نصر شمالي يكتب : رابطة آسيان وجامعة آرابيان!

09-08-2007

نصر شمالي يكتب : رابطة آسيان وجامعة آرابيان!

الجمل ـ نصر شمالي : في مانيلا عاصمة الفليبين، في الأسبوع الماضي، عقدت رابطة دول جنوب شرقي آسيا آسيان اجتماعها بمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيسها. لقد استمر الاجتماع خمسة أيام، ابتداء من يوم الاثنين 30/7 وحتى الجمعه 3/8/2007، وبحث فيه وزراء خارجية دول الرابطة ورقة الميثاق الذي سوف يرسّخ الأسس التي تنهض عليها الرابطة، وهي الورقة التي أوشكت على الاكتمال، والتي ستقدّم بصيغتها النهائية في اجتماع رؤساء الرابطة الذي سينعقد في سنغافورة، تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
لقد خطت رابطة آسيان بتؤدة ومثابرة خطوات عملية واسعة على طريق الاتحاد، وهي تضع نصب عينيها الوصول إلى تشكيلة على غرار الاتحاد الأوروبي، خاصة في ميدان العلاقات الاقتصادية الداخلية وصلتها بالسوق الدولية، وتضم الرابطة عشر دول هي: إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفيليبين وسنغافورة وبروناي ولاوس وكمبوديا وفيتنام وبورما، وتضم هذه الدول أكثر من 432 مليون نسمة، تعيش على مساحات من الأرض تقارب الأربعة ملايين ونصف كيلو متراً مربعاً، وفي حال اكتمال اتحادها، وهو ما سيحدث قطعاً في حال عدم وقوع حدث استثنائي عالمي جلل، فإن الرابطة ستقف ندّاً متكافئاً ومتكاملاً إيجابياً كطرف في المثلث الآسيوي الذي يضم الصين والهند، وسيساعدها في ذلك إنتاجها الإجمالي من النفط الخام المشترك الذي تبلغ قيمته حوالي 876 مليار دولار.
لقد تخلل اجتماع رابطة دول آسيان لقاء بين وزراء دفاع دول الرابطة، وحرصت الرابطة أن تدعو، كالعادة، حكومة الولايات المتحدة ممثلة بوزيرة خارجيتها وبوزير دفاعها، لكن كوندا ليزا رايس اعتذرت عن تلبية الدعوة، وكذلك وزير الدفاع الأميركي، لانشغالهما وجولتهما في المنطقة العربية. لقد أنابت الوزيرة عنها مساعدها جون نيغروبونتي، وهذه هي المرة الثانية التي يغيب فيها وزير الخارجية والدفاع الأميركيين منذ عام 2005، رغم أهمية قضايا الأمن في جنوب شرقي آسيا، والتي بدأت تطرح منذ عام 1994، وجدير بالذكر أن الحكومة الأميركية كانت أعلنت على لسان الرئيس كلينتون، أواخر التسعينات الماضية، أن آسيا لن تكون موضوع مباحثات أو شراكات! لقد كان كلينتون يقوم حينئذ بجولة في آسيا، وهو أراد القول لحلفائه الأوروبيين أن هذه القارة محرمّة عليهم، مثلما هي محرّمة على أهلها إلا في الحدود التي تقرّرها حكومة واشنطن وتسمح بها، وهكذا يصبح مفهوماً اليوم تغيّب وزيرة الخارجية ووزير الدفاع عن اجتماعات رابطة آسيان، حيث انتكس مشروع الهيمنة الأميركية على جنوب شرقي آسيا بسبب انتكاسة الاحتلال الأميركي للعراق، فلو أن الاحتلال حقق التوقعات والآمال الأميركية العريضة فيه لكانت انهارت رابطة آسيان، أو تحوّلت إلى هيئة إقليمية، مثل الجامعة العربية، تدور في الفلك الأميركي!
لقد عقدت رابطة دول آسيان اجتماعها في الأسبوع الماضي بينما الإدارة الأميركية منهمكة إلى أبعد الحدود في معالجة مأزقها الخطير في العراق. لقد شغلت جبهات المنطقة العربية واشنطن عن جبهة جنوب شرقي آسيا، فهي لا تستطيع كما يبدو بذل جهد مؤثر ومثمر في جنوب شرقي آسيا قبل أن تنجح في الخروج من مأزقها العراقي وتحقيق إنجاز ما تسترد معه هيبتها ومصداقيتها، ولعل من الضروري التذكير بتلك الحملة الأميركية الشرسة التي شنتها حكومة كلينتون ضدّ إندونيسيا أواخر التسعينات، حيث راحت تحرّض الحكومة الإندونيسية ضدّ الجيش الإندونيسي الذي اعترض على دور القوات الأسترالية والنيوزيلندية في تيمور الشرقية الانفصالية، وبالطبع كانت واشنطن من يقف وراء تلك القوات.
وهكذا، بينما تبدو رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) وهي تتقدم واثقة على طريق الاتحاد واستقلال الإرادة، والتنسيق الإيجابي مع الصين والهند، تبدو جامعة الدول العربية وقد فقدت كل مقومات الاتحاد القومي والإرادة المستقلة، حيث أصبحت رهن إشارة من وزارة الخارجية الأميركية، تجتمع أو لا تجتمع بموجب إشارة منها، وتلزم نفسها بجدول أعمال أميركي مخاتل هي أول من يعرف مخاتلته وعدم جدّيته بصدد القضايا العربية العادلة.
إن مساحة الوطن العربي في حدود 14 مليون كيلو متراً مربعاً، أي أنها تزيد على مساحة دول رابطة آسيان بحوالي عشرة ملايين كيلو متراً مربعاً، وإن عدد سكانه يزيد على 300 مليوناً، وهو تجمع يتألف من مجتمعات متجانسة موحّدة إلى حدّ كبير في تراثها وطراز حياتها وتجاربها التاريخية، وفي معاناتها الحالية وآمالها المستقبلية، ناهيكم عن تفوقها المادي الكاسح، خاصة في ميدان النفط، وبالتالي فما أيسر تفاهمها واجتماعها على الاتحاد واستقلال الإرادة لو أنها امتلكت الشرط السياسي، ولذلك فإن ما تحققه دول رابطة آسيان من نجاح، على الرغم من التباين والاختلاف الكبير في تركيبتها البشرية والجغرافية، هو إدانة قاطعة للنظام الرسمي العربي الذي يدور في فلك الأميركيين، والذي لم تعد تربطه أية رابطة إيجابية بقضايا أمته المقهورة.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...