كيري يطمئن إسرائيل وهآرتس تتحدث عن السلاح الكيميائي الإسرائيلي
اجتمع وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أثناء زيارة عاجلة إلى إسرائيل لإطلاع زعمائها على فحوى الاتفاق الأميركي - الروسي حول مراقبة وتدمير السلاح الكيميائي السوري. وبدا أن إسرائيل ليست في عجلة من أمرها لترحب أو تندد باتفاق الكيميائي، وكل ما تقوله هو أن العبرة في النتائج لا في الاتفاقات. وكان اتفاق الكيميائي قد أثار مخاوف في إسرائيل من احتمال ربط تنفيذه بتجريدها على الأقل من سلاحها الكيميائي، خصوصاً أنها لم تصادق بعد على المعاهدة الدولية لحظر انتشاره.
وبالرغم من أن الاتفاق الكيميائي ليس الأمر الوحيد على جدول أعمال اللقاء، إلا أنه المركزي والأكثر أهمية الآن من المفاوضات مع الفلسطينيين. ولم يغيّر من هذه الحقيقة اندفاع ما لا يقل عن 15 عضواً في كنيست من اليمين لمطالبة نتنياهو بعدم الانزلاق ثانية إلى اتفاقيات أوسلو، التي تحاول أميركا إعادة الطرفين إليها. ولأن زيارة كيري ترتكز على طمأنة إسرائيل بشأن الاتفاق الروسي الأميركي، اكتفى وزير الخارجية في كلمته أمس بالقول «لن أتطرق علناً الى ما نعمل عليه».
وأطلع كيري نتنياهو على تفاصيل الاتفاق مع روسيا، مشدداً على أنه عدا نزع السلاح الكيميائي، يُنتظر من السوريين «وقف القتل واللجوء الذي يمزق سوريا وكل المنطقة». وعاد وأكد أنه «كما قلنا، لا حل عسكرياً لهذا النزاع، ونحن لا نريد خلق مزيد من المتطرفين. نريد إيجاد حل سياسي».
وشدد كيري على أن التهديد الأميركي بضرب سوريا لا يزال على حاله، وأنه لم يرفع عن الطاولة، بل ان الرئيس الأميركي باراك أوباما جاد في كلامه. وقال، في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو في القدس، إن «التهديد بالقوة يبقى قائماً، التهديد فعلي»، مضيفاً «نحن لا نثرثر حين يتعلق الأمر بمشاكل دولية... لأن ذلك من شأنه التأثير على قضايا أخرى، إن كانت إيران أو كوريا الشمالية أو غيرهما».
واعتبر كيري أن الاتفاق الاميركي - الروسي في جنيف يشكل «إطاراً وليس اتفاقاً نهائياً»، ولكنه يتمتع «بقدرة كاملة على إزالة كل الاسلحة الكيميائية في سوريا». وشدد على ضرورة أن يطبق بالكامل، لافتاً الى أن «سحب الأسلحة الكيميائية هو مرحلة نحو إزالة هذا السلاح من ترسانة شخص كان عازماً على استخدامه ضد شعبه للاحتفاظ بالسلطة».
ومن جهته، اعتبر نتنياهو أنه «على النظام السوري التخلص من كل أسلحته الكيميائية. ويجب على العالم ضمان عدم امتلاك أنظمة متطرفة أسلحة كيميائية». وكان نتنياهو قد اعترف قبل ذلك «بأننا نعيش اليوم في ذروة هزة أرضية إقليمية لم نشهد مثيلا لها منذ قيام الدولة»، مضيفاً أن الاتفاق الروسي الأميركي سيفحص «في اختبار النتيجة»، ليس فقط في سوريا وإنما في إيران أيضاً.
وشدد نتنياهو على أنه «يجب أن يواكب الديبلوماسية تهديد عسكري ذو صدقية ليكون لها فرصة للنجاح». وتابع أنه «على إيران أن تفهم تداعيات تحديها المستمر للمجتمع الدولي عبر مواصلة برنامجها النووي... وما يصح على سوريا، يصح أيضاً على ايران».
وتفيد وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية محتارة في كيفية التعاطي مع الاتفاق الروسي - الأميركي. ووصف أحد المسؤولين الاتفاق بأنه «جيد، بل ممتاز، ولكن ليس بكل ثمن». فإسرائيل تخشى من أن نجاح هذه الخطوة في سوريا قد يقود الأميركيين إلى اتباع نهج مماثل مع إيران يكسب طهران المزيد من الوقت. وإسرائيل قلقة من تعاظم الدور العالمي لروسيا وتراجع الدور الأميركي، كما أنها تخشى من الربط المحتمل بين نزع السلاح غير التقليدي السوري والإيراني والمطالبة بنزع سلاحها الكيميائي والنووي.
ومعروف أن هناك إدراكاً عالمياً لامتلاك إسرائيل وتطويرها أنواعاً مختلفة من السلاح الكيميائي والنووي على حد سواء. وأعلن في الأيام الأخيرة عن تقديرات علمية أميركية بأن إسرائيل جمدت مشروعها النووي الذي لم يتقدم منذ العام 2004، حينما كانت تمتلك حوالي 80 رأساً حربياً نووياً. كما تمتلك إسرائيل مخزوناً كبيراً من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، التي جرى تطوير بعضها في مركز «نيتسيونا» في وسط فلسطين على مر السنين.
وكان القلق قد بدأ ينتاب إسرائيل منذ بدء الحديث عن اتفاق روسي أميركي، بعدما أثار مسؤولون روس من بينهم الرئيس فلاديمير بوتين نفسه الرابط بين السلاح الكيميائي السوري والأسلحة غير التقليدية في إسرائيل. ومعروف أن إسرائيل وقعت على ميثاق حظر نشر السلاح الكيميائي في العام 1993، ولكنها لم تصادق عليه أبداً في الكنيست. وكانت سوريا ومصر قد بررتا رفضهما التوقيع على ميثاق حظر نشر السلاح الكيميائي بعدم مصادقة إسرائيل عليه، وعلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وتعلن إسرائيل جهاراً أنها لن تصادق على هذه المعاهدات ما دام هناك دول في المنطقة لا تعترف بحقها في الوجود.
ومع ذلك تساءلت «هآرتس» في تقرير لها عن السلاح الكيميائي عما إذا كان هذا السلاح قد غدا عبئاً عليها. وكتب المراسل السياسي للصحيفة باراك رابيد أن كيري في لقائه مع نتنياهو قد يثير أمر السلاح الكيميائي وتصديق إسرائيل على المعاهدة. ولفت إلى أن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية كانت قد نشرت الأسبوع الماضي تقريراً من وثائق الاستخبارات المركزية حول مشروع إسرائيل للسلاح الكيميائي. وسبق أن عرض الرئيس السوري بشار الأسد شروطاً لنزع سلاحه الكيميائي، من بينها كشف إسرائيل عن مخزونها من تلك الأسلحة وإخضاعها إلى الرقابة الدولية.
ومعروف أن أميركا رفضت على الدوام أي ربط بين تدمير الأسلحة غير التقليدية العربية والأسلحة الإسرائيلية. ولكن ذلك لم يمنع استمرار الخلاف بين أميركا وإسرائيل حول هذه المسألة. وطوال سنوات تتعرض إسرائيل إلى مطالبات أميركية وروسية بالمصادقة على معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي. وأيضاً كانت إسرائيل ترفض هذه المطالبات بدعوى امتلاك دول عربية مثل هذه الأسلحة.
ولكن «هآرتس» أشارت إلى وجود مدرسة أمنية في إسرائيل تطالب بالتخلي عن السلاح الكيميائي، خصوصاً بعد تطهير العراق منه، وبعدما دخل البرنامج الكيميائي المصري في سبات عميق، وبعدما تقرر تجريد سوريا منه.
وكتب رابيد أنه «يمكن تشبيه قضية السلاح الكيميائي بخطة الانفصال عن غزة. فالسلاح الكيميائي اذا كان موجوداً هو كقطاع غزة يمكن أن يتحول على مر السنين من ذخر الى عبء على اسرائيل. فالإبقاء عليه كلفته باهظة وجدواه مشكوك فيها. وإن الموافقة على الميثاق والقضاء على السلاح الكيميائي إن كان موجوداً، قد يمنحها ثقة دولية تحتاج إليها كالهواء للنفس ولحفظ مصالح أمنية استراتيجية أهم كثيراً».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد