الجيش السوري يضبط الحدود مع لبنان ويؤمن ارتباط دمشق بالساحل بعد تحرير قلعة الحصن
أزاح الجيش السوري عبئا كبيرا عن كاهله، وكاهل مجمل قرى ريف حمص الغربي، بسيطرته، امس، على آخر ملجأ لمسلحي «جند الشام» و«جبهة النصرة» في قلعة الحصن التاريخية، وذلك بعد تحصنهم فيها لما يزيد عن عامين، وهو تطور عسكري له اهميته الاستثنائية بعد معركة يبرود، اذ يساهم في تعزيز أمن الطريق الدولي الذي يربط بين العاصمة دمشق ومنطقة الساحل السوري.
ويمكن مع اقتراب الحسم في معركة القلمون، التي يخوضها الجيش مع حليفه «حزب الله»، القول إن كل قدرة الإسناد والتموين العابرة للحدود من لبنان، تكون قد اندثرت، وأن رهان الحليفين يبقى على إمكانية الحفاظ على هذا النصر الميداني لوقت طويل، علما أنها لن تكون مهمة سهلة، في ظل التوتر الإقليمي القائم.
ورغم أن مصادر الجيش والأطراف السورية تشير إلى قتلى وجرحى بالمئات في القلعة وعلى أسوارها، وعلى طرق العبور إلى لبنان عبر القرى المجاورة، إلا أن عددا كبيرا تمكن من الفرار أيضا، إلى جرود عرسال وعكار ومنطقة وادي خالد.
وقتل في المعركة التي استمرت عدة أسابيع، بدءا من قرية الزارة وحتى الحصن، أمير تنظيم «جند الشام» خالد المحمود، الملقب بأبي سليمان الطرابلسي (أو الدندشي)، بعد إصابته خلال محاولته الهرب من القلعة.
ووفق معلومات رائجة، فإن الطرابلسي طلب من الجيش السوري عبر وسطاء، بينهم لبنانيون، فتح «خط انسحاب له ولعشرات المرافقين للعودة إلى سهل عكار»، وترافق الطلب مع «وعود بالمال وعدم إطلاق طلقة نارية واحدة»، إلا أن أوامر الجيش كانت بعدم «التهادن مع المقاتلين الأجانب». ومعلوم أن جلّ من في منطقة الريف الغربي لحمص، هم من المقاتلين اللبنانيين والفلسطينيين الآتين من لبنان، بعد أن انحسر وجود المقاتلين السوريين، بعد المصالحات التي جرت في الريف الغربي مرورا بقرية المتراس وتلكلخ وصولا إلى الزارة.
وأقرّت «جند الشام» بمقتل الدندشي «أمير» الجماعة في ريف حمص الغربي، وأكد البيان مقتل مَن وصفهما بأبرز القادة العسكريين في «جند الشام»، وهما أبو النور قتيبة العكاري وأبو منصور الحجازي.
وتعاطى القادة الميدانيون منذ أمس الأول مع الحصن باعتبارها ساقطة عسكريا، وذلك بعد الانتهاء من حصارها، واقتحام قرية الحصن الملاصقة لها، وبعد تمكن الجيش من حصر المعركة بمحيط القلعة، والسيطرة على مجال الرؤية المحيط بها، بعد تمركزه في تلال قرية الشويهد.
وشن الطيران الحربي غارات على أطراف القلعة، لمنع حصول أية اختراقات أو هروب للمقاتلين. وتعمد الجيش استخدام الطيران نتيجة ارتفاع القلعة الأمر الذي كان يعطي أفضلية للمقاتلين المتمترسين فيها. كما توزعت مجموعات من الجيش في المناطق المحيطة بالقلعة، ولاسيما القريبة من الحدود اللبنانية قرب النهر الكبير ومنطقة القبية، ونصبت كمائن للمسلحين الذين تمكنوا من الهرب من ساحة القتال.
ولم تعرف حصيلة القتلى، في ظل تضارب الأرقام، وإن تشابهت في الإشارة إلى خسائر كبيرة بصفوف المقاتلين، وصلت أحيانا الى رقم 140 قتيلا ومئات الجرحى.
وبحدود الثالثة ظهر أمس، دخل عناصر الجيش السوري القلعة، ورفعوا العلم السوري على الأبراج الجنوبية الشرقية منها، في وقت كانت تدور معارك على طرفها الغربي مع من بقي من المتمترسين، حتى نهاية المعركة بسيطرة الجيش الكاملة على القلعة وقرية الحصن المجاورة لها.
وصاحب هذه العملية استهداف للمدفعية لمحيط السور الشرقي، كما رافقتها إزالة ألغام كانت زرعت على مداخل القلعة، وحلق الطيران الحربي «ابتهاجا» على ارتفاعات منخفضة، بعد سيطرة الجيش الكاملة على المنطقة.
وأكد الجيش السوري، في بيان، سيطرته الكاملة على كامل قطاع ريف حمص الغربي. وأوضح أن «وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع الدفاع الوطني تمكنت من رفع علم الجمهورية العربية السورية فوق قلعة الحصن، وإعادة الأمن والاستقرار إلى بلدة الحصن والبلدات المحيطة بهـا، والتي اتخذتها العصابات الإرهابية مقرا لتجميع السلاح والإرهابيين المتسللين عبر الحدود اللبنانية، ومنطلقا للاعتداء على السكان الآمنين في المناطق المجاورة».
وأضاف البيان «يأتي هذا الانتصار الكبير استكمالا للنجاحات التي حققها الجيش العربي السوري في منطقة تلكلخ في الريف الغربي لمدينة حمص، وليحكم إغلاق المناطق الحدودية مع لبنان ويعزز أمن الطريق الدولي الذي يربط المنطقتين الوسطى والساحلية، ويضيق الخناق على ما تبقى من البؤر الإرهابية في محافظة حمص». ونسب نجاح الجيش إلى «الانهيار المتسارع في معنويات العصابات الإرهابية ومتزعميها نتيجة للانتصارات المتتالية التي يحققها الجيش السوري».
وبثت قناة «الميادين» صورا مباشرة بدا فيها جنود داخل القلعة، وهم يرفعون العلم السوري ويلوحون به على سطحها، بينما تسمع أصوات رشقات رشاشة. وقال عقيد في الجيش السوري «تم تحرير قلعة الحصن والأرياف والقرى المجاورة، معقل الإرهابيين في ريف تلكلخ ومنطقة وادي حمص». وأضاف «استراتيجيا، هذا يعني أن خط الإمداد الذي كان يبدأ من وادي خالد في لبنان في اتجاه تلكلخ ثم حمص انقطع، وحدّينا (قللنا) من تسلل المسلحين والإرهابيين من داخل سوريا ومن لبنان ودول أخرى».
وبسيطرة الجيش على القلعة، باعتبارها نقطة تواجد المسلحين الأخيرة في ريف حمص الغربي، يكون قد انتهى تماما من عملية تطهير المنطقة، خلافا لما هو عليه الوضع في ريف المدينة الشرقي، الممتد نحو حماه، حيث يتمركز عدد كبير من الكتائب المسلحة في مدينة الرستن، والتي ستتأخر على ما يبدو معركتها، بسبب اتصالها بريف حماه المتوتر، وارتفاع عدد المقاتلين المتواجدين فيها.
كما سيتمكن الجيش، بانتصاره في معركة القلمون والتي دخلت مراحلها الأخيرة، من إقفال طرق الإمداد من شمال وشرق لبنان إلى المجموعات المقاتلة في غرب سوريا، والتي تضاءل حجمها بشكل جذري في الأسابيع الأخيرة.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد