إسرائيل: تحريك مفاجئ لقضية الأسرى لدى «حماس»
فجأة ومن دون سابق إنذار تفجّرت مسألة وجود أسرى إسرائيليين لدى حركة «حماس» في غزة وبشكل غير مسبوق. فقد أمرت محكمة إسرائيلية بنشر «قضية أمنية» بناء على طلب صحيفة «هآرتس» ما فجّر أزمة إعلامية وسياسية ومعنوية واسعة النطاق، فقد تبين أن إسرائيلياً من المهاجرين الأثيوبيين يُدعى أبراهام منجستو، محتجز لدى «حماس» منذ أكثر من عشرة أشهر وأن أمراً بحظر نشر الخبر لأسباب أمنية كان سارياً. وكأن هذا لم يكف فاضطرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية للإقرار بأن «حماس» تحتجز أيضاً شخصاً آخر يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهو فلسطيني من بدو النقب كان أيضاً تسلل إلى غزة.
وهكذ لم تعد قضية الأسرى بين إسرائيل و «حماس» هي قضية الجندي أرون شاؤول والضابط هدار غولدن، وهما من أعلنت إسرائيل أنهما ليسا على قيد الحياة وأن ما لدى «حماس» هو جثمان أحدهما وأشلاء آخر، وإنما قضية أحياء أيضاً. وقد ألمحت «حماس» في عرضها العسكري أول أمس بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة إلى ما لديها، بإعلان الرقم العسكري لأرون شاؤول وعلامتي استفهام بدل رقمين آخرين.
وجاء الإعلان الإسرائيلي عن وجود أبراهام منجستو في أسر «حماس» ليصبّ الزيت على نار الخلاف العنصري بين يهود الحبشة والحكومة الإسرائيلية. ومعروف أن صدامات وتظاهرات وقعت في الأشهر الأخيرة بين المهاجرين اليهود من أثيوبيا والشرطة الإسرائيلية، على خلفية شعور المهاجرين بالتمييز ضدهم بسبب لون بشرتهم. وقال كثيرون إن حظر النشر والصمت طوال أكثر من عشرة أشهر على وجود إسرائيلي لدى «حماس» ما كان ليحدث لو أن منجستو كان من ذوي البشرة البيضاء، كما أكد أبناء عائلته أنه منذ وقوعه في الأسر لم يقم رئيس الحكومة لا بالاتصال ولا باللقاء معهم، رغم «طلباتنا المتكررة» باللقاء معه.
وبعد ظهر أمس، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو: «قمتُ بتعيين ممثل من طرفي لتنسيق كل النشاطات والاتصالات مع العائلات». وجاء في إعلان رسمي له «أمس تحدثت مع والدي وأخ أبراهام منجستو وأبلغتهم أنه من لحظة علمنا بالأمر لم تدخر إسرائيل جهداً لإعادته. واتفقت معهم على لقاء قريب. وأنا آمل من الأسرة الدولية التي تُعرب عن قلقها من الوضع الانساني في غزة أن تخرج بنداء واضح لإطلاق المواطنين والحرص على إعادتهما».
غير أن المشكلة لا تكمن فقط في العلاقة بين الأثيوبيين وباقي الإسرائيليين، بل أيضاً في دلالات الصمت الإسرائيلي وإخفاء الأمر حتى عن كبار الشخصيات. وأقرّ وزير الخارجية السابق، زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، أنه لم يسمع بالقضية إلا يوم أمس بعدما نشرت في الصحف. وفي كل حال بعد نشر الخبر صارت الحكومة الإسرائيلية تطلق البيانات التوضيحية التي تعبر عن الاهتمام بالمسألة.
وكان شقيق منجستو قد اجتمع مرة بوزير الدفاع موشي يعلون الذي كرر أمامه كلاماً من نوع «لا معلومات لدينا، ونحن نعمل في كل القنوات السياسية والدولية، ونستخدم علاقاتنا. أعطونا وقتاً كي نعمل». واقتصرت لقاءات أفراد عائلة منجستو على العميد ليئور لوتان القائد السابق لوحدة المفاوضات في هيئة الأركان ومسؤول طاقم المفاوضات لإعادة جثتي الجنديين أرون شاؤول وهدار غولدن.
وبحسب ما أعلن في إسرائيل فإن منجستو البالغ من العمر 28 عاماً اجتاز الحدود إلى غزة من جهة الشاطئ في أيلول الفائت حيث اعتقلته «حماس». وقد أبلغت السلطات الإسرائيلية عائلته، لكنها طلبت منها التزام الصمت وعدم التطرق للمسألة في وسائل الإعلام، وبعد ذلك جرى الإعلان عن أن فلسطينياً من مناطق الـ48 له سوابق في اجتياز الحدود إلى غزة معتقل أيضاً لدى «حماس». وقد فرضت إسرائيل حظراً شاملاً على نشر أية أنباء عن هذه الحوادث، ولكنها بعد الإعلان عن وقوعها صارت تتحدث على الأقل عن منجستو أنه يعاني من مرض نفسي.
وإذا كانت إسرائيل لأسباب مختلفة آثرت التزام الصمت تجاه وجود منجستو في أيدي «حماس» فإن سؤالاً بديهياً يُثار حول سبب صمت الأخيرة أيضاً عن ذلك. ورغم أن مسؤولين لـ «حماس»، بمن فيهم رئيس المكتب السياسي خالد مشعل، حاولوا في اليومين الأخيرين الإشارة إلى مسألة الأسرى إلا أن كلامهم كان يدور بشكل واضح عن الجنديين الأسيرين أو الجثتين من الحرب. وصرّح مشعل، أمس الأول، أن إسرائيل نقلت إلى المنظمة رسائل عبر وسيط أوروبي تتضمن طلباً بأن تتسلّم جثتين تحتجزهما «حماس» منذ انتهاء الحملة. ولم يذكر مشعل، الذي حاول الحفاظ على الغموض، اسمَي شاؤول وغولدن.
ولم تتطرق «حماس» رسمياً لوجود منجستو لديها، رغم أن وسائل إعلام عربية ألمحت إلى ضبطه في غزة. بل إن موقعاً إخبارياً إسرائيلياً أشار إلى أن الإسرائيلي غرشون باسكين الذي توسط مع القيادي في «حماس» غازي حمد، لتسهيل أمر إبرام صفقة شاليط تلقى من «حماس» إشارة بأن منجستو ليس في غزة ولم يعتقل بعد أن تبين أنه ليس جندياً وربما وصل إلى سيناء.
وتكذب إسرائيل ادعاء «حماس» هذا، وترى أنه نوع من التضليل حول مصير منجستو، خصوصاً أن «حماس» ترفض تقديم أية معلومات قبل أن تفرج إسرائيل عن محرري صفقة شاليط الذين عادت لاعتقالهم.
وأوضح معلق الشؤون العربية في موقع «والا» الإخباري آفي يسخاروف أن منجستو والفلسطيني البدوي من مناطق الـ48، يعتبران صيداً ثميناً لدى «حماس» التي تبحث عن أوراق ضغط على إسرائيل من أجل مبادلة الأسرى. فاثنين من الإسرائيليين الأحياء يرفعان الثمن لمبادلة جثماني جنديين وهذا يغيّر الصورة.
لكن هناك مَن يعتقد أن صمت إسرائيل يوحي بعدم الاهتمام، وذلك لعدم رغبتها في دفع ثمن مقابل استعادة الجثامين والأحياء، أو على الأقل لعدم دفع ثمن مرتفع. عموماً بعد انكشاف المسألة تُطرح في إسرائيل أسئلة قاسية حول المسؤولية عما جرى والثمن المطلوب دفعه وحجم تجهيل الجمهور خلال أشهر طويلة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد