خطر "داعش" يوحد أكراد سوريا
تهجير وعقاب جماعي في دير الزور، وتهديد بتطهير عرقي، في ركاب جنود "أمير" تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ـ "داعش" أبي بكر البغدادي في الشمال الكردي.
150 ألف مدني من الشحيل وخشام وريفيهما حول دير الزور، هجروا من منازلهم في مسيرة واحدة، تطبيقا لما كان اتفاق مصالحة وتوبة، بعد أن حوله "الدولة" إلى عقاب جماعي للقرى، التي حولها أبو محمد الجولاني و"جبهة النصرة"، و"مجلس شورى المجاهدين"، إلى معاقل حصينة تقاتل جنود البغدادي.
الآلاف من المهجرين غادروا إلى مخيمات في البادية حول الفرات. "الدولة الإسلامية" فرض على السكان تسليم أسلحتهم، والتوبة عن قتاله ومبايعة "الخليفة" البغدادي، ثم أضاف في النهاية بند مغادرة البلدات والقرى، كي يتأكد مقاتلوه من خلوها من المقاتلين أو الكمائن. لكن أحدا لم يعد من خشام، رغم انقضاء مهلة الأيام العشرة لمن اجبر على مغادرة منزله. 83 ألفا من عشائر الشعيطات ينتظرهم مصير مماثل. العشائر التي بقيت على بيعة الجولاني لا تزال ترفض مغادرة القرى التي انذر البغدادي سكانها بوجوب إخلائها.
وفي أعالي الرقة، ينشر "داعش" الآلاف من المقاتلين حول كانتون الإدارة الذاتية الكردي في عين عرب (كوباني بالكردية). المعركة حول كوباني، لا تقتصر على محاولة انتزاع قلب المنطقة الكردية، والكانتون الواصل بين شرق المنطقة الكردية في عامودا والدرباسية والقامشلي والحسكة، وبين غربها في عفرين. المعارك التي خاضتها قوات البغدادي، عملت على تطهير القرى الكردية من سكانها، الذين يقدر عددهم في كوباني وريفها بـ700 ألف نسمة. وخلال الساعات الماضية غادر الآلاف من الأكراد منازلهم في الريفين الشرقي والغربي لمدينة عين عرب، التي تحول بعضها إلى ساحات معارك، فيما اعدم جنود البغدادي 16 مدنيا، لإجبار الآخرين على الفرار. وخلال الساعات الماضية استطاع تحالف يضم 500 مقاتل من قوات "حزب الاتحاد الديموقراطي" و"لواء جبهة الأكراد" احتواء هجوم مقاتلي "الدولة الإسلامية".
ويقول مصدر في "حزب الاتحاد الديموقراطي" إن أكثر من مئة مقاتل من "داعش" سقطوا خلال الهجوم المضاد، الذي شنته ليل أمس الأول، مجموعات النخبة في "الاتحاد الديموقراطي" و"لواء جبهة الأكراد"، لاستعادة بعض القرى في المنطقة. وكان مقاتلو "الدولة الإسلامية" قد حققوا اختراقا في زور مغار والبياضية وخراب عطو وشيخلار تحتاني غرب كوباني، كما تقدم شرق كوباني، نحو قرى سوسك، وبيركنو، وجلبة، وجامس. وتعرضت القرى إلى أكثر من ثلاثة آلاف قذيفة هاون في موجة الهجوم الأولى، دفعت بالآلاف من السكان، للجوء إلى مدينة كوباني التي يسكنها 120 ألف نسمة.
لكن الهجمات المضادة، قد لا تحسم معركة كوباني، لأنه لن يكون بوسع الأكراد الصمود لوقت طويل أمام موجات هجوم جديدة يجري الإعداد لها لدى "الدولة" ضد المنطقة التي تحدد مستقبل الإدارة الذاتية الكردية برمته، على ما يخشاه مسؤولون فيها. إذ يواصل "داعش" إرسال تعزيزات إلى منطقة كوباني، من معاقل قريبة جدا منها، في جرابلس، كما تتدفق أسلحة ودبابات وصواريخ، غنمها "الدولة الإسلامية"، من غزوته العراقية، فيما يقول مسؤول كردي انه من الصعب مواجهة تلك التعزيزات والأسلحة. وتحاول بقايا ألوية تابعة إلى "الجبهة الإسلامية" و"الجيش الحر"، تنظيم نفسها في كوباني، للمشاركة في القتال ضد "الدولة الإسلامية" إلى جانب الأكراد، من دون أن يكون ذلك كافيا. ويحاول الأكراد لملمة صفوفهم لمواجهة الخطر الوجودي الذي يستهدفهم، من خلال حشد قوات جديدة، بعضها متطوع قدم من تركيا، فيما وجه "المجلس الوطني الكردي"، الذي يضم 13 حزبا كرديا منافسا لـ"الاتحاد الديموقراطي، نداء لنسيان الماضي، ورص الصفوف ومواجهة خطر "الدولة الإسلامية".
ويستهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" فصل شرق المنطقة الكردية عن غربها، في عملية واحدة من خلال الاستيلاء على قلبها، كوباني الواقعة على الحدود مع تركيا. وإذا ما استطاع "داعش" انتزاع كوباني، فستخلط الأوراق في خريطة الشمال السوري وغرب العراق. إذ سيكون بوسعه السيطرة على كامل الجزيرة الفراتية في بادية الشام، بعد انتزاعه المقلب العراقي. وسيكون قادرا على نشر قوات على طول حوض الفرات وسدوده السورية والعراقية، ومحطات توليد الطاقة، ومنشآت توزيع المياه، من الحدود التركية، مرورا بسوريا، وحتى الغرب العراقي، بالإضافة إلى التحكم بالنشاطات الزراعية التي يوفرها الحوض الفراتي، على ضفتيه، وإخضاع ما حولها من بلدات واقتصاد وعشائر، وإعادة ترتيب التحالفات فيها وفق مصالحه، والحصول على موارد بشرية واقتصادية جديدة.
وباستيلائه على الجزيرة الفراتية، سيتمدد "داعش" في منطقة منقار البطة التي تحوي منابع حقل الرميلان النفطي الغني، الذي يسيطر عليه الأكراد، ليوحد تحت راياته، منابع النفط السوري كله، وما يقارب إنتاج 350 ألف برميل نفط يوميا.
ولا يبدو أن الحقول النفطية في المنطقة هدف البغدادي وحده، على ما يقول مسؤول كردي فيها، إذ قال إن البشمركة، التابعة إلى "رئيس" إقليم كردستان مسعود البرزاني، كانت تتمركز في منطقة قريبة من الرميلان، التي دخلها "الاتحاد الديموقراطي" الكردي. ويضيف المسؤول الكردي أن العملية، التي قام بها "داعش" في العراق، لم تكن لتحصل من دون دعم تركي، إذ "لاحظنا تدفق المئات من المقاتلين عبر الحدود التركية نحو الرقة السورية، في الأيام التي سبقت هجوم الدولة على الموصل".
وسيتمكن "الدولة الإسلامية" من السيطرة على أكثر من 300 كيلومتر من الحدود السورية التركية، ووصل جيوبها في جرابلس غربا بتل ابيض شرقا، والتقدم نحو رأس العين، وتهديد عامودا والدرباسية. وسيكون على الأتراك التعايش مباشرة مع قوات "الدولة الإسلامية"، كما أن النتائج المباشرة لهذه العملية ستكون تهديد تقدم الجيش السوري حول حلب وريفها الشرقي، حيث يعمل على إحكام قبضة الحصار، على الجزء الشرقي من المدينة، بعد دخوله المنطقة الصناعية شمال شرق المدينة. وكان الطيران السوري بدأ بتكثيف عملياته الجوية ضد تجمعات "داعش" في دير الزور والرقة.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد