تل أبيب و«ثوار» القنيطرة: اللعب على المكشوف
لا توفّر إسرائيل جهداً إلّا وتبذله لمساعدة مسلحي المعارضة السورية على فرض سيطرتهم على بقعة استراتيجية مهمة من الجنوب السوري، بدءاً بجبل الشيخ في الغرب، وصولاً إلى منطقة الجيدور في غرب درعا وجنوبها، مروراً بالقنيطرة. وفي معزل عن الجهة الحقيقية التي تقف خلف إطلاق صاروخ «الكورنيت» على سيارة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية في الجولان أول من أمس، بدا واضحاً استغلال إسرائيل الهجوم كذريعة لتوجيه ضربات جويّة عنيفة لمقرّ قيادة اللواء 90 في منطقة الكوم (القنيطرة)، ومواقع رصد ومدفعية أخرى تابعة له في القطاع الأوسط من المحافظة.
علماً أن حادث «الكورنيت» ليس الأول من نوعه، إذ سبق للجيش السوري ومجموعات موالية له أن استهدفوا في الأشهر الماضية، آليات داخل الأراضي المحتلّة كانت تنقل مواد وذخائر لدعم المسلحين، آخرها قبل شهرين على سفح موقع للجيش الإسرائيلي على تل الفرس المحتل، إضافة إلى عرقلة خطوط إمداد المسلحين قرب جباتا الخشب وجنوبي بلدة القحطانية.
ويشكّل اللواء 90 رأس حربة القوات السورية في الجولان، ويؤدي دوراً كبيراً في منع مسلحي «جبهة النصرة» و«حركة المثنى» و«ألوية الفرقان» و«جبهة ثوار سوريا» من السيطرة على القطاع الأوسط والشمالي من المحافظة، بعد أن كان معنياً في السابق بعرقلة أي تقدم إسرائيلي برّي باتجاه العمق السوري. ومما لا شكّ فيه أنّ اللواء 90 هو العقبة الوحيدة اليوم، أمام بناء إسرائيل لـ«جدار طيّب» من العملاء في القنيطرة، على غرار عملاء «جيش لحد» في جنوب لبنان. وذلك في ظلّ محدودية دور اللواء 61، الذي تعرّض لسلسلة ضربات في الأشهر الماضية، ولا سيّما بعد سقوط موقعي التلول الحمر الشرقية والغربية (شمالي بلدة الرفيد). ويواجه اللواء 90 أعداداً كبيرة من المسلحين المحليين والأجانب، الذين يتجمّعون في بلدات جباتا الخشب وأوفانيا والحرية شمال مدينة القنيطرة، إضافة إلى مسلحي بلدة بيت جن في جبل الشيخ.
ومع تطوّر الأحداث جنوباً، يزداد الدور الإسرائيلي انكشافاً يوماً بعد يوم، إن من خلال اعترافات قادة وإعلام العدو نفسه، وإما من خلال «نشر الغسيل» والاتهامات المتبادلة بين الكتائب المسلحة بالعمالة لإسرائيل، حتى على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الميدان، شكّل سقوط التلول الحمر الشرقية والغربية ذروة التعاون العسكري والاستخباري بين مسلحي «النصرة» و«ألوية الفرقان» و«لواء اليرموك» التابع لـ«المجلس العسكري للجيش الحر» في القنيطرة من جهة، وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» من جهة ثانية. إذ أمّن جيش العدو للمهاجمين، على ما تؤكّد مصادر أمنية معنية في الجبهة الجنوبية، فضلاً عن كميات «الذخيرة الناعمة» والصواريخ المضادة للتحصينات، طريق عبور من داخل الشريط العازل الفاصل عن المناطق المحتلة، وتغطية مدفعية نارية من مرابض جيش الاحتلال المطلّة، بالإضافة إلى أجهزة اتصال حديثة. في المقابل، حصل جيش الاحتلال من المسلحين على ما احتوته مواقع التلول من صواريخ «كوبرا» المضادة للطائرات، وشبكتي تنصّت متحركتين روسيتي الصنع. وما حصل في التلول الحمر، يصلح للتعميم على ما حصل سابقاً في موقع رسم الخوالد، ثمّ في تل الجابية وموقع الكتيبة 74 في ريف درعا الغربي، وأخيراً في تل جموع، الذي سيطر عليه المسلحون قبل نحو أسبوعين.
ويبرز اسم قائد «ألوية الفرقان» النقيب المنشقّ محمد غصّاب الخطيب، الملقّب بـ«أبو حيدر»، من بلدة مسحرة، كأحد أبرز المتعاونين مع «أمان»، وأحد أمراء «جبهة النصرة» في القنيطرة، الملقب بأبو أحمد الجولاني (من أبناء عرب الهيب)، بالإضافة إلى الثنائي أبو أسامة من «ألوية أحفاد الرسول» وأبو ضياء من «ألوية الفرقان » (وهما من نازحي الجولان)، اللذين يتولّيان استطلاع مواقع الجيش والحصول على معطيات عن تسليحها وكمية الصواريخ المضادة للطائرات التي تحتويها، وتسليمها لـ«أمان» بعد مهاجمتها والسيطرة عليها. وتؤكّد المصادر الأمنية أن «القياديين المرتبطين بجيش الاحتلال الإسرائيلي يحملون أجهزة اتصال عسكرية لتأمين اتصال مباشر بضبّاط التشغيل الإسرائيليين».
ولم يعد يقتصر التنسيق عند هذا الحد، إذ تتقاطع مصادر من داخل الجماعات المسلحة مع المصادر الأمنية المعنية بالجبهة الجنوبية، حول قيام «أمان» بتدريب عدد من المسلحين داخل الأراضي المحتلّة على «أعمال تقصي المعلومات والمهمات الخاصة والاغتيالات».
وفي موازاة العمليات العسكرية، يعمل الجيش السوري على فرض تسويات محلية في القطاع الأوسط والشمالي في عدد من البلدات، على غرار ما فعله في بلدة خان أرنبة، التي سلّم فيها أكثر من 284 مسلحاً أنفسهم للجيش السوري، وما يجري العمل عليه حالياً في قرى أم باطنة وممتنة وجبا والصمدانية الشرقية. إلّا أن مصادر معنية في ملفّ المصالحات من داخل القنيطرة، تؤكّد لـ«الأخبار» «مسؤولية عدد من متزعمي المسلحين، الذين تربطهم علاقة بالاستخبارات الإسرائيلية، عن عرقلة المصالحات».
ويمكن القول إن الهجوم الذي شنّه الجيش السوري قبل نحو شهر ونصف شهر على غرب درعا، وتحديداً بلدة نوى، وتشديد الحصار على بلدات جاسم وإنخل وتسيل، استطاع إلى حدّ ما عزل غربي درعا وفصله عن وسط وجنوبي القنيطرة، وبالتالي التخفيف من التأثير الإسرائيلي المتنامي على طول الحدود السورية الجنوبية، ما دفع المسلحين إلى تكثيف هجماتهم على تل جموع، ونجحوا في السيطرة على التل الاستراتيجي بين تسيل ونوى. فيما استطاع الجيش السوري قبل أيام استعادة السيطرة على بلدة عتمان الملاصقة لشمالي مدينة درعا.
وتُدرج المصادر الأمنية الدور الإسرائيلي الفعّال في الجنوب السوري من ضمن ثلاثة أهداف، أوّلها، «فرض واقع إسرائيلي يسمح بفصل محافظة القنيطرة عن أي تسوية مستقبلية قد تحصل بين سوريا والأردن على الحدود الجنوبية، وضمان السيطرة على مصادر المياه المتعدّدة في القنيطرة، من السدود إلى البرك الطبيعية». والهدف الأخير بحسب المصادر «استباق المواجهة الحتمية مع مجموعات سورية وفلسطينية موالية للجيش السوري وحزب الله في القنيطرة، بدأت لمساتها تظهر أخيراً في حوادث استهدفت الجيش الإسرائيلي».
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد