وقف إطلاق النار.. دمشق تثق بموسكو
على حد تعبير صحيفة «البعث»، الناطقة باسم «حزب البعث» الحاكم في سوريا، فإن مؤتمر ميونيخ، الذي انتهى إلى اتفاق يقود لوقف إطلاق نار، «لن يشيل الزير من البير».
مقال «البعث» أمس، ليس تعبيراً مباشراً عن الموقف الرسمي، ولا سيما أن نتائج ميونيخ لم تصدر قبل فجر أمس، بالتوقيت السوري، لكنه انعكاس للمزاج العام السائد في دمشق، والذي سبق وعكسه مسؤولون سوريون حول اعتبار من يتحدث عن وقف إطلاق النار «لا يريد إنهاء الإرهاب» وفقا لما صرحت به المستشارة الرئاسية بثينة شعبان منذ أيام.
من جهته كان سبق لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال مؤتمره الصحافي قبل أسبوع، أن عبّر عن «ثقته التامة» بالسياسة الروسية في الشأن السوري، مشيراً إلى أن توجه الروس بموضوع وقف إطلاق النار يحظى بثقة دمشق، رغم ما يوحي بعدم وجود تصور دقيق لما يرمي إليه الروس في هذا الصدد.
العلاقة بين دمشق وموسكو، خاصة ومديدة، وقد تعدت مؤخراً عمقها التاريخي، وأخذت شكلها الأكثر جدية عبر خوض حرب مشتركة.
في مكتب أحد المسؤولين السوريين المرموقين ثمة تمثال نصفي أبيض صغير لـ «قيصر» روسيا الرئيس فلاديمير بوتين. لا ينحرج المسؤول من وجوده، بل يشير إلى أنه حين سئل من قبل أحد المسؤولين الأوروبيين عن المجسم الصغير، قال، من دون تردد، إن الغاية هي القول إن «سوريا تقدر من كان مخلصا لها». في مكاتب مسؤولين آخرين، أدنى مستوى، وفي دوائر خدمية شعبية يمكن المرور من دون انتباه بجانب صور كثيرة معلقة على الجدران وخلف المكاتب لبوتين، والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، إضافة لصور الرئيس السوري بشار الأسد بالطبع.
وفي غرف إدارة الحرب المشتركة، يتعاون الثلاثي وينسق الضربات العسكرية والخطوات الميدانية، لا سيما أن أهدافهم موحدة وأولياتهم كذلك.
ومن بين ضمن هذه الأولويات، تحقيق أكبر قدر ممكن من أمن الحدود، بما يعنيه ذلك من محاصرة الدعم الأردني والتركي للمجموعات المسلحة، لا سيما الإسلامية منها. وقد تطرق المعلم في مؤتمره الصحافي الأخير إلى أن الأردن ما زال يسمح لقوافل المسلحين بالعبور من أراضيه إلى سوريا من دون أن يسمح لهم بالعودة. وهو أمر أراد به المعلم القول ربما أن المملكة تجد فرصة مناسبة لديها الآن لتخفيض كميات الإسلاميين على أراضيها، خصوصاً أنه كثيرا ما يتردد بطريقة ساخرة في أوساط مقاتلين على الجبهة الجنوبية في دمشق، أن «عمان، لا تدل تلك القوافل على طرق آمنة حقيقية للعبور باتجاه سوريا»، في إشارة لاستهداف القوات السورية لتلك القوافل.
إلا أن الحالة معاكسة تماماً على الجانب التركي، التي تروج مع حلفائها في الخليج لإمكانية «استدعاء قوة عسكرية مشتركة مع السعودية والإمارات والبحرين» تحت قيادة أميركية.
لكن حتى اللحظة ما زال البعض في دمشق يرجح أن يكون الأمر من باب «الابتزاز السياسي» لدفع خصومهم في دمشق وطهران وموسكو نحو «تنازلات سياسية»، أو نحو تحقيق «وقف لإطلاق النار يمكن المجاهرة به سياسياً باعتباره انجازاً ديبلوماسيا».
من جهته، أبدى مصدر ديبلوماسي غربي، يزور دمشق بشكل متقطع، تصوره لهذا الأمر باعتباره «بمثابة تعويض سياسي يقدمه الأميركيون لحلفائهم من الأتراك والخليج» على الصعيد السوري والإقليمي، بعد «خيبة أمل الحلفاء من سياسة واشنطن اتجاه الملفين الإيراني والسوري، وتفاهمها مع موسكو أيضا».
إلا أن البعض في سوريا، بشكل أكثر سلبية، يرجع الخطوة الجديدة إلى تصور الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سبق وعبّر عنه في صيف العام 2014، من الحاجة لـ «تلبية تطلعات الشريحة السنية السياسية في سوريا والعراق» مقابل دمج وإقناع الغالبية العظمي منهم في الصراع مع «داعش» و «المشروع التكفيري»، وهو ما قد يسعى «التحالف الجديد» لترويجه.
الحال الذي يبرر القلق الموجود من التقسيم «الذهني والديموغرافي على الأقل» بما يتعدى حسابات «التصور العسكري» الناتج عن دخول عناصر جديدة في الحرب السورية، إلى التصور الأشمل المتعلق بتعميق مستوى العداء والضغائن بين «الشيعة والسنة» من جهة، وترسيخ المزيد من انطباع تحول سوريا إلى أرض حرب بالوكالة، أكثر مما هي عليه حالياً.
كل هذه الحسابات تحضر حين الحديث عن «وقف لإطلاق النار» حتى لو ربط بالنواحي الإنسانية من جهة، والعملية السياسية من الجهة الأخرى. وتحضر مع هذه الحسابات الأسئلة التفصيلية أيضا، ولا سيما أن الجيش السوري معني بالحفاظ على نقاط تقدمه وتثبيتها في أرياف حلب واللاذقية ودرعا. وهو معني أيضا باستكمال مشروع محاصرة المعارضة المسلحة في الشمال والامتداد في الجنوب.
ورغم أن الهدنة ستسمح له بتثبيت بعض نقاطه الجديدة بالاستناد لقوات «الحماية الذاتية» الجديدة التشكل، لملء فراغ المناطق الخالية من السكان أو البيئة الحاضنة، إلا أن وقف زخم هذا التقدم سيجعل خصومه قادرين على ترسيخ أقدامهم في مناطق سيطرتهم أيضا، كما سيسمح بوصول دفعات من الدعم اللوجستي تحت مسميات عدة. ووفقا لما ردده مصدر سوري واسع الاطلاع تعليقاً على تجارب الرعاية الإقليمية لوقف إطلاق النار السابقة، بأنها «لم تكن سوى نذر اشتداد للحرب أكثر منها لوقفها».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد