الرسالة..في خبر كان

الجمل- يلماز أوزديل – ترجمها عن التركية: محمد سلطان:

 كان يوماً حاراً في الأردن.

وكانوا ثمانية أشخاص. أتوا من باريس وروما وأثينا إلى عمّان. ثلاثة منهم يحملون جواز سفر فرنسياً وثلاثة آخرون يحملون جواز سفر إيطالياً واثنان منهم يحملون جواز سفر كندياً. جاؤوا بهويات مختلفة, منها الهوية التجارية والسياحية ورجال الأعمال وغيرها. توجهوا إلى الفندق ليبيتوا فيه قبل المباشرة بالعملية الموكلة إليهم.

وفي اليوم التالي عند الساعة العاشرة صباحاً استأجر الكنديون سيارتين, إحداهما من طراز هيونداي خضراء اللون, والأخرى تويوتا زرقاء. وتوجهوا ليلحقوا بهدفهم.

كان الهدف يجلس إلى جانب السائق في السيارة. وفي المقعد الخلفي كان يجلس أولاده الثلاثة في طريقهم إلى المدرسة بعد وصول أباهم إلى مكان عمله.

نظر السائق المحنك إلى المرآة ولاحظ بشيء غريب يحصل وقال: «نحن ملاحقون». فسارع الهدف بالاتصال مع الشرطة وأبلغهم عن مواصفات ورقم لوحة السيارة المشبوهة. بعد دقيقة رن هاتف الهادف لتخبره الشرطة الأردنية أن سيارة التويوتا المشبوهة مستأجرة من قبل سائح كندي. أي أنه لا يوجد هناك ما يدعي للقلق. فتنفس الهدف الصعداء وتابعوا طريقهم بأمان.

عند العاشرة والنصف صباحاً دخلت سيارة الهدف إلى شارع "وصفي الطال" وترجل أمام مكتبه وقبّل أولاده قبل أن يكملوا طريقهم إلى المدرسة. كان على وشك أن يدخل المبنى عندما اقترب منه الكندي الآخر الذي ركن سيارته الهيونداي على جانب الطريق وناداه قائلاً: «عذراً سيدي...» فالتفت إليه الهدف للحظة. كانت هذه اللحظة كافية ليقوم الكندي برشه بغاز شبيه بغاز الـaerosol السام. أصاب السم أذن الهدف عندما حاول تجنب الغاز بردة فعل انعكاسية, ولكنه لم يستطع تفاديها وسقط أرضاً. ركض الحراس أمام باب المبنى ليروا ماذا جرى للهدف الذي ظنوا أنه أغمي عليه نتيجة إرهاق أو أنه أصيب بسكتة قلبية.

كان السائق يراقب المجريات من خلال المرآة. فبسرعة قام بإنزال الأطفال من السيارة وبدأ بمطاردة الكندي الذي حاول إخفاء أثره. ولكن استطاع السائق أن يقطع طريقه حتى جاءت الشرطة وألقت القبض على الكندي.

أسعف الهدف إلى المستشفى. ولكن حالته كانت تزداد سوءاً. بدأ يفقد وعيه شيئاً فشيئاً وشلت حركة أعضائه.

من كان الهدف؟ إنه خالد مشعل.

ذلك الشخص الذي كان ضيف شرف في مؤتمر حزب العدالة والتنمية بدعوة من قبل أحمد داود أوغلو, وتم استقباله بشعارات "بالروح نفديكِ يا حماس".

غضب الملك حسين على هذه الحادثة, حيث كان عناصر الموساد يسرحون ويمرحون في بلاده. وهذه الحادثة بالذات شكلت ضغطاً عربياً ودولياً على أميركا التي بدورها ضغطت على إسرائيل حتى أرسلت الترياق المضاد للسم على متن طائرة حربية حطت في مطار عمان. وفي هذا السياق تم التفاوض مع إسرائيل بشأن إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين مقابل عناصر الموساد الكنديين الموقوفين لدى السلطات الأردنية.

في النتيجة نجا خالد مشعل بحياته ونال الشيخ أحمد ياسين حريته. كان الفشل الإسرائيلي ذريعاً.

جرت ثلاثة تفجيرات متواقتة في الأردن استهدفت ثلاثة فنادق مختلفة راح ضحيتها 57 شخصاً. والبارز أن هذه الفنادق كان يقصدها السائحون الأجانب باستمرار. نفذ تنظيم القاعدة هذه العملية التي تبناها بحجة أنه كان يستهدف الأجانب, ولكن راح ضحيتها أكثر من 40 مسلماً. نجحت التنظيمات الإرهابية بفعل ما لم تستطع فعله إسرائيل, حيث كان قائد القوات الخاصة الفلسطينية من ضمن الضحايا. وقتل في هذه التفجيرات من المسلمين أكثر مما قتل من المسيحيين على عكس ما أراد لها منفذي العملية.

كما كان المخرج السوري العملاق مصطفى العقاد صاحب أسطورة فيلم "الرسالة" من ضمن ضحايا هذا العمل الإرهابي.

قدم العقاد خدمة كبيرة للإسلام عن طريق أعماله الفنية, واستطاع أن يحفّظ العالم بأسره نضال الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وأخلاقه عن طريق أفلامه وأعماله الفنية وخصوصاً فيلم "الرسالة".

كانت ساجدة مبارك ريشاوي, عراقيةالأصل, إحدى الانتحاريات التي لم تتمكن من تفجير نفسها فألقي القبض عليها حية حيث استطاع زوجها من تفجير نفسه. وهي الآن مسجونة في الأردن منذ عام 2005.

في الشهر الماضي تم إسقاط طائرة حربية أردنية فوق سماء محافظة الرقة. فقفز الطيار بمظلته وتم أسره من قبل عناصر تنظيم داعش. وبدأت المفاوضات. تريد داعش من الأردن إخلاء سبيل الإرهابية ساجدة مقابل الطيار الأردني المأسور لديها.

يحكى في الصحافة الأجنبية أن تركيا تلعب دوراً فعالاً في المفاوضات الجارية بين الأردن وتنظيم داعش.

أي أن الشخص الذي يدعي أنه يسير بتقوى الرسول الكريم وصاحب نظرية "العمق الاستراتيجي" يحاول التوسط لإخلاء سبيل قتلة مصطفى العقاد. ذلك الرجل الذي قدم أكبر خدمة إعلامية للإسلام وللرسول الكريم.

دعونا نوجه الرسالة التالية: هنا سيتضح من هو الرجل ومن هو الشهم ومن هو الأصيل يا سيد أحمد داود أوغلو.

الجمل (صحيفة: سوزجو)