دمشق: موافقة أولية على «حلب أولاً» واشتباك حتمي بين واشنطن وأنقرة لإغلاق المعابر
مع إعلان دمشق رسمياً أن خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا جديرة بالدراسة، ينفتح أمام السوريين هامش يعيد للسياسة مكانتها في الصراع، بعد إغلاق أبوابها في «جنيف 2».
ورغم أنه من المبكر القول إن مجموعة الأفكار التي حملها دي ميستورا تستحق أن يطلق عليها اسم الخطة، إلا أن دمشق فضّلت تبنيها، ورفعها إلى مستوى الخطة، كما قال مصدر سوري، لاختبار مسار سياسي جديد، وتطوير ما حمله الوسيط الدولي من أفكار، خصوصا أنه ترك انطباعاً قوياً لدى محادثيه في دمشق، بأنه يعمل على تسوية في حلب انطلاقا من ضوء أخضر أميركي واضح، فضلا عن انه من غير المحتمل أن يحمل وسيط دولي خطة إلى دمشق لا تحظى بتفاهم أميركي ـ روسي مسبق.
وخلال المفاوضات مع الجانب السوري، لا سيما في لقاء أمس مع الرئيس بشار الأسد، طرح الوسيط الدولي أفكارا عامة لشرح مفهوم «المنطقة المجمدة»، الذي استنبطه دي ميستورا من خارج الأطر المتفق عليها أو المعمول بها، في التسويات الأممية. إذ إن الاقتراح على غموضه، يتجنب الدخول في مفاوضات تقليدية حول نزع أسلحة المتقاتلين، ثقيلها أو خفيفها، ويرسم خطوطاً لوقف إطلاق النار والإمداد وخريطة المناطق المتنازع عليها، بضمانات دولية. وقال دي ميستورا إن خطته لا تحتاج في مراحلها الأولى إلى اتفاق مكتوب، يتطلب الوصول إليه مفاوضات طويلة ومعقدة، بسبب تعدد الجماعات المقاتلة في حلب، (12 مجموعة غير «جبهة النصرة» و«داعش») وتنوع الوصايات الدولية والإقليمية عليها.
وذكر بيان رئاسي سوري أن الأسد اطلع من دي ميستورا على «النقاط الأساسية وأهداف مبادرته بتجميد القتال في حلب المدينة». وعبّر الرئيس السوري «عن أهمية مدينة حلب، وحرص الدولة على سلامة المدنيين في كل بقعة من الأرض السورية، وفي هذا الإطار اعتبر أن مبادرة دي ميستورا جديرة بالدراسة وبمحاولة العمل عليها، من أجل بلوغ أهدافها التي تصب في عودة الأمن إلى مدينة حلب».
وعكس دي ميستورا انطباعاً قوياً لدى محاوريه السوريين بأنه يملك تفويضاً أميركياً - روسياً، للانتقال من الأطر السياسية للحل في سوريا تحت مسميات «جنيف»، والمفاوضات الخارجية، إلى التعويل على حلول داخلية ميدانية، لا تبتعد كثيرا عن سياسة التسويات المحلية والهدن، التي بلغ عددها 43 هدنة وتسوية محلية صامدة، وجبهات مغلقة، تعيد الأهالي إلى بيوتهم، وتحفظ السلاح الخفيف لدى مسلحين محليين، لكنها تسمح خصوصا، بتحرير وحدات الجيش السوري من عبء الجبهات في قلب المدن المكتظة، والتفرغ للقتال على جبهات أخرى.
ويتجه دي ميستورا إلى العمل على إغلاق الجبهات، حيثما توافرت شروط ذلك، بدءاً من «حلب أولا»، مع التوسع في تطبيق الخطة على جبهات أخرى.
والأرجح أن ما جعل السوريين يمنحون أبوّتهم لخطة لم تكتمل بعد، وجدارتها بالدرس، ما قاله صاحبها ستيفان دي ميستورا لمحاوريه انه يضمن موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة على أفكاره، بالعمل على «حلب أولا» قبل أن يذهب بها إلى جبهات أخرى، وتقاطع ذلك مع مواصلة الروس إحياء المسار السياسي، بالتفاهم مع الأميركيين، وتوجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو نهاية تشرين الثاني الحالي، للاطلاع على أفكار جديدة لإحياء المفاوضات على قاعدة «جنيف واحد».
ولكن لن يكتب النجاح لأي خطة دولية لتحييد مدينة حلب أو تجميد الأعمال القتالية فيها قبل الحصول على ضمانات من المجموعات المسلحة ورعاتها الإقليميين، خصوصا أن النظام يستطيع أن يصدر أوامره بوقف الأعمال العسكرية، أي وقف النار، ويضمن الالتزام بذلك، لكنه ينتظر أن يأتيه الموفد الأممي بضمانات من «المتاريس» المقابلة.
كما ينتظر النظام السوري أجوبة حول الجهة الضامنة ميدانياً، بمعنى أنه إذا حصل خرق فمن يحدد هوية الجهة التي قامت بذلك وما هي الآليات اللازمة لإلزام هذا الفريق أو ذاك بوقف النار، وما هي حدود البقعة الميدانية؟
ولن يكتب أيضا النجاح لـ«حلب أولا» التي يراهن الأتراك على أن تكون جزءاً من المنطقة العازلة، من دون إغلاق معابر الشمال السوري والتزام الأتراك بهذا الأمر، والأردنيين استطراداً في الجنوب عندما تحين ساعة البحث بالمعابر الأردنية، ومحاولة إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، انطلاقا من غرف العمليات في عمان. كما أن أي خطة لتجميد القتال في حلب، تستدعي صداماً أميركياً جديداً، لا يمكن تجنبه، مع أنقرة، سيضيف جبهة جديدة بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والتركي رجب طيب أردوغان.
إذ ربط السوريون بوضوح الاستمرار في إبداء المرونة بالتعاطي مع خطة دي ميستورا، بالتقدم نحو تطبيق القرارين 2170 و2178. وغني عن القول إن القرارين الدوليين، سيوسعان من الاشتباك الأميركي - التركي الحالي، حول دعم «حزب العدالة والتنمية» لما يمكن تسميته بجناحه المسلح، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، في معاركه في العراق وسوريا. إذ لن يقيض لأي خطة أن ترى النور، لتحييد حلب أو تجميد القتال فيها أو غيرها من جبهات القتال في الشمال السوري، من دون تطبيق كامل للقرارين الدوليين، اللذين يقضيان، تحت الفصل السابع، بتجفيف تمويل «داعش» و«جبهة النصرة» و«جبهة المهاجرين والأنصار» و«شام الإسلام»، ومنع وصول المقاتلين الأجانب إلى سوريا، وهو ما يفضي إلى مواجهة حتمية، بين الأمم المتحدة والبيت الأبيض من جهة، وأردوغان والاستخبارات التركية التي تشرف على عمليات نقل المقاتلين والأسلحة، عبر الحدود السورية - التركية، أو تغض النظر عنها.
وكان الأميركيون قد اختبروا قدرتهم على لي ذراع الرئيس التركي بنجاح، وتجاوز رفضه إمداد المقاتلين الأكراد في عين العرب (كوباني) السورية بعناصر «البشمركة» والأسلحة لمواجهة «داعش»، بإنزال الأسلحة لهم بالمظلات، ليضطروه إلى فتح المعابر أمامهم بعد طول سجال، كما استغنوا عن قاعدتي «انجيرليك» و«أضنة»، بإطلاق عملياتهم العسكرية من أربيل.
وجلي أن الذهاب نحو مواجهة بين الأتراك والأميركيين سيكون حتمياً. وبوسع الأميركيين تجاوز الاعتراض التركي، إذا ما أظهروا الجدية التي أوحى بها دي ميستورا في تعاملهم من خلال موافقتهم الضمنية على معالجته لملف حلب، بالإضافة إلى التخلص من الفخ الذي يحاول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس نصبه لهم، بدعوتهم إلى إشعال الحرب على الجيش السوري، على حسابهم لفك الحصار عن المدينة، فيما لم تتجاوز المشاركة الفرنسية في حرب التحالف على الإرهاب أكثر من أربع غارات حتى الآن.
وأوضح السوريون للوسيط الدولي أن أي خطة لتحييد حلب من دون تطبيق القرارين الدوليين، سيحوّل حلب التي تقع على بعد 20 كيلومترا من الحدود مع تركيا، إلى مدينة مفتوحة أمام السلاح والمسلحين القادمين من تركيا.
وأبلغ دي ميستورا دمشق أنه سيواصل جولته في المنطقة، لا سيما أنقرة وباريس ومنها إلى نيويورك، ليعود إذا ما استطاع تجاوز ألغام القرارين 2170 و2178، بتصور عن الآليات التطبيقية، وموافقات نهائية لن يكون يسيراً الحصول عليها. إذ يعني مجرد إغلاق المعابر الحدودية، أو حتى بعضها، لا سيما معبري باب الهوى وباب السلامة، انتحاراً سياسياً تركياً، وترك المعارضة المسلحة من دون خطوط إمداد.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد