قرار التعريب: الحكومة ترقص "دبكة" مع نقيب الفنانين
الجمل– طرطوس– حسان عمر القالش: "على الأول" كان صباح عبيد نقيب فناني سوريا يرقص اختراعه الخاص من "الدبكة" ليمسك بيده "اليوم" وزراء الحكومة..فهو البادي بتقليب صفحات الاشتراكية والسوفياتية الصفراء التي بدا انبهاره بها "مؤسساتيا" بجعل نقابة الفنانين الحاكم الوصيّ على ذائقة السوريين وهواهم الفني. ليأتي دور الحكومة الخريفيـّة العمر والعمل وتنسج على منواله، مستفيدة من عثراته وضاربة بسيف رئاسي !
ولأن لا مشاكل عندنا، لا قضايا ولا هموم..لأن كل شيئ "مدعوم"، لم يبق إلا التسـلـّي بتقويم اعوجاج لسان عروبة مجتمعنا ومكافحة "العـَجَـمَـة" التي تكتسحه. فبدأت "محافظة دمشق تطالب بتعريب أسماء المحال التجارية كما ورد في صحيفة البعث الرسمية – 25/9/2007" فقد أنذرت المحافظة أصحاب المحلات التجارية التي تحمل أسماء غير عربية بتغيير أسماء محلاتهم الى العربية خلال 15 يوما. وكان رئيس الوزراء العطري قد "طلب أخيراً من محافظة دمشق العمل على قيام جميع اصحاب الفنادق والمطاعم والمؤسسات السياحية بـ «وجوب استعمال الكلمات العربية.. ووضع الكلمات الأجنبية بحروف أصغر تحت الكلمة العربية» الحياة – 27/9/2007". ويقدم هذا القرار الى الجمهور على طبق "من فوق"، فكلام مثل أن "هناك توجه نحو دعم وتدعيم اللغة العربية"، اضافة الى بعض التحليلات الصحافية "يوحي" بأن القرار يحمل صبغة رئاسية، خصوصا بعد الاشارة التي وردت في خطاب القسم عن اللغة العربية.
صحيح أن القرار "يجعلنا نحس بأننا في ايران أو دولة من الاتحاد السوفييتي" السابق كما يقول أدهم صاحب محل للملبوسات، لكن الحكومة بيدها "الجوكر" الرابح في مماحكاتها الحالية وهو أن دمشق ستكون عاصمة للثقافة العربية في الـ2008. وقد استخدمته هنا في هذا القرار. في حين كانت الكويت عاصمة الثقافة العربية أيضا في الـ2001، وبقيت تحتل المراتب الأولى في الشرق الأوسط في عدد أفرع المطاعم العالمية والأميركية المتواجدة فيها، ولم تعرّب اسم أي مطعم هندي أو صيني، مع أن حكومتها هي هيَ التي مازالت الى اليوم رائدة في "النشر الثقافي" ومستمرة في طباعة ونشر: سلسلة كتب عالم المعرفة، مجلة عالم الفكر، سلسلة ابداعات عالمية، مجلة الثقافة العالمية، جريدة الفنون، مجلة العربي وملاحقها وكتبها .. والتي توزع في كل أقطار العرب بأعداد وفيرة وأسعار شعبية.
عندنا..الأمر طبيعي على الآخر، ففي غياب طريقة العمل والتفكير المنهجية التي تعتمد دراسات ميدانية اجتماعية، سنصل بديهيا وتخلـّفيـّاً الى قرارات كهذا "القرار السخيف" كما وصفه أحد مثقفي طرطوس. والعادي أكثر أن اطلاق الناس أسماء غربية على محالهم لا يعني بالضرورة وجود فقر دم في اللغة الأم. فقد تكون الـoptions أو "خيارات" التسمية أوسع قليلا في اللغة الأجنبية، كما حدث مع كمال وهو شاب افتتح مؤخرا محلا صغيرا للجلديات، يقول: "كان في بالي أسماء كثيرة بالعربية أحببتها لكن وجدتها جميعا مستخدمة في محلات أخرى، ولما عجزت سميت محلي باسم غربي اقترحه عليّ صديقي". كما أن أسماء العلم ،الرموز، والمصطلحات الآتية من اللغات الغربية يعد استخدامها من العوامل الشكلية التي توحي بتحضـّر المحل أو المتجر، وهي أيضا عامل جذب ودعاية على اعتبار أنها جديدة وقليلا ما تطرق الأسماع. فالغاية هنا تجارية وترويجيـّة بحتة، حيث لا يخطر على أي بال "خبيث" اتهام مستخدمها بالتبرؤ من لغته !
والمضحك المبكي هنا ألا ينظر الى هذه السلوكيات نظرة حكومية دراسيـّة، بل أن يتم استغلالها واستثمارها نفاقيـّا ومصلحيـّا. فقليل من المعرفة العلمية، التاريخية والاجتماعية تقول لنا ما زبدته: أن أساليب التسمية المختلفة ومنها هذه التجارية تدل على الحالة المعرفية والثقافية للمجتمع في مرحلة معينة. وملاحظة ظاهرة التسميات الغربية يستنتج منه وجود حالة متقدمة من تفاعلية المجتمع وانفتاحه على بقية الثقافات، في وقت صار من المتعذر والمثير للشفقة زج المجتمع في قمقمه الثقافي الخاص دون أن يعطي العالم ويأخذ منه.
وبعد كل هذه المغلفات التي غلـّف بها هذا القرار، و"الأمبلاج" الذي زيـّن به، بقي أن يرش عليه قليلا من الاثارة والبهار اللبنانييَن الذين يرمى بهما للناس في اعلامنا الرسمي للتسلي وفش الخلق والأكشن السياسي، فرمي الى سوق الكلام مايقال عن "لبننة سوريا" تحدثت عنها صحيفة الحياة في الخبر السابق . لكن هذه "قديمة" كما يقول العامة. نديم علـّق عليها قائلا: "اذا كان كذلك فمعناه أن هناك مصرنة وأردنة وأمرتة وكوتنة لسوريا !..فهل مظاهر الفرنجة السطحية هي ماركة مسجلة للبنان"؟..هذا الكلام قديم وأكل عليه زمن الحداثة والعولمة وشرب. وان كان لابد من الاعتراف بحاجة لاشعورية عندنا للتعويض عن طريقة العيش اللبنانية بعدما لغـّمـت السياسة الطريق مابيننا و"بيننا" – أي اللبنانيين –، فهاهي المولات الضخمة والكافيهات والمقاهي الحديثة الطابع والبنوك الخاصة تعوض عنها وبرضى نفس الحكومة [راجع ابراهيم حميدي في الحياة26/2/2007].
واذا ما أرغمتنا الحكومة على دخول بازار المزاودة نذكَرها بأن "أوروبيـّة" كثير من أسماء المحال والأسواق والمقاهي وحتى الشوارع في لبنان، وهي قديمة العهد، لم تمنعه من مشاركتنا في صدارة نهضة وتحديث اللغة العربية التي بدأت من هذا المشرق. ولا يمكن من منظور آخر، ألا يتشابه قرار التعريب هذا بممارسات الأسلمة الاجتماعية. ويبقى ذكاء الشعب حاضرا في قول الناس لنا بأن: الحكومة اعتادت أن تخترع هكذا قرارت "قشوريــّة" لتلهي الناس عن قضايا أهم، وهي هنا مسألة رفع الدعم وزيادة أسعار المحروقات.
فكان الأحرى بحكومتنا اما أن تصمت وتبقي الطابق مستورا، أو اذا أرادت النزول الى ساحة الجدل والمزاودة المتعلقة بمضمون هذا القرار، أن تحاسب نفسها أولا وتقدم للرأي العام تقريرا عن واقع وزارة الثقافة – والذي تعرفه أساسا – المعنيـّة باللغة وتثقيف الناس، ونوعيات الشخصيات الموظـّفـة فيها بداية من المدلسين وصولا الى المحكومين باختلاس أموالنا. فحارتنـا ضـيـقـة ومـنعـرف بـعـضـنا.
الجمل
التعليقات
ابدأ بالأهم قبل المهم
تعريب غرة دمشق 2008
التعليم و
درس تقني للمبتدئين
إضافة تعليق جديد