ممولون ومهندسون ومقاولون تجمعوا تحت لواء حزب الله لإعادة الاعمار
نصبت الخيمة البيضاء للمتطوعين في أحد شوارع حارة حريك المهدمة، ووضع الى جانبها خزان مياه.
فتحت الحسابات المصرفية للمتبرعين، بعد تدفق الاتصالات على حزب الله من قبل مواطنين ومتمولين عرب يعرضون مساهماتهم المالية لبناء ما هدمه العدوان الإسرائيلي. يتصل أيضا مقاولو بناء عارضين إرسال آليات للمساعدة في عمليات جرف الردم ونقل مواد البناء.
حتى أن عروض المساهمة طالت بعض الحكومات العربية التي أبدى مسؤولون فيها استعدادهم لتقديم الأموال من خلال اتصالات مع قيادات الحزب.
شكلت العروض بحجمها ونوعيتها حالة غير مسبوقة في تاريخ حزب الله، كما يقول بعض المسؤولين فيه، وربما في حياة أي جهة سياسية في لبنان. لقد فتح القتال الذي خاضه المقاومون في مواجهة العدوان الطريق الى قلوب المواطنين العرب، بعدما انتظروا ثمانية وخمسين عاما لكي يشاهدوا ذلك النوع من القتال. ثلاثة أيام مرت فقط على وقف العدوان والاتصالات تنهمر على الحزب من الداخل ومن الخارج، متطوعون ومساهمون ينتظرون دورهم بعد أن انتظر المقاومون دورهم لمواجهة آلة الحرب الاسرائيلية.
يعمل الشبان في شوارع الضاحية وسط الحر والغبار. يعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أن البناء سيتم خلال فترة سنة فيتوافدون الى الأماكن المهدمة للمشاركة، جيش من المتطوعين، كما في عمليات مساعدة النازحين، والجرحى، يضعون أنفسهم في خدمة عملية البناء، يضحكون رغم التعب، يستجيبون لطلبات سكان الأحياء المتضررة، لاصرار امرأة تريد أن تعرف الآن أين ستقدم طلبها للحصول على تعويض، بدل منزلها المهدم، فيرد شخص معلقا: بعد بكير، يصحح له المسؤول الاعلامي عن بيروت غسان درويش: لا لم يعد الوقت مبكرا لقد بدأ استقبال الطلبات في مراكز بلديات الضاحية.
يلتفت درويش الى الشاب الذي جاء يستفسر عن طبيعة عمله فيقول له: حضر حالك اليوم مع محفظة كبيرة لأننا سنبدا بتوزيع الأموال على العائلات التي تهدمت منازلها من أجل استئجار منازل وشراء أغراض. ينتقل بعد ذلك الى مهمة أخرى، باتجاه شبان ينقلون أعلام الحزب قائلا: يالله يا شباب لقد تأخرنا سوف تبدا حملة التطوع عند الثانية بعد الظهر.
شبان يجهزون الخيمة، وهم يرتدون قبعات جديدة باللون الأحمر، ربما هو لون انتصار الدم على السيف أو لون الأحمر في العلم اللبناني، الى جانب القبعات الصفراء.
يوضح درويش عناوين خطة البناء لأن الوقت لم يسنح بعد للدخول الى التفاصيل، يحدد أولا الأضرار التي طالت المباني في الضاحية وتبين بموجبها وجود مئتي مبنى مدمر بشكل كلي، تضم ما يقارب السبعة آلاف وحدة سكنية، يضاف اليها مئتان واثنان وتسعون مبنى متصدعا، جرى تدمير اثنين وثمانين مبنى منها بشكل جزئي، ويتوقع الانتهاء من مسح الأضرار خلال فترة أربع وعشرين ساعة لأن الحزب كان يحصي يوميا ما يخلفه العدوان بعد غاراته.
جرى تقسيم العمل الى مراحل، بدأت المرحلة الأولى بفتح الطرقات من خلال إزالة الركام وقد تم فتح ما نسبته تسعون بالمئة من طرقات الضاحية، لا يسمح لمرور السيارات في بعضها إلا لمن يريد نقل اغراض من منزله، لأن الطرقات ضيقة بسبب تراكم الردم على جوانبها، ويعلق درويش هنا قائلا: لو أردنا السماح بمرور السيارات في ظل هذه الحالة سوف اتحول الى موظف سنترال هاتفي للرد على شكاوى المواطنين.
بعد تنظيف الطرقات بدات المرحلة الثانية بتقسيم الضاحية الى سبعين مربعا، يحب الحزب تسمية المربعات، يضم كل مربع مبنيين أو ثلاثة، وذلك من أجل تسهيل العمل في بنائها أو ترميمها، وتشمل جميع مناطق الضاحية المتضررة، الشويفات، حي السلم، المريجة، حارة حريك، بئر العبد، معوض، الشياح، الغبيري، الأوزاعي.
المرحلة الثالثة تقضي بإعطاء تعويضات مالية لأصحاب المنازل المهدمة، من أجل استئجار منازل وشراء أغراض، وقد حدد الحزب بدلا ماليا مقطوعا لكل عائلة تهدم منزلها تبلغ قيمته اثنا عشر ألف دولار، تم احتسابه على قاعدة أن الحد الأقصى لبدل إيجار منزل في الضاحية يبلغ ثلاثمئة دولار شهريا، والباقي ثمن الأغراض، مع الاشارة الى أن صاحب المبلغ حر التصرف بالمبلغ الذي يتقاضاه، ربما يختار العيش مع أهله أو اقاربه ريثما يتم بناء منزله، وقد نتج عن عملية المسح أنواع عدة من الأضرار وبالتالي أنواع عدة من التعويضات: المبنى الذي لم يعد صالحا للسكن ويلزمه هدم، سوف يهدم، والمبنى الذي يحتاج الى ترميم سوف يرمم، إذا كانت فترة الترميم تستغرق من اسبوع الى شهرين سوف يتم الطلب من صاحبه المكوث عند أهله أو اقاربه إذا أمكنه ذلك، ريثما يتم الانتهاء من عملية الترميم، على أن يعطى له بدل مالي بقيمة الأغراض المتضررة في منزله، ومن يستغرق ترميم منزله أكثر من شهرين سوف يعطى له بدل إيجار عن المدة التي تستغرقها عملية الترميم. يعطي الحزب الأولوية لاسكان الذين تهدمت منازلهم أو تضررت بشكل كبير، ويؤكد درويش في ذلك الاطار على وجود شقق فارغة في مناطق عديدة في الضاحية وخاصة في الحدث والسان تيريز وحي الأميركان والجاموس والكفاءات وفي محيط كلية العلوم.
يقول درويش إن مجموعة من المهندسين المتطوعين بدأت بإعداد خرائط هندسية للمناطق المهدمة في الضاحية ، لكي تعود أجمل مما كانت، ثم يردف ضاحكا: لدينا الآن شركة إعادة بناء ضخمة، لكنها شركة متبرعين ومتطوعين وليست شركة مستثمرين في إشارة الى الشركات العقارية التي تولت عملية إعادة الاعمار في مناطق أخرى من لبنان.
ويوضح أن المهندسين المشاركين سوف يكونون من نقابة المهندسين وتجمع المهندسين المسلمين ومهندسين مستقلين بالاضافة الى مهندسين عرب من قطر والبحرين ودبي، يساهمون في إعداد الخرائط الهندسية، أما الجهة التي ستتولى الاشراف على عملية البناء فهي مؤسسة جهاد البناء، وقد فتحت المؤسسة مع هيئة دعم المقاومة الاسلامية حسابات مصرفية لتلقي المساهمات المالية، ويشير الى أن الخرائط الجوية التي تم تصويرها للضاحية توضح كيف كانت وكيف أصبحت في ما يبدو أن مسألة بناء حدائق ولو صغيرة تستدعي دراسة حجم المساحة المتوفرة للبناء وإمكانية شراء أراض مخصصة لذلك لأن المباني في الضاحية أملاك خاصة.
يوضح رئيس مؤسسة جهاد البناء المهندس قاسم عليق، أن عدد مهندسي حزب الله يبلغ ألفا وثلاثمئة مهندس سوف يشاركون بشكل تطوعي في عملية البناء الى جانب أعمالهم التي سيحافظون عليها طبعا، ويقول إنه سيكون للمناطق المنكوبة مثل الضاحية تصاميم خاصة، يتم وضعها بالتعاون مع مهندسين من خارج الحزب، وبعد وضع الخرائط سوف يفتح المجال امام شركات القطاع الخاص لتولي مهمة البناء بما لديها من متعهدين ومقاولين، ويلفت هنا الى وجود اتصالات مع الوزارات والمؤسسات المعنية في الدولة من خلال وزراء الحزب للمشاركة في عملية البناء، وربما يتولى مجلس الانماء والاعمار عملية إزالة الركام باشراف مهندسين متخصصين، لأنه قد يوجد بينها أغراض يريدها اصحاب المنازل المهدمة وخاصة منها الأوراق الثبوتية، ويؤكد أن عملية البناء لاتزال في بدايتها على الرغم من استعجال الحزب، لأنه يلزم قبل البدء بها استكمال الجوانب الفنية والقانونية اللازمة.
من جهته يوضح المهندس محمد سعيد فتحة المشرف على تدريب المهندسين المتخصصين في عمليات الترميم في نقابة المهندسين أن النقابة سوف تشارك في ترميم المباني المتضررة في جميع المناطق اللبنانية بمساعدة الادارات الرسمية المعنية مثل وزارة الشؤون البلدية ومجلس الانماء والاعمار ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين، وقد جهزت النقابة برامج التدريب على أن تبدأ بها يوم الاثنين المقبل وهي تستمر لمدة خمسة ايام فقط وتشمل تدريب المهندسين على كيفية تقييم الأضرار وترميم الخراسانات المسلحة على أسس عالمية متطورة ويشارك في الدورة أساتذة من حملة شهادات الدكتوراه في الهندسة المدنية بالاضافة الى خبراء من الوكالة الفرنسية architect de l urgence وهي وكالة تضم خبراء كشفوا على المباني المتضررة من الزلازل في الجزائر وإيران وباكستان وكارثة تسونامي.
زينب ياغي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد