ملامح سيناريو الدبلوماسية الفرنسية الجديدة في المنطقة
الجمل: تحدثت التقارير والأخبار والمعلومات عن زيارة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي الأخيرة إلى العراق إضافة إلى لقاء قصر الإليزيه الذي جمعه مع الرئيس المصري حسني مبارك، وتشير هذه التحركات إلى أن الدبلوماسية الفرنسية أصبحت أكثر حيوية ونشاطاً ممايطرح الكثير من التساؤلات التي يختلط فيها المعلن بغير المعلن.
* التحولات النوعية في السياسة الخارجية الفرنسية:
تقول معطيات السياسة الخارجية بأن العلاقات بين أي بلدين هي إما علاقات تعاون أو علاقات صراع وعلى هذه الخلفية فإن علاقات خط دمشق – باريس لم تخلو من إسقاط لظاهرة التعاون والصراع.
شهدت علاقات خط دمشق – باريس المزيد من الصراع والخلافات خلال الفترة الممتدة من لحظة صدور القرار الدولي 1559 وحتى لحظة انتخاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان ثم تحولت إلى علاقات تعاون في العلن، وشهد خط باريس – دمشق المزيد من الفعاليات الهادفة إلى التفاهم والحوار.
لم تقتصر تحولات السياسة الخارجية الفرنسية المفارقة لواشنطن منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل العديد من مناطق العالم ومن أبرز الدلائل على ذلك:
• الدور الفرنسي الجديد في أزمة القوقاز.
• الدور الفرنسي الجديد في أزمة إمدادات الغاز الروسي.
• الدور الفرنسي الجديد في أزمة أفغانستان.
* تداعيات دبلوماسية ساركوزي الجديدة:
انتقلت تداعيات الدبلوماسية الفرنسية الجديدة إلى علاقات عبر الأطلنطي بما أدى لإدراك خطورة الدور الفرنسي وعلى وجه السرعة عمد البيت الأبيض إلى تطبيق استراتيجية الاستعانة بحلفائه في الاتحاد الأوروبي لردع التحركات الفرنسية استباقياً، وبالفعل شهدت أروقة الاتحاد الأوروبي الخلافات الآتية:
• سعى حلفاء واشنطن لتقويض الدور الفرنسي في إدارة أزمة قطاع غزة.
• سعى حلفاء واشنطن لتقويض الدور الفرنسي في إدارة أزمة القوقاز.
• سعى حلفاء واشنطن لتقويض الدور الفرنسي في إدارة أزمة العراق وأفغانستان.
تقول التحليلات أن السياسة الخارجية الفرنسية بدأت تشق طريقها في مسار متكامل يختلف عن دبلوماسية محور واشنطن – تل أبيب خاصة في ملفات الشرق الأوسط والقوقاز.
* ساركوزي وملء فراغ دبلوماسية البيت الأبيض:
أدت دبلوماسية إدارة بوش الجمهورية إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة بما ترتب عليه فقدان أمريكا للقوة الدبلوماسية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأوروبا.
الجديد في الأمر، أن الدبلوماسية الأمريكية أصبحت أكثر ضعفاً بسبب أزمة المصداقية إضافة لتزايد الضغوط الزاحفة للأزمة المالية، التي أضعفت قدرة أمريكا على استخدام وسائل الضغط العسكرية والاقتصادية.
الضعف الدبلوماسي الأمريكي ترتب عليه تراجع نفوذ الدبلوماسية الأمريكية مما شكّل فراغاً دبلوماسياً واسعاً، يسعى الرئيس الفرنسي حالياً لملئه بما يتيح لفرنسا إعادة وضع يدها على منطقة الشرق الأوسط التي سبق أن تراجعت الدبلوماسية الفرنسية فيها لمصلحة الدبلوماسية الأمريكية.
زيارة ساركوزي للعراق تهدف إلى إعادة علاقات خط بغداد – باريس إلى ما كانت عليه خلال فترة حكم الرئيس صدام حسين، أما اهتمام ساركوزي بأزمة غزة فيعود إلى رغبته الإبقاء على حيوية الوجود الميداني الدبلوماسي في المنطقة.
اهتمام الرئيس الفرنسي بإجراء اللقاءات مع الرئيس مبارك في القاهرة وباريس يهدف إلى إتاحة البديل الفرنسي لمبارك الذي تضرر نظامه كثيراً من التبعية لأمريكا وتقول التسريبات أن على مبارك أن يلتقط هذه الإشارة ويسعى لتعزيز علاقاته مع فرنسا وتقليل ارتباطه بأمريكا، كما أن ساركوزي يسعى من خلال ذلك إلى "اصطياد" القاهرة يما يمهد لإبعادها عن واشنطن التي لن تستطيع تقديم المعونات للقاهرة كما أن القاهرة أصبحت أكثر تبرماً من تحيز واشنطن لإسرائيل بما أتاح لتل أبيب استخدام ملف المعونات لابتزاز القاهرة.
برغم سيطرة نزعة الاستقلالية الفرنسية القائمة على الاستقلالية الأوروبية فإن ساركوزي على خلفية ماضي علاقاته مع الإسرائيليين خاصة عندما كان وزيراً للداخلية أيام حكومة شيراك، فإنه من غير الممكن التأكيد على أن ساركوزي يسعى باتجاه انتهاج دبلوماسية استقلالية لا تضع في اعتباراتها حماية المصالح الإسرائيلية ولكن ما هو معروف أن ساركوزي بهذه التحركات الجديدة يسعى إلى:
• داخلياً: ردع الانتقادات الفرنسية الداخلية التي أدت إلى انخفاض شعبيته.
• خارجياً: بسط النفوذ الفرنسي على المناطق الإقليمية ذات الأهمية الاستراتيجية للمصالح الحيوية الفرنسية.
هدف ساركوزي هو استمرار بقاء الإليزيه إضافة إلى دفع مكانة ووزن فرنسا لتقوم بدور القوة الكبرى وبالتأكيد سيصطدم مع حلفاء إسرائيل الموجودين حالياً في الاتحاد الأوروبي فقد بدأت أولى ملامح هذا الصدام بالصراع الذي نشأ بين ساركوزي الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي والرئيس التشيكي توبولانيك الرئيس الحالي للاتحاد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد