من قتلَ محادثات السلام السورية؟
الجمل - شيموس كوك- ترجمة: د. مالك سلمان:
إن محادثات السلام السورية المنتظرة طويلاً – والتي تم الاتفاق عليها بين روسيا والصين – تجاوزت الموعد المبدئي المحدد لها, وقد ولدت ميتة الآن, من الناحية الرسمية.
ماتت محادثات السلام لأن المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة سيقاطعون المفاوضات, مدمرينَ أي أمل بالسلام, بينما يهددون بتحويل الكارثة المأساوية سلفاً إلى كارثة على النمط اليوغوسلافي ... أو ربما أسوأ.
لن يشاركَ المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة في المحادثات لأن ليس هناك شيء يربحونه منها, بل سيخسرون كل شيء.
في الحرب, الهدف من مفاوضات السلام هو نسخ الوضع في ساحة القتال ولصقه في معاهدة: فالجيش الذي يربح الحرب يدخل إلى المفاوضات من موقف مسيطر, بما أن موقفه مفروض على الأرض.
سوف يدخل المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة إلى محادثات السلام محطمينَ ومدحورين, بعد هزيمتهم النكراء على الأرض. حقق الجيش السوري سلسلة من الانتصارات, حيث دفع المتمردين إلى المناطق الحدودية حيث يحميهم حلفاء الولايات المتحدة: تركيا والأردن وشمال لبنان. ولذلك فإن محادثات السلام سوف تعري هذا الواقع وتنهي الحرب بشروط تفرضها الحكومة السورية.
نقلت "نيويورك تايمز" عن أحد قادة المتمردين سببَ رفض المتمردين الذهاب إلى محادثات السلام:
"ماذا بإمكاننا أن نطلب عندما نذهب ضعفاءَ إلى جنيف؟ ... فالروس والإيرانيون وممثلو النظام [السوري] سيقولون: ‘ليس لديكم أية قوة. نحن نسيطر على كل شيء. ماذا جئتم تطلبون؟’ "
هذا هو الواقع الموجود في سوريا, ولذلك فإن أي محادثات سلام واقعية سوف تعترف بالوضع في سوريا وتنهي الصراعَ على الفور.
ولكن أولاً, يجب على داعمي المتمردين – الولايات المتحدة وصبيانها الأتراك والسعوديون والقطريون – أن يعترفوا بهذا الواقع ويطالبوا المتمردين بالذهاب إلى محادثات السلام وتهديدهم بقطع الدعم السياسي والمالي والعسكري في حال رفضوا ذلك.
إذا حدث ذلك تكون الحرب قد انتهت.
ولكن إذا انتهت الحرب غداً, سوف يبقى الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة, وقد قال الرئيس أوباما مراراً وتكراراً إن "على الأسد أن يرحل". وسوف ‘يتبهدَل’ أوباما من جراء سياسته السورية في حال اضطرَ للقبول بالأسد كرئيس بعد أن اعترف سنة كاملة بمجموعة من الأثرياء السوريين المقيمين في الخارج بصفتهم "الحكومة السورية الشرعية" وبعد أن أعلنت إدارته مرة بعد أخرى أن نظام الأسد قد انتهى منذ السنة الماضية.
والأهم من ذلك, إذا بقي الأسد في السلطة سوف تبدو السياسة الخارجية الأمريكية ضعيفة على المستوى الدولي, ولهذا السبب تريد المؤسسة السياسية الأمريكية أن تمضي قدماً "بكل ما لديها من قوة" لتغيير النظام في سوريا: فعلى القوى العظمى أن تفي بتهديداتها, وإلا فإن البلدان الأخرى ستفكر في تحدي الولايات المتحدة.
هذا هو السبب الحقيقي الذي سيمنع محادثات السلام من الانعقاد. فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يريدون تغيير النظام في سوريا, وهم على استعداد لقتل المزيد من الناس لتحقيق هذا الهدف. وقد وضحت إدارة أوباما ذلك. فقد جاء في "نيويورك تايمز":
"إن الانتصارات التي حققها الرئيس بشار الأسد على الأرض ألقت بالشكوك على استراتيجية الولايات المتحدة حول سوريا, مما دفع بإدارة أوباما إلى التفكير مرة أخرى بالخيارات العسكرية, بما في ذلك تسليح المتمردين وتنفيذ ضربات جوية لحماية المدنيين والمعارضة السورية, كما قال مسؤولون في الإدارة يوم الاثنين."
يأتي الاقتباس أعلاه على ذكر "تنفيذ ضربات جوية لحماية المدنيين". وهذه هي اللغة البغيضة لقرار الأمم المتحدة الذي فوضَ الولايات المتحدة والناتو بالتدخل في ليبيا؛ لكن أوباما سرعانَ ما تجاوز "حماية المدنيين" وقفز بسرعة إلى "تغيير النظام", وهو خرق فاضح للقانون الدولي وجريمة حرب على النمط "البوشي".
لقد تعلمت الولايات المتحدة – وخاصة الصين وروسيا – من المثال الليبي ومن غير المحتمل أن توافق مرة أخرى على قرار في الأمم المتحدة حول "حماية المدنيين". وإذا تدخلت الولايات المتحدة في سوريا, فسوف تفعل ذلك على نمط "ائتلاف الراغبين" "البوشي", أي حلفاء الولايات المتحدة.
تعقدَ حلم أوباما بسوريا ما بعد الأسد بشكل أكبر نتيجة الحقيقة القائلة إن شعبية الأسد أكثر وأقوى من أي وقت مضى.
فالكثير من السوريين الذين لم يؤيدوا الأسد في الماضي باتوا يدعمونه الآن, بعد أن استنتجوا أن وجودَ الأسد في السلطة أفضل بكثير من تدمير بلادهم على نمط الغزو العراقي, أو وقوعها تحت رحمة المتطرفين الإسلامويين, الذين يشكلون غالبية المجموعات السورية المتمردة.
ومما ساعد على تنامي شعبية الأسد قصف إسرائيل لسوريا مؤخراً في عدة مناسبات, بينما يشاهد السوريون الولايات المتحدة, التي لا تتمتع بأي شعبية, وهي تنقل كميات ضخمة من الأسلحة إلى المتمردين. ونتيجة لذلك, بمقدور الأسد الآن أن يصورَ نفسَه كمدافع عن استقلال وسيادة سوريا ضد العدوان الأجنبي.
لكن أوباما لن يرتدع. فبعد أن تبينَ أن المتمردين يخسرون الحرب, أزاحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الحواجزَ القانونية المتبقية لزيادة تسليح المتمردين, قام الزعماء الدينيون في السعودية وقطر – وهما حليفتان للولايات المتحدة – بالدفع باتجاه الحرب من خلال دعوتهم إلى ‘الجهاد’ ضد الحكومة السورية (في الأسبوع نفسه الذي دعا فيه زعيم القاعدة إلى الجهاد).
وراء هذا الدعم الهستيري للمتمردين يكمن منطق مريض يقول إنه لكي تنجح مفاوضات السلام, يجب أن يكون المتمردون في وضع ميداني أقوى. سلحوا المتمردين "حتى شوشتهم" لتحقيق السلام!
ورداً على هذا المنطق الموروب, قالت مؤسسة "أوكسفام الدولية" – وهي ائتلاف يعمل على الإغاثة في حالات الكوارث:
"إن إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية لن يخلق ملعباً للهو يتساوى فيه الطرفان. فبدلاً عن ذلك, إنه يجازف بخلق مناخ يكون فيه السلاح للجميع ويكون ضحاياه المدنيون السوريون. فتجربتنا في مناطق أزمة أخرى تخبرنا إن هذه الأزمة ستطول وتطول إذا تم إدخال المزيد من الأسلحة إلى البلاد."
وفي واقع الأمر, لو لم تقم الولايات المتحدة والبلدان الأخرى بتسليح المتمردين لكانوا هزموا منذ وقت طويل وتم إنقاذ آلاف الأرواح. قال المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة إن الشرط المسبق للسلام هو "رحيل الأسد", لكن هذا المطلب لا يتناسب مع الواقع على الأرض: فالمتمردون ليسوا في موقع يمكنهم من فرض هذا الشرط, والولايات المتحدة تستغل هذا المطلب غير الواقعي لإطالة عمر هذه الحرب الدموية بلا أي داعٍ.
يمكن لأوباما أن يستخدمَ تأثيرَه القوي لإنهاء هذا النزاع الدموي الآن بسحب الدعم للمتمردين, أو أن يطيلَ عمر النزاع ويمعنَ في تفتيت النسيج الاجتماعي للشرق الأوسط, مع المجازفة بحرب عالمية سيقول عنها التاريخ إنها "هولوكوست" كان من الممكن تجنبه بسهولة.
http://www.counterpunch.org/2013/06/13/who-killed-the-syrian-peace-talks/
تُرجم عن ("كاونتر بنتش", 13 حزيران/يونيو 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد