معضلة جنيف السوري: تقاسم السلطة أولا، ثم محاربة الإرهاب ثانيا، أم العكس؟
قبل ثلاثة ايام من مؤتمر "جنيف 2" الذي يفتتح في مدينة مونترو السويسرية، صارت المعادلة الأساسية أمام الأطراف المشاركة تختصر بالمعادلة - المعضلة التالية: تقاسم السلطة أولا، ثم محاربة الإرهاب ثانيا، أم العكس؟
رفع اقتراب مؤتمر "جنيف 2" سقف التنازلات المطلوبة من النظام السوري، لكن خطاب مناوئيه الغربيين بات أهدأ في الغرف المغلقة. ثمة كلام واضح سمعته المعارضة بأنّ "لا ضمانات" لشيء، وأنّ حتمية المؤتمر الذي يفتتح الأربعاء، تأتي من عدم وجود أي بديل له.
ويعتبر انعقاد التسوية على أساس بيان "جنيف 1" هو الأساس الوحيد الذي يحظى بإجماع الرعاة الدوليين، برغم تفاوت ترجماتهم له. حلفاء المعارضة يقولون: إما انصياع النظام لتقاسم السلطة، وهي قضية أوكلت لحلفائه، أو استمرار الضغوط الغربية حيث "كل الخيارات تبقى على الطاولة".
التقدير الأخير نقله مصدر ديبلوماسي غربي رفيع المستوى، يمثل إحدى الدول الداعمة بقوة لـ"الائتلاف الوطني السوري" المعارض. المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، قال عندما سألناه عن ضغطهم على المعارضة للمشاركة في جنيف، والفائدة التي يرونها في المؤتمر ولا يراها "الائتلاف"، إن "لا شيء مؤكدا" حول خروج المؤتمر باتفاق لتسوية الصراع السوري، مضيفاً أنّ "إيجاد حل سياسي ليس مضمونا". وأوضح أن المسألة تتعلق بأنه "لا بديل" آخر يمكن سلوكه للتعامل سياسيا مع الحرب السورية.
وحول مسألة تلقي المعارضة لـ"ضمانات" للمشاركة، أكد المصدر، من دون مواربة، أنّ الدول الحليفة للمعارضة جعلت من الواضح لها أن الذهاب إلى سويسرا لا يعني "أية ضمانات" بتنفيذ النظام لمبادئ "جنيف 1"، التي صادق عليها مجلس الأمن بعد الاتفاق "الكيميائي".
لكن في المقابل، كان مطلوبا من المعارضة "أن تظهر بأنها تريد الحديث عن المستقبل"، وبالتالي لا يبدو النظام وحلفاؤه في هيئة الساعي الوحيد لحل سياسي. المسؤول الديبلوماسي اعتبر أن مسيرة جنيف تتعلق إجمالا باحتمالين: إما أن يظهر النظام أنه يريد فعلا "الانتقال السياسي" وبالتالي يوافق على التسوية وعلى تقاسم السلطة، أو يرفضها "وعندها تبقى جميع الخيارات على الطاولة".
تحدث المصدر عن ثقة الغرب بأن العقوبات المفروضة على دمشق تحدث ضررا كبيرا للنظام، وأنها أحد خيارات الضغط الفعّالة التي ستستمر. لم يرغب في تقديم تحديد أوضح لصيغة "جميع الخيارات". لكن بأية حال، ليس المقصود التعويل على نوايا النظام ورغبته، بل المسألة بيد حلفائه في مجلس الأمن. المصدر الديبلوماسي اعتبر أن القضية تبقى في عهدة "روسيا والصين، فهم من يعرفون النظام".
ثمة شكوك لم يبت بها المصدر حول ما إن كان مؤتمر "جنيف 2" يمثل جولة متقدمة في حرب ديبلوماسية، أو مسيرة لتثبيت حل تعمل كل من موسكو وواشنطن على إنضاجه ويفرض، بشكل ما، على طرفي الصراع.
وسبق لمسؤول أوروبي رفيع المستوى أن أبلغنا سابقا أنّ انعقاد جنيف لا ينتظر موافقة المعارضة وتأمين تمثيلها، بل إيجاد "محتوى" سياسي للعملية، ناتج عن اتفاق أميركي - روسي يقلل هوامش الخلاف في ترجمة بيان "جنيف 1". ولم يكن يوجد لدى المسؤول شكوك تذكر، الجمعة الماضي، حول موافقة "الائتلاف" على المشاركة. وأبلغ الصحافيين أن الأوروبيين يعملون مسبقا على أساس أن "المؤتمر سيعقد"، حتى قبل أن يعطي "الائتلاف" موافقته أمس الأول. وفقا لهذا السياق، يكون "المحتوى" المطلوب لانعقاد مؤتمر جنيف قد أصبح جاهزا، مع العلم أن المسؤول الأوروبي كان تحفّظ سابقا على الخوض في طبيعة هذا الاتفاق.
مع ذلك، لا يمكن إغفال أهمية هذه المعلومات، خصوصا بالنظر إلى النتائج التي حققها العمل الروسي ـ الأميركي، من مفاجأة "الاتفاق الكيميائي" إلى النجاح في إقامة مؤتمر "جنيف 2" برغم التعقيد الشديد الذي أحاط به. وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري بحثا هاتفيا "الاستعدادات لعقد جنيف 2، وسبل إيجاد حل سلمي للأزمة السورية والتزام الأطراف المشاركة بتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف 1".
خلافات وجهات النظر بين راعيي الحل السوري، لم تجعل أجواء حوارهما تبدو تامة. حتى على صعيد الشكليات، بدءا بضرب الأكف بعضها ببعض في مؤتمرهما لإعلان "جنيف 2" في موسكو، وصولا إلى هدايا "البطاطا" من وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما الباريسي التحضيري لإطلاق قطار جنيف قبل أيام.
وقال لافروف ممازحا إن "بطاطا" كيري تشبه الجزرة، لذلك يمكن استخدامها بديلا في سياسة "العصا والجزرة". نادرا ما تكون نكات لافروف لمجرد الفكاهة، وسبق لكاتب هذه السطور أن تعرض مباشرة لواحدة منها. فبعد لقائه نظرائه الأوروبيين في بروكسل في كانون الأول الماضي، كان لافروف يتحدث إلى الصحافيين وانزعج من مقاطعتنا له بسؤال، فرد بتهكم "أفهم أنه لكونك مراسلا معتمدا لدى الاتحاد الأوروبي فقد أُصِبت (أنت أيضا) بقلة الصبر، لا تقلق فأنا لا أخفي شيئا عنكم". كرر جملته بإصرار، في رسالة انتقاد علنية للأوروبيين.
لكن بخلاف الوضوح الذي تحدث به المسؤول الأوروبي رفيع المستوى، يتملص المصدر الديبلوماسي الغربي، الحليف للمعارضة، من الحديث في مسألة وجود "اتفاق" روسي ـ أميركي يتبناه أعضاء مجلس الأمن. ويقول المصدر إن هناك ما يمكن البدء به لإنجاز تسوية، مضيفاً أنه كي لا يسود التشاؤم "يمكن النظر إلى التفاهمات الأولية التي بدأ بها كيري للعمل على اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
مع ذلك، لا تشير هذه المقارنة إلى تفاؤل كبير بمسيرة جنيف، إذ تبين إدراك حلفاء المعارضة لواقع أن العملية ستكون مفاوضات طويلة ومعقدة. ويوازي المصدر الحليف للمعارضة حديثه هذا بالقول "نرى نموا للتطرف في جانب المعارضة"، مؤكدا أنّ العناصر المتطرفة "لا يجب أن تكون جزءا من مستقبل سوريا".
هذا الكلام الموازي ليس مجانيا بالطبع، فالمصدر أورده من ضمن حديث عن مكونات التسوية المنتظرة. ويزيد ما سبق من اتضاح صورة العمود الفقري للحل السياسي، وقيامه على أساسي تقاسم السلطة والتحالف ضد التطرف.
عمليا، يقود تقاسم السلطة حكما إلى هكذا تحالف، لكن ليس العكس صحيح بالضرورة. هنا تصبح المسألة لعبة أولويات، لم يفت كلام موسكو وواشنطن الإضاءة عليها. الأولى تقول إنّ الأولوية هي لمواجهة "الإرهاب"، وهو ما تردده طهران ودمشق، فيما تكرر واشنطن أنّ اللبنة الأساس للتسوية تتمثل بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية. المسألة الأخيرة رجحت في طبيعة الدعوة للمؤتمر وتشديد الأمم المتحدة عليها. المعركة السياسية، بهذا المعنى، تتلخص بوجهة التسوية وبالتالي محطاتها: انطلاقا من "هيئة الحكم" إلى التحالف ضد التطرف، أم العكس.
وسيشكل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في بروكسل اليوم، فرصة لرصد إشارات هذه الوجهة. لكن على صعيد الخطاب، ينتظر أن يصعّد الأوروبيون لهجتهم السياسية ضد دمشق، لتوفير مظلة داعمة لـ"الائتلاف" قبيل جلوسه وجها لوجه في مقابل ممثلي النظام. سيكون هذا تكرارا لحديث كيري، وقبله لمقررات مؤتمر "أصدقاء المعارضة" في باريس، في اللعبة المعروفة لرفع السقف قبل أي عملية تفاوض.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد