وتعرف العنف والفقر والتشرد. يتردد الأب على العاهرات في المبنى حيث تقطن الأسرة، وتصاب الأم بالكآبة، ويبول الفتى في ثيابه في المدرسة ويخسر صديقه الوحيد. هايلاند التي عملت محامية تكتب عن طفولة بائسة تبحث عن الحب والألفة ولا تجدهما، وتحار في عالم الكبار المزيف غير العقلاني. تعتمد الواقعية في تصوير الشخصيات ومنها الجدة التي تشرب الشاي وهي تمد لسانها الى الفنجان وتحتسي السائل وهي تحدث صوتاً. «احملني» عن طفل غير مستعد للعالم الذي يتسبب بالخوف والقرف والتردد. هل يتراجع أو يقدم؟
رواية الليبي هشام مطر الأولى «في بلاد الرجال» نالت مديح النقاد البريطانيين قبل ورودها في اللائحة الأولية للمرشحين للجائزة. تترجم الرواية الى ثلاث عشرة لغة، وتمتدح لغتها الجميلة التي تتغير وفق الموضوع لتصبح حسية او عبثية. الكاتب الليبي يتناول ايضاً طفلاً في التاسعة يصحو بقسوة على عالم يكاد يسحقه بحوادثه الكبيرة. يعتقد بأن والده يكثر من السفر للعمل ويراه فجأة في السوق يضع نظارات سوداً ويتظاهر بأنه لم ينتبه لوجود طفله. يكتشف فجأة عالماً ينقسم الى أطفال الموالين وأطفال المعارضين. يختفي والده ليشارك في انشطة الأخيرين ويظهر فجأة وجه آخر لوالدته. تكثر من تناول «ادوية» تشتريها من الخبّاز وتدخن سيجارة تلو سيجارة، وتبوح لطفلها تحت تأثير الكحول انها اجبرت وهي في الرابعة عشرة من عمرها على الزواج من والده الذي كان بضعفي عمرها بعد ان شوهدت تمسك بيد فتى في المقهى الإيطالي. يحس الطفل بأن والده كان عقاب والدته وأنه هو ختم مصيرها كسجينة تخرج من زنزانتها فقط عندما تفقد وعيها بالشرب. يعيش الطفل في حال «رعب هادئ» عندما يشاهد إعدام الأستاذ رشيد، صديق والده، على التلفزيون. يقطع البث المباشر عندما يقترب الأستاذ من الموت وتعرض صورة أزهار مرفقة بالنشيد الوطني. هشام مطر ولد في نيويورك في 1970 وعاش في ليبيا ومصر. اثناء دراسته الهندسة المعمارية في لندن خطف والده المنشق ونقل الى ليبيا حيث سجن وانقطعت الأنباء عنه.
«حليب الأم» لإدوارد سنت أوبين (46 سنة) تتمة لثلاثية «بعض الأمل» التي دوّن فيها الكاتب أحزان حياته. ولد في الساحل الغربي لإنكلترا في منطقة عاشت فيها اسرته منذ الغزو الفرنسي واعتدى عليه والده وضربه في طفولته. أدمن على الهيرويين، لكن العلاج النفسي ساعده على التخفف من مأساته وتصريفها ادبياً. تناول في الثلاثية طبيباً ملحداً يكره فقره الذي أضعفه اجتماعياً ويتزوج اميركية ثرية يعيش معها في بروفنس، فرنسا. يضرب الأب السادي طفله ويعتدي عليه، ويجبر زوجته على الزحف على الأرض وتناول الطعام في صحن الكلب. يتعاطى الأفيون ويورث ابنه الإدمان، ويلاحظ الأخير ان وجه الأب يبقى جميلاً شاباً كوجه دوريان غراي بطل اوسكار وايلد. عندما يتوفى الوالد يرى الابن حيوانات ميتة على لائحة الطعام في المطعم. «اذا اعتقدوا انني سآكل هذه فلا بد من انهم مجانين». في إحدى جلسات العلاج الجماعية من الإدمان تقول شخصية انها وجدت لطفاً وحباً فيها اكثر مما لقيت في غرف استقبال لندن كلها. «حليب الأم» يتابع مسار الابن الذي كبُر وتزوج من دون ان يجد الحب الذي بحث عنه طوال حياته. زوجته تميل الى الوحدة وتهمله لكنها تكرس نفسها لأطفالها لكي لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها والدتها معها. وهو يعتني بتثقيف ابنه ويمضي اكبر وقت ممكن معه لكنه ينسى انه يحتاج الى اللعب.
«وراثة الخسارة» لكيران ديساي عن قاض عجوز يعيش في بيت معزول متصدع على سفح جبال الهيمالايا. يريد التقاعد والموت بسلام لكن وصول ساي، حفيدته اليتيمة، للعيش معه يطيح خطته. ديساي في الخامسة والثلاثين وهي ابنة انيتا ديساي التي رشحت ثلاث مرات لنيل بوكر.
مودي بيطار
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد