واشنطن تطلب تمديد قرار التجميد ونتنياهو يرد باستيطان جديد
اوحت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ان صبرها من غطرسة رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد بدأ بالنفاد. والمسألة ليست الاستيطان بحد ذاته، سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، وإنما مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وهيبة الإدارة في أميركا ذاتها. وجاءت قرارات إسرائيل الأخيرة بتعزيز الاستيطان في حي الشيخ جراح أثناء اجتماع نتنياهو مع الرئيس أوباما لتزيد من حدة الخلاف.
يذكر أنّ عضو مجلس بلدية الاحتلال في القدس اليشع بيليغ كان قد أعلن أنّ إسرائيل تعتزم بناء مزيد من المنازل لليهود في القدس الشرقية، موضحاً أنه تمت الموافقة على بناء 20 وحدة سكنية جديدة لمجمع في الشيخ جراح يعرف باسم «فندق شيبرد». وأضاف أن أحدث خطوة هي في طريقها إلى الموافقة وتتمثل في بناء مئة منزل، وتابع «سنواصل البناء في كل أنحاء القدس، في الشيخ جراح ورأس العامود كذلك». والشيخ جراح حي في قلب المدينة المقدسة.
وقد تأخر موعد عودة نتنياهو إلى تل أبيب بسبب استمرار الخلاف، وربما تصاعده. ومن قليل المعلومات المتوفرة يمكن رسم صورة ليست دقيقة، ولكنها الأقرب إلى المعقول في هذه الظروف حول الخلاف. وتبدأ
الأمور باللقاء نفسه بين نتنياهو وأوباما في البيت الأبيض.
وقد أصر البيت الأبيض على عدم تقديم أية معلومات حول ما جرى في المحادثات التي عقدت، في الغالب، على انفراد. كما أن البيت الأبيض حرص على عدم تواجد الصحافيين، ولم يسمح بنشر أية صورة للقاء. واستمر الاجتماع مع أوباما ساعة ونصف الساعة، قيل أنه كان معمقاً وواضحاً، وتطرق إلى التفاصيل.
وأبلغ أوباما نتنياهو أن الأجوبة التي قدمها على المطالب التي حددها، عبر وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ليست مرضية. وأشار إلى أنه يلحظ في سلوك نتنياهو نوعاً من العناد الذي يضر بمصالح أميركا القومية. وأوضح أنه كان ينتظر من رئيس الحكومة الإسرائيلية اهتماماً أكبر بمراعاة المصالح الأميركية في المنطقة، وأن يكون قد استوعب درس الاستيطان في «رامات شلومو».
وأعاد أوباما عرض المطالب الأميركية تجاه المفاوضات ومداخلها، مطالباً بأجوبة واضحة وأفعال محددة تظهر الرغبة في دفع المفاوضات مع الفلسطينيين إلى الأمام. وشدد أوباما على وجوب الشروع في محادثات التقارب ببحث مسألة الحدود والاتفاق عليها، ما يسهل مناقشة القضايا الأخرى، ويزيل لغم الاستيطان من درب التسوية. وبحسب مصادر إسرائيلية فإن أوباما أصر على نتنياهو تغيير الرسالة التي بعث بها إلى كلينتون، والتي حملت الردود على المطالب الأميركية.
معروف أن المطالب الأميركية ركزت على التحقيق في نشر عطاء «رامات شلومو»، خلال زيارة نائب الرئيس جو بايدن لإسرائيل، وتقديم مبادرات حسن نية للفلسطينيين، وأن تبحث مفاوضات التقارب في قضايا الحل النهائي، والتعهد بعدم الاستيطان في القدس.
وقد أضاف أوباما إلى هذه المطالب مطلباً يتعلق بتوضيح القرار حول الاستيطان في الشيخ جراح، ومعنى أن «القدس مثل تل أبيب». كما طالب أوباما نتنياهو بتمديد فترة تجميد الاستيطان المعلنة، وأن تسري على القدس الشرقية. وما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن يبدأ بتنفيذ التجميد على الأرض فعلاً لا قولاً. وأصر أوباما على أن يعرف من نتنياهو أين يقف الآن، وما هي فكرته عن التســوية في المنطــقة، ودعا نتنيـــاهو إلى تحــديد المسائل التــي هو مستعد للتعهد بالالتزام بها.
ويصر معلقون إسرائيليون على أن أوباما تعمّد إهانة نتنياهو بإظهار ابتعاده عنه. كما أن الحزم الأميركي تبدّى أيضاً في موقف مستشار الأمن القومي جيمس جونز الذي طلب إيضاحات عمّا يروج له نتنياهو ومستشاروه في الإعلام الأميركي. وهذا ما حدا بنتنياهو إلى إلغاء كل الإجازات والمقابلات الصحافية التي سبق أن رتبها مستشاروه له مع الصحافة الأميركية.
واستمر اللقاء الأول بين أوباما ونتنياهو ساعة ونصف الساعة، ترك بعده نتنياهو البيت الأبيض للتشاور مع مستشاريه وإجراء «مكالمات آمنة» مع كبار الوزراء في إسرائيل. وبعد ساعة ونصف الساعة من ذلك عاود نتنياهو طلب الاجتماع مع أوباما، والتقى به لنصف ساعة. غير أن التوتر بين الطرفين ازداد مع مرور الوقت.
ولم يفلح طاقم من أربعة أعضاء ـ اسحق مولخو ورون ديرمر من الوفد الإسرائيلي، وجورج ميتشل ودينيس روس من الطاقم الأميركي ـ في التوصل إلى صيغة متفق عليها. وظلت الصياغات تدور بين الطرفين من دون نجاح إلى أن عاد كل طرف إلى مرجعه بيدين فارغتين. وثمة من يشير إلى أن إيهود باراك يحاول القيام بدور مركزي في التوصل إلى صيغة ترضي الجميع.
وأطلق مسؤولون في البيت الأبيض رسائل واضحة للإعلام الإسرائيلي. ونقلت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي عن مسؤول كبير في البيت الأبيض قوله إنّ «أوباما لن يتراجع عن مطالبه من نتنياهو التي عرضها عبر كلينتون، وهو غير راض عن الأجوبة. كما أنه لا ينوي التراجع، ولا يهمنا إذا ترك نتنياهو واشنطن من دون اتفاق، فالخلاف قائم وسوف يبقى ولن نتراجع. ونحن بانتظار رد نتنياهو».
ومن تعليقات المراسلين الإسرائيليين يتبدى أن نتنياهو فوجئ من عزم أوباما وإدارته على تحقيق اختراق في التسوية مع الفلسطينيين، أو على الأقل تحميل الجهة المسؤولة عن العرقلة المسؤولية. ويشيرون إلى أن الفوارق بين مواقف حكومة نتنياهو وإدارة أوباما كبيرة جداً لدرجة يصعب جسرها.
ولعل من بين أهم المسائل التي جرت يوم أمس مسارعة الرئيس الأميركي للاتصال هاتفياً بكل من رئيس الحكومة البريطانية والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية. واعتبر المراقبون ذلك محاولة للتأكيد لنتنياهو بأن هناك اليوم جبهة دولية تتبلور في مواجهته تضم ليس فقط إدارة أوبـاما وإنما أهم قادة أوروبا.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد