هكذا أسست أميركا «العدالة والتنمية»
أجرت صحيفة «بركون» حواراً مع محمد بكار اوغلو، النائب الإسلامي السابق عن حزب «الفضيلة» ورفيق نجم الدين اربكان، وهو اليوم نائب رئيس «حزب الشعب الجمهوري». وتمحور الحوار حول ظروف تأسيس «حزب العدالة والتنمية». وهنا أبرز ما قاله بكار أوغلو:
لا أظن أن أحداً يملك دليلاً قاطعاً على ان «العدالة والتنمية» قد تأسس من جانب الولايات المتحدة. المذكرات والطرائف كانت تدور حول تدخل العسكر في 28 شباط العام 1997 لإسقاط نجم الدين اربكان من رئاسة الحكومة، ودعم الولايات المتحدة لإغلاق حزب «الرفاه» وخليفته «الفضيلة».
ومعلوم أن اربكان كان يقلق النظام العالمي، ومنه الولايات المتحدة، من جوانب متعددة. حينها لم يكن هناك حزب يمكن أن يكون حزبا بديلا لـ «الرفاه». لكن البديل كان سيخرج من داخله.
وفي البداية مارسوا التخويف على قاعدة «الرفاه». ومن بعد ذلك دعموا ما يسمى بالمعتدلين. ومن أجل إثبات ذلك ليس من حاجة للبحث عن دليل. ويكفي النظر إلى ما كانت تكتبه الصحافة الغربية عن هذا الموضوع.
لقد كنت إلى جانب اربكان وشاهداً على بعض الأحداث. والأحداث التي لم أكن شاهداً عليها سمعتها مباشرة من اربكان.
جاء بعض الأشخاص ووجهوا تهديدات لأربكان. وقالوا له «إذا لم تفعل هذا فسوف يكون هذا». وأعرف كيف أن بعض الجهات المعلومة المؤثرة قدمت له نصائح في موضوع التجديديين داخل الحزب. وهو شيء معروف انه عندما كانت الدعوى ضد حزب «الفضيلة» أمام المحكمة الدستورية كان الجناح التجديدي يرفع إلى السماء، ولا يفارقون أبواب ممثلي الدول الغربية.
كانوا يحمّلون اربكان، ونحن الذين معه، كل المسؤولية فيما يعظمون من شأن رجب طيب اردوغان وعبد الله غول.
لم يكن جنيد زابسو فقط بل إن ناساً كثيرين كانوا يقومون بمهمة تسهيل العلاقة بين الولايات المتحدة ومؤسسي «حزب العدالة والتنمية». أناس من أوساط رجال الأعمال والأكاديميين والصحافيين.
لقد عمل مؤسسو «العدالة والتنمية» على موازنة قوى الوصاية في الداخل بمراكز القوى الخارجية. رجب طيب اردوغان، الذي كانت عناوين الصحف تكتب انه لا يمكن أن ينتخب نائباً بسبب الحظر، بل لا يستطيع أن يعمل حتى مختارا، التقى في مطلع العام 2003 مع الرئيس الأميركي (جورج بوش) الذي خرق البروتوكول. ماذا تحدثوا وأية وعود أعطيت، ربما يعرف ذلك جنيد زابسو أو علي بيرم أوغلو أو دوغو أرغيل.
لقد أراد اردوغان ورفاقه أن يكونوا في السلطة، ومن أجل إزالة العقبات اتفقوا مع القوى العالمية، وقاموا بما أرادته هذه القوى منهم، وتجاوزوا العقبات بالدعم الذي تلقوه منهم. أما كيف يمكن إقامة ورسم مثل هذه العلاقات فلا أعرف الـ «سي آي إيه» أو «الموساد» ولكن كانت توجد قنوات. إذ كان العديد من رجال الأعمال والسياسيين والأكاديميين والصحافيين يذهبون مرارا إلى واشنطن. وكذا كانت تفعل مراكز الدراسات الأميركية، التي كانت تقيم حلقات النقاش خلف أبواب مغلقة. وهذه كانت أيضا مهمة البعثات الأميركية. الكل في أنقرة يعرف هذا.
لقد كان «الموساد» الإسرائيلي، وبعض الأوساط الجديدة في عالم الأعمال، والتي كانت تسمى برأسمال الأناضول، منزعجة من اربكان. لقد كان هؤلاء منزعجين من مشكلات اربكان مع الغرب والقوى المحلية، ومن السياسات الاقتصادية التي كان يطبقها. لقد لعب هؤلاء الأغنياء الجدد دوراً رئيسياً ومؤثراً في تأسيس «حزب العدالة والتنمية».
في تركيا، ودول مثلها، حتى الآن لا تزال الثروات توزع عبر يد الدولة، ولا تزال الدولة هي أداة تقاسم الثروات. حينها كان رأس مال المركز يستبعد رأس المال الأناضولي، ويعيق أن يأخذ هذا الرأسمال حصة مما توزعه الدولة. حركة 28 شباط (1997) ضد اربكان كانت انعكاسا نسبيا لهذا النزاع.
لقد كان العديد من رفاق اربكان يرون في تقسيم حركة «مللي غوريش» لعبة أميركية وإسرائيلية. والعديد اليوم من الكتاب والعاملين في وسائل إعلام «حزب العدالة والتنمية» يكتبون ذلك. منهم نصوحي غونغير الذي كتب كتابا عن «الحركة التجديدية» في حزب «الفضيلة» وفيه يروي كيف أن «العدالة والتنمية» كان مشروعاً أميركياً.
أما الحديث اليوم عن افتراق اردوغان عن القوى العالمية في بعض السياسات فهذا يبدو في مسألتي سوريا ومصر. لكن في الأساس الأمر ليس على هذا المنوال. فـ «حزب العدالة والتنمية» لا يتبع سياسات تثير انزعاج النظام الاقتصادي العالمي. في التفاصيل قد توجد بعض المشكلات. لكن «العدالة والتنمية» يستغل إظهاره على انه في مشكلة مع النظام العالمي كذريعة في السياسة الداخلية. ولكن بعد ذلك ليس من هذا شيء.
المصدر: السفير نقلاً عن («بركون»)
إضافة تعليق جديد