السياسة الخارجية الروسية تجاه سورية: اليقين أم اللايقين
الجمل: اهتم لفيف من خبراء الشؤون الدولية والإقليمية بالموقف الروسي الأخير الرافض بشكل واضح لمحاولات مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن الرامية لتدويل ملف الاحتجاجات السورية عن طريق تمرير قرار دولي يستهدف دمشق: فما هي محفزات الموقف الروسي وإلى أي مدى يمكن أن يلعب تأثير العامل السوري دوراً مؤثراً في الدفع باتجاه إعادة تشكيل وضبط توازنات الصراع الدولي الجاري ضمن فعاليات خط موسكو ـ واشنطن؟
* الدبلوماسية الوقائية الروسية: هل من اتجاهات جديدة
لاحظ معظم الخبراء الاستراتيجيين المعنيين بقضايا الأمن الإقليمي والدولي، مدى السلبية التي تعاملت بها موسكو إزاء قيام أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن بعملية تمرير القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973، بما أدى إلى إدخال ملف الأزمة الليبية في نفق التدويل، وما ترتب على ذلك من تداعيات مثيرة للاهتمام تمثلت في الآتي:
• قيام أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، باستخدام القرار الدولي 1970، والقرار الدولي 1973 كغطاء لجهة إضفاء المشروعية على العمل العسكري الدولي المتعدد الأطراف الجاري حالياً ضد ليبيا.
• تزايد الخلافات داخل الكرملين، بحيث أبدى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين عدم رضاه على ما يجري حالياً ضد ليبيا. وذلك في مواجهة موقف الرئيس الروسي ميدفيديف الذي بدا أكثر تساهلاً مع توجهات التحالف الدولي ضد ليبيا.
أعقب هذه التطورات سعي أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة القيام بسيناريو استهداف سوريا، وتحديداً عبر مسارين:
• المسار الأول: محاولة تمرير قرار دولي يستهدف دمشق عبر مجلس الأمن الدولي.
• المسار الثاني: محاولة استخدام أنقرا كمخلب لجهة التحرش بدمشق.
ركزت نوايا خصوم دمشق على استخدام المسار الأول، لجهة إنفاذ نفس سيناريو استهداف ليبيا، عن طريق فرض إقامة مناطق حظر الطيران في بعض المناطق السورية التي شهدت تصاعد بعض الاحتجاجات، ولكن فشلت فعاليات هذا المسار بسبب الموقف الروسي وأيضاً الموقف الصيني الرافض لتدويل ملف الحدث السوري، وبالنسبة للمسار الثاني، فقد انطوى على قدر كبير من معطيات نظرية المؤامرة. بما في ذلك تضليل القيادة التركية نفسها عن طريق التخمينات التي تضمنت المزيد من المعلومات الكاذبة المغلوطة، وكان الهدف يتمثل في تصعيد الاضطرابات بما يدفع إلى تزايد تدفق موجات اللاجئين السوريين للداخل التركي، بما يؤدي بدوره إلى قيام تركيا باستخدام قواتها من أجل إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، الأمر الذي سوف يفسح المجال أمام حلف الناتو للتدخل على أساس اعتبارات أن تركيا عضو رئيسي في حلف الناتو.. ولكن، ما هو واضح، فإن العديد من العوامل الأخرى لعبت دوراً هاماً في إضعاف فعاليات المسار الثاني، ومن أبرز هذه العوامل: الدبلوماسية الوقائية السورية التي سارعت إلى التفاهم مع أنقرا وكشف الحقائق ـ المسيرات الشعبية الكبرى التي باشرت فعالياتها داخل المدن السورية الكبرى تعبيراً عن الدعم ومساندة توجهات دمشق ـ بروز مصداقية جهود دمشق إزاء القيام بإجراء المزيد من الإصلاحات الداخلية ـ وإضافة لذلك، يمكن الإشارة إلى أن التصريحات الروسية الرافضة لأي تدخل دولي في سوريا قد لعبت دوراً في ردع خصوم دمشق الدوليين والإقليميين.
* السياسة الخارجية الروسية: اليقين.. أم اللايقين
عندما بدأت تحركات أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن الساعية لتدويل ملف الحدث السوري، ظن العديد من الخبراء بأن موسكو قد لا تقدم على اعتراض عملية التدويل داخل مجلس الأمن الدولي، وعلى الأغلب أو بالأحرى في أحسن الأحوال أن يلجأ المندوب الروسي داخل مجلس الأمن لجهة القيام بالامتناع عن التصويت.
تزايدت الشكوك أكثر فأكثر، عندما تم طرح مشروع القرار الدولي للنقاش المبدئي داخل مجلس الأمن الدولي، وذلك لأنه من غير الممكن عملياً لأطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن أن تقوم بطرح مشروع قرار داخل المجلس، ما لم تحصل على موافقة موسكو وبكين المبدئية. ولكن لاحقاً، تعثر المشروع، وبرزت المزيد من المحاولات بواسطة أطراف أوروبية أربعة: لندن ـ باريس ـ برلين ـ البرتغال، لجهة القيام بتقديم مشروع قرار تدويل ملف الحدث السوري داخل مجلس الأمن، وأضافت المعلومات والتسريبات بأن وفداً من المعارضة الخارجية السورية قد سعى لزيارة موسكو، وحثها على دعم مشروع القرار الدولي أو على الأقل الامتناع عن التصويت بما يسمح بتمرير القرار.
برغم الضغوط الدولية والإقليمية المتزايدة، فقد برز الموقف الروسي الأخير وهو أكثر وضوحاً لجهة التعبير بشكل قاطع عن رفض الكرملين التام لصدرو أي قرار دولي بشأن ملف الحدث السوري.
نلاحظ هنا أن موسكو، ومنذ لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك الكتلة السوفييتية وحلف وارسو لم يحدث أن سعت لاتخاذ مثل هذا الموقف القاطع في مواجهة تحركات أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن في مجلس الأمن الدولي، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى أن ملف الحدث السوري سوف يصبح بمثابة نقطة بارزة في مسيرة علاقات خط موسكو ـ واشنطن، والتي وإن أخذت شكل علاقات التعاون في العديد من المسائل الدولية والإقليمية، فإنها أخذت الآن شكل علاقات الصراع إزاء ملف الحدث السوري، وتأسيساً على ذلك يبرز السؤال الحرج الفائق الأهمية: هل ستسعى موسكو باتجاه خيار عرقلة مخططات ومشروعات الهيمنة الأمريكية والأوروبية الغربية بعد أن أدركت موسكو تماماً بأنها أحد أهم المستهدفين لاحقاً، وبأنها سوف تكون الضحية الكبرى طالما أن التخلي عن دمشق سوف لن يؤدي سوى إلى جعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة أمريكية، وبعدها سوف تباشر واشنطن وحلفاءها إنفاذ مخطط خنق روسيا عن طريق إغلاق البحر الأسود.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
بين الداخلي والدولي
إضافة تعليق جديد