شمس الدين العجلاني: عشقي للمــرأة والوطن والأرض شيء واحد
شمس الدين العجلاني صحفي وكاتب وشاعر مغرم بدمشق، وعاشق للأرض، ومحاور مشاكس، صعب الانقياد، لكنه يخفي وراء هذه الملامح نفساً شفافة وروحاً رقيقة وهوية عربية وانتماء وطنياً عهدناه بالسوري الأصيل،
فالمرأة والوطن والأرض عنده شيء واحد، فهو مجنون بالعشق لدمشق وسورية والشام، ولذلك اختار لديوانه الأول اسم «المجنون» مثاله جبران خليل جبران وقريبه الروحي نزار قباني، فهو بالنسبة له فرد من عائلته، وإن كان لا يمتّ له بصلة قربى. «تشرين» زارت هذا الإنسان المفعم بالعشق والحب في دارته التي يصرّ على إجراء مقابلاته فيها ليشعرك بالحميمية والقرب وكرم الضيافة فكان لنا معه هذا الحوار.
• إذا أردنا التعريف بك من أين تبدأ؟ وما هي المحطات التي مررت بها خلال مسيرتك الطويلة؟
• • بدأت في السبعينيات من القرن الماضي من خلال كتابات شعرية ونثرية كنت أنشرها في الصحف اللبنانية «الأنوار والجمهور والصياد» وفي مجلة النهضة الكويتية، وكنت أعرض كتاباتي على أستاذي الشاعر محمد الحريري سيد منابر دمشق في الستينيات والسبعينيات، وقد شجّعني على نشر ديواني الأول (المجنون)، إذ استعرت الاسم من جبران خليل جبران، وقد قصدت بعشقي، عشق الأرض والوطن، ثم عملت في الصحافة التي أبعدتني عن الشعر حتى «أكلتني»، وكتاباتي الأولى كانت في الصحف السورية «البعث والثورة وتشرين»، بعد ذلك عدت للنشر في الصحف والمجلات العربية كـ«العربي، ومجلة الفيصل، ومجلة المنهل، ومجلة الثقافة العربية التي كانت تصدر في ليبيا».. وخلال كل تلك الفترة كنت موظفاً في الدولة، وحتى الآن أزعم أنني صحفي قبل أن أكون شاعراً وكاتباً.
• كيف تعاملت مع كتاباتك التوثيقية؟ هل تم الأمر بحيادية أم كانت الوثيقة لإثبات واقعة ما؟
• • كنت أسعى لتسليط الضوء على التاريخ، وحاولت قدر الإمكان أن أكتب هذا التاريخ بحيادية من دون أي تدخّل، وكنت أحرص على إثبات حالة معينة سواء أكانت تحمل طابعاً سلبياً أم إيجابياً.
على سبيل المثال، عندما صدر كتابي «يهود دمشق الشامل» أثبت بالصورة والوثيقة أنه في دمشق لا توجد تفرقة بين الأديان، فيهود سورية تبوؤا أعلى المراكز في الدولة، وكان منهم أعضاء في البرلمان وموظفون في الدولة، وحتى اليوم يوجد بعضهم في مؤسسات الدولة.
• لماذا كنت بحاجة للوثيقة؟ هل كان ثمة من يشكك مثلاً؟
• • منذ القديم كان الغرب دائماً يشوّه الحقيقة لما هو في مصلحته، ووفق أهوائه وغاياته الاستعمارية، ولذلك كانت الوثيقة ضرورة لدحض ما يمكن أن يحصل مستقبلاً من تشويش على الأجيال اللاحقة حيال هذه الحقائق، فتصبح الوثيقة الغربية تاريخاً، ولكنه تاريخ مزوّر، والدليل أن كثيراً من الناس من أصحاب النفوس الضعيفة والثقافة المسطحة في سورية يأخذون ما يقوله الغرب على محمل الصدق، وفي الوقت نفسه يشككون فيما يوثّقه الباحثون والموثّقون المحليون لمجرد تعارضه مع ما يقوله الغرب.
• كيف تم اختيارك من قبل متحف الأدب التجريبي في أثينا، وبماذا يهتم هذا المتحف وما أهميته؟
• • في الحقيقة كانت لي علاقات مع مراكز بحوث ومخطوطات يونانية خلال بحثي عن بعض المخطوطات العربية في المراكز اليونانية، وقد اقتنت هذه المراكز بعض الكتب التي كتبتها، ولاسيما كتاب «يهود دمشق الشام» وكتاب «وجوه وكلام من بلاد الشام»، ويبدو أن القائمين على متحف الأدب التجريبي في أثينا قد اطلعوا على هذا النتاج، وقد اتصلوا بي عن طريق باحث سوري مقيم في أثينا «معتصم تقلا»، وطلبوا بعضاً من نتاجي وسيرتي الذاتية، فكتبت لهم قطعة نثرية بعنوان «دمشق وأثينا توءمان وعاشقتان ومحاربتان» وأهديتها للمتحف، وهي باللغة العربية، وقد تمت ترجمتها لليونانية، ونالت إعجاباً كبيراً لديهم، وبعد عودتي من اليونان أقيم حفل رسمي حضره باحثون سوريون وتم تعليق نتاجي وسيرتي الذاتية بين نتاج باحثي ومفكري وأدباء العالم، وكنت السوري الوحيد الموجود في هذا المتحف، وخصصت صفحات عديدة للحديث عني في صحف أكاديمية متخصصة.
• ماذا عن بعض ما تضمن نصك الخاص الذي كتبته عن أثينا ودمشق؟
• • «..أثينا عروس البحر المدللة الفاتنة آلهة الحكمة الإغريقية، ومدينة هيرودوت وسقراط وأفلاطون، وصاحبة الفلسفة وينبوع المعرفة، هي أثينا التي نشرت الحضارة الهلنستية، على كل شرفات الشام، وتمازجت مع ثقافة الشام وحضارة الشام وارتبطت بعشق حضاري مع الشام وأهل الشام..
كل نساء دمشق هن من خلاصة الوردة الدمشقية، يعبقن بالحب والكبرياء، ويفوح من صدورهن عطر الياسمين..
• طالما كان الحوار بين ضفتي المتوسط ملتبساً، وطالما كانت ضفة مهيمنة على الأخرى في الحوار الثقافي، هل تجد ندية في هذا الحوار؟
• • بالتأكيد لا توجد ندية، دول الغرب وتحديداً فرنسا وبريطانيا هي دول استعمارية، وبرأيي: إن مسألة طرح الحوار من الغرب كانت عملية للالتفاف على شعوب شرق المتوسط لإعادة الهيمنة عليها بطرق جديدة بعد خروج المستعمر بشكله العسكري السافر، فهو لايزال يحاول العودة تحت غطاءات مختلفة منها طرحه مسألة الحوار والمثاقفة.
• سورية بلد التاريخ والحضارة مرّت بمراحل تاريخية مهمة، أي هذه المراحل لفتت اهتمامك أكثر؟
• • أنا مهتم بتاريخ سورية كلّه، لكن ما أثار اهتمامي أكثر في عملية التوثيق هو المرحلة الممتدة من العشرينيات إلى الخمسينيات من القرن الماضي والتي تجلّت باحتلال عسكري لسورية، وباحتلال من نوع آخر هو الانقلابات العسكرية، ولا نستطيع إبعاد زمن الانقلابات عن زمن الاستعمار لأنه في اعتقادي امتداد له، والوثائق الغربية تؤكد ذلك، فوثائق الغرب التي يفرج عنها تقول: إن الانقلابات كانت تتم لتحقيق المصالح الغربية، وكل من قادة تلك الانقلابات كان مرتبطاً مع جهة أو دولة غربية.
وفي فترة الأربعينيات تم اغتيال أهم ضباط الجيش العربي السوري لمجرد انتمائهم إلى الفكر والنهج القومي، وللأسف الشديد كانت تلك الاغتيالات تتم بأيدي بعض السوريين المرتزقة، كما يحصل الآن من استهداف لأفراد وضباط الجيش العربي السوري.
• ما أهمية توثيق تاريخ المنطقة؟ وكيف يتم التعامل مع هذا التاريخ في دول الغرب؟ هل يتعرض للتحريف مثلاً؟ أم هو محصن يحفظه الموثّق وتحفظه قوانين وملكيات فكرية؟
• • المنطقة بحاجة ماسّة إلى موثقين من أبناء المنطقة نفسها وبوقائع ووثائق ملموسة لأن التاريخ يكشف لنا مدى تلاعب الغرب الاستعماري بالأحداث التاريخية في منطقتنا، وهذا الأمر واضح جداً في كتابات بعض المستشرقين من عسكريين ورحالة، ونحن لم نول ِ بعد أهمية للملكية الفكرية، ويجب من وجهة نظري إعادة كتابة تاريخ سورية لأن الأجيال الحالية لا تعلم إلا القدر اليسير عن تاريخ هذا البلد الحضاري، كما يجب الاهتمام بالذاكرة الشعبية ممثلة بالأشخاص الذين عايشوا فترة معينة من الزمن قبل أن نفقدهم.
• كتابك الأخير «وجوه وكلام من بلاد الشام» تعرض فيه سير شخصيات لها دورها السياسي والعلمي والديني والثقافي في مسيرة بلاد الشام، ما هدفك من وراء ذلك؟ ومن أبرز الشخصيات التي استرعت اهتماماً خاصاً لديك؟
• • هدفي كان توثيق مرحلة من تاريخ سورية امتدت من عام 1920 إلى عام 1966، وقد تضمّن الكتاب، إضافة إلى السير الذاتية، رسوماً كاريكاتورية لشخصيات شامية حصلت عليها من الصحف السورية واللبنانية والمصرية التي نشرتها في تلك الفترة، وكتبت عن هذه الشخصيات سيرة ذاتية حاولت من خلالها أن أكون حيادياً بالمطلق، سواء أكانت ذات مناصب رفيعة أم شخصيات عادية، عميلة للمستعمر الفرنسي أو البريطاني أو شخصيات وطنية، وهناك أشخاص وطنيون وآخرون مرتبطون بالمستعمر الفرنسي، وقد كانوا مجهولين بالنسبة للقارئ، أو من الأجيال التي عاصرتهم وجاءت بعدهم.
• في كتابك «مقالات على مائدة التطبيع» تطرقت للأدب والسينما الصهيونيين، على ماذا استندت في عرضك لهذه المقالات؟ وكيف توصلت إلى أن الأدب الصهيوني يسير على نقيض اتجاه الآداب لكل شعوب العالم؟
• • الكتاب هو مقالات نشرتها في الصحف السورية والعربية عن الأدب والسينما الصهيونيين والمصادر كانت نادرة تقريباً، والأديب الوحيد الذي كتب عن ذلك في تلك المرحلة كان الشهيد الفلسطيني غسان كنفاني، فكنت أرصد وسائل الإعلام الصهيوني، ولاسيما الإذاعة الصهيونية وتحديداً البرامج الثقافية، فأخذت منها واجريت إسقاطات من أرشيفي الخاص..
أما كيف توصلت إلى أن الأدب الصهيوني مخالف لسواه فذلك لأنه يدعو إلى القتل والجريمة والوثائق التي تثبت ذلك، هي النتاجات الشعرية الصهيونية، فمثلاً الشاعر الصهيوني «مناحيم بياليك» يؤكد أن الحرب هي مبدأ وهدف الصهيونية عندما يقول:
من هو سيدنا
حتى لو أقفل رب الانتقام كل منافذ الصحراء
ها نحن ننهض إلى السلاح إلى السلاح
أما الشاعر الصهيوني «يعكوف باساران» فيعدّ أن الحرب عملية تجارية تتعهدها الصهيونية، إذ يقول: الحرب القادمة نحن نتعهدها ونرعاها.
• لماذا تعدّ الشعر هواية لا تصل إلى درجة محبتك للتوثيق؟
• • لأنني أشعر أن التوثيق يخدم الوطن أكثر من الشعر، وأتمنى من الحكومة والجهات المعنية دعم العاملين في مجال التوثيق مادياً ومعنوياً لأنهم يساهمون في نقل الحقيقة والحقيقة فقط.
• لطالما شكّلت دمشق حالة عشق للأدباء والفنانين والمبدعين، ونبع إلهام لا ينضب للشعراء، حبّذا لو نختم حوارنا بأجمل ما قلته عن دمشق من وجهة نظرك.
• • أجمل ما قلته عن دمشق ضمنته في إحدى قصائد ديواني الشعري «المجنون» إذ أقول:
أنا من تعمّد بمياه بردى
وخرج بالعراضة الشامية
أنا من غنّى زيّنوا المرجة والمرجة لينا
ونادى يا شيخ رسلان يا حامي البر والشام
أنا من ارتدى الياسمين دثاراً
والغوطة فراشاً
وتحت أقدام قاسيون ولدت وعشت
عشقت وأنجبت.. أنا من سلالة الحب والعشق
هيثم صالح
المصدر: تشرين
التعليقات
العجلاني ثاني شاعر سوري توضع أعماله في متحف الأدب التجريبي
إضافة تعليق جديد