وفاة مهندس «كامب ديفيد» مصطفى خليل
«المهندس» لم يكن فقط وصفاً للأدوار السياسيّة لمصطفى خليل؛ فالهندسة كانت مهنته الأولى بعدما تخرّج من كلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) عام ١٩٤١، ولم يعرف له دور سياسي قبل الثورة، ربما لأنّه كان من أوائل المبعوثين لنيل الدكتوراه من جامعة إيلينوي في الولايات المتحدة.
عاش مصطفى خليل مهندساً كبيراً في نظام جمال عبد الناصر في قطاع النقل والمواصلات الذي كان أوّل طريقه السياسي، حيث كان وزيراً للنقل والمواصلات قبل أن ينتقل إلى الصناعة والبترول.
واجه ملفّات صعبة في عهد الثورة، وبالأخص في سنوات الوحدة بين مصر وسوريا (1958 و1961)، حيث كان نائب رئيس الوزراء لشؤون الكهرباء والبترول والطاقة، بين عامي 1958 و1961.
في عام 1966، قدم استقالته إلى عبد الناصر لظروف صحية، لكنه سرعان ما عاد ليتولى منصب رئيس الإذاعة والتلفزيون، أو الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من حزيران عام 1970 حتى نيسان عام 1971، ثم انتُخِب أميناً عاماً للاتحاد الاشتراكي العربي، الذي كان الحزب الوحيد آنذاك.
اختاره الرئيس الراحل أنور السادات مهندساً للتغيير الكبير الذي سار به العهد الجديد. تغيير وصل إلى حدّ الانقلاب على عهد عبد الناصر، وكلَّفه العمل على تغيير النظام السياسي في مصر، والانتقال من نظام الحزب الواحد، إلى نظام الأحزاب الذي أخذت به البلاد بعد ذلك.
القفزة الأخيرة كانت من الهندسة إلى صناعة السياسة الخارجية في النصف الساخن من سنوات حكم السادات، وبالتحديد في ١٩٧٨، بعد أشهر قليلة من مغامرته بالسفر على الطائرة المتجهة من القاهرة إلى القدس المحتلّة في «مبادرة السادات» السلميّة.
من يومها وخليل بات المهندس فعلاً، إذ تسلّم رئاسة الحكومة بعد سنوات الحرب الصعبة. وخلال الأزمة التي نشبت بين السادات ووزير خارجيته محمد إبراهيم كامل، أضاف خليل
حقيبة الخارجية إلى جانب رئاسته للحكومة ليهندس اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل.
الإشادات تنهمر على كلّ مسؤول يغيب، وخليل نال النصيب الأوفر منها. أبرزها أتت أمس من دان ميريدور، سكرتير الرئيس الأسبق للحكومة الإسرائيليّة ميناحيم بيغن، فالراحل «أبرز من تمكّن من نقل الوضع في الشرق الأوسط من حالة الحرب إلى السلم والاستقرار».
غاب خليل وعمره ٨٨ عاماً، حيث بقي نائباً لرئيس الحزب الوطني الحاكم، رغم أنه بقي يصارع المرض منذ سنوات طويلة، بحيث كان المنصب شرفياً.
ارتبط اسمه بذكرى يصعب تفسيرها حتّى اليوم، فهو «حلم عابر» بالنسبة إلى المصريّين الذين أملوا أن يكون أوّل رئيس مدني يحكم الجمهوريّة. حلم صنعته شعبية طاغية يبدو أنها اقترنت بمظهره المهيب وسمعته النظيفة وكاريزما إدارية واضحة في ملامحه.
إلّا أنّ كلّ ذلك لم يخضع لمختبر عملي وظلت توقعات الناس في نهاية عصر السادات، بأن يكون رئيس الجمهورية القادم هو مصطفي خليل، بلا تفسير سياسي وإن كانت الترشيحات الشعبية صعدت باسمه في لحظة غريبة تماماً عندما أشاع السادات نيّته اعتزال السياسة والتخلي عن منصبه رئيساً للبلاد بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء.
ورغم أنّ اتفاقيات «كامب ديفيد» لم تكن شعبية، إلا أنّ مهندسها ظلّ صاحب رصيد شعبي كبير، ربما كان سببه عدم توليه مناصب حكومية في عصر الرئيس الحالي حسني مبارك.
في النهاية، غادر الحياة السياسية صامتاً بعد رحلة من «طفل ابن الأعيان»، إلى «مهندس» ينتقل من الاشتراكية إلى الليبرالية، ومن الحرب إلى السلام، ومن الوحدة إلى التطبيع.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد