هل تخلّت واشنطن عن مليشياتها على الحدود الأردنية السورية؟
بينما يواصل الجيش السوري تقدمه بسلاسة في بادية الحماد، متبعاً «إستراتيجية القضم والعزل»، ظهرت على المليشيات المدعومة أميركياً، مؤشرات توحي بتدهور العلاقة بين الطرفين خصوصاً بعد رفض واشنطن إرسال أسلحة بناء على طلبات تقدمت بها هذه المليشيات لمواجهة تقدم الجيش السوري في المنطقة، وفي موازاة ذلك علمنا أن الجيش السوري ما زال يستقدم المزيد من المؤازرات إلى منطقة بادية الحماد تمهيداً لخوض معركة معبر التنف التي يبدو أنها ستكون عنوان المرحلة القادمة.
وأكدت مصادر ميدانية مطلعة أن القسم الأكبر من المؤازرات التي يجري إرسالها إلى بادية الحماد حالياً هي من قوات الدفاع الوطني في اللاذقية وطرطوس، وذلك بعد أن وصلت إلى المنطقة ذاتها مؤازرات سابقة من محافظات أخرى، ومن بعض الألوية الحليفة مثل «لواء القدس»،
وكانت العديد من التقارير الإعلامية تحدثت الأسبوع الماضي عن حشود وحشود مضادة تشهدها البادية السورية على مختلف المحاور.
تشير هذه الحشود إلى أن الجيش السوري لا يزال متمسكاً بحقه في السيطرة على معبر التنف باعتباره أحد رموز السيادة السورية التي لا يجوز التنازل عنها لأي سبب من الأسباب، وخاصة في ظل المخططات الأجنبية المشبوهة التي تحيط بالمعبر والمنطقة المحيطة بها.
قد يكون الجيش السوري نتيجة التعقيدات التي أطلت برأسها مؤخراً في موضوع معبر التنف، أخّر قليلاً مسألة التقدم العسكري نحوه، لكنه لم يلغ هذه الفكرة نهائياً، بل ما زال العمل قائماً على تمهيد الأرضية المناسبة لتحقيق هدف السيطرة على المعبر من دون التسبب في إشعال أزمة إقليمية وربما دولية، يصعب ضبطها والتحكم بتداعياتها، كما قال مصدر ميداني مشارك في عمليات البادية السورية.
تزامنت هذه التطورات مع إنجازات واسعة حققها الجيش السوري على امتداد البادية السورية بين ثلاث محافظات هي السويداء وحمص ودمشق، وربما الهدف الأهم الذي يعمل عليه الجيش السوري وسيؤدي في حال تحققه إلى قلب المعادلة الميدانية، ليس في بادية الحماد وحسب، بل في كل من دير الزور ودرعا، وهو هدف عزل منطقة بئر القصب سواء عن طريق حصارها أو من خلال إجبار المليشيات المسلحة على إخلائها.
وتعتبر بئر القصب، نقطة إستراتيجية تقع بين عدة محافظات، واكتسبت هذه المنطقة أهميتها سابقاً كونها كانت في إحدى المراحل طريق الإمداد الوحيد للمليشيات في أرياف دمشق ولاسيما الغوطة الشرقية، حيث كانت تصلهم المساعدات العسكرية واللوجستية من الحدود الأردنية.
أما اليوم فإن أهمية بئر القصب لا تتمثل فقط في كون سيطرة الجيش السوري عليها تعني قطع الإمداد الذي يمكن أن يأتي عبر الحدود الأردنية وحسب، بل هناك هدف بعيد قد يشكل في أحد أبعاده انقلاباً جذرياً للمشهد في كامل الجنوب السوري.
ويتمثل هذا الهدف في أن سيطرة الجيش على بئر القصب بما يتضمنه ذلك من تعزيز سيطرته على الوسط السوري وتوسيع شبكة خطوط الإمداد، سيشكل ضغطاً كبيراً على الجنوب السوري وبشكل خاص على محافظة درعا التي لا تزال تعيش تحت وطأة هجوم المنشية المتواصل منذ نحو ثلاثة أشهر.
ومبدئياً فإن مجرد سيطرة الجيش على بئر القصب، ستؤدي إلى تغيير كبير في توازن القوى على كامل الحدود السورية والأردنية، وسوف تميل كفتها بوضوح لمصلحة الجيش السوري الذي سيكون قد أمّن لنفسه عمقاً استراتيجياً يمنحه قدرات إضافية في المناورة وعمليات الدفاع والهجوم.
بالمقابل فإن خسارة المليشيات المسلحة لمنطقة بئر القصب ستشكل ضربة قاصمة للمخططات الأميركية البريطانية الأردنية القاضية بالتوجه نحو دير الزور، لأن تنفيذ هذه المخططات سيكون شبه مستحيل في ظل عدم وجود عمق إستراتيجي تنطلق منه العمليات، إضافة إلى أن استمرار تقدم الجيش السوري في المنطقة سيجبر هذه المليشيات على تأجيل مشاريعها الأخرى.
وعلى الرغم من أن واشنطن أقدمت على تنفيذ غارة جوية ضد رتل للجيش السوري وحلفائه شمال بلدة التنف، إلا أن جميع المعطيات المتوافرة تؤكد أن واشنطن ليس لديها خطة واضحة للتعامل مع ملف معبر التنف، بل من الواضح من خلال تصرفاتها وقراراتها أن الارتجال هو السمة الغالبة عليها، حتى الغارة الأخيرة التي استهدفت رتلاً للجيش السوري وحلفائه، كانت نتيجة قرار من القيادات الأميركية الميدانية على الأرض وليس قراراً من البنتاغون أو البيت الأبيض، بمعنى أن دلالة الغارة لم تتعدّ الجانب الميداني العاجل، ولم تكن محملة بأي حمولات إستراتيجية وسياسية، وربما هذا ما يفسر غياب غارات التحالف بعد ذلك، رغم أن الجيش السوري وحلفاءه واصلوا التقدم بعد الغارة بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبلها.
ما يعزز عدم ثبات الموقف الأميركي، هو إعلان قيادة ميليشيا «جيش مغاوير الثورة» المدعومة أميركياً أن «التحالف الدولي يهمل طلباتهم للسلاح إذا كان بهدف محاربة النظام»، وأوضح المتحدث الإعلامي باسم «مغاوير الثورة»، البراء الفارس، في تصريحات صحفية السبت: «إننا طلبنا دعماً بالقوات والسلاح لمواجهة النظام والميليشيات الموالية له، ولم نتلق ردوداً إيجابية»، لافتاً إلى أنهم عندما يطلبون دعماً لمواجهة تنظيم داعش تكون الردود سريعة.
وينبغي إيضاح أن المليشيات الموجودة في بادية الحماد تنقسم إلى قسمين: الأول هو «مغاوير الثورة» وهي مليشيات مدعومة من المخابرات الأميركية مباشرة وتحظى لدى واشنطن بموقع شبيه بموقع «قوات سورية الديمقراطية» من حيث استعداد واشنطن لتأمين تغطية جوية لعملياتها العسكرية، وتنتشر هذه المليشيا انطلاقاً من مخيم الركبان باتجاه معبر التنف، والقسم الثاني هي: «أسود الشرقية» و«أحمد العبدو» و«أحرار العشائر»، ورغم أن هذه المليشيات مدعومة من غرفة «الموك» إلا أنها لا تتمتع بالامتيازات التي تحظى بها «مغاوير الثورة» من حيث نوعية السلاح المقدم ولا من حيث الاستعداد لتأمين التغطية الجوية، وتنتشر هذه المليشيات في منطقة بئر القصب ومحيطها.
وغاب الدعم الأميركي عن مليشيا «مغاوير الثورة» حتى عندما تقدم الجيش السوري باتجاه مواقعها في منطقة العليانية حيث امتنع «التحالف الدولي» عن شن أي غارة جوية لمساعدتها في التصدي لهجوم الجيش.
ولم يقتصر الأمر على غياب الدعم الأميركي بل تعداه إلى غياب التنسيق الميداني بين «مغاوير الثورة» والمليشيات الأخرى الموجودة في بئر القصب، وهو ما سهّل مهمة الجيش السوري عبر الاستفراد بها كلٍ على حدا.
عبد الله علي
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد