رياح التغيير في الشرق الأوسط مع توجه إيران غربا
الجمل ـ *الدكتور بيتر ليفوف ـ ترجمة رنده القاسم:
في فيينا الرابع عشر من تموز تم رسميا توقيع الاتفاق النهائي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. و يضم الاتفاق خطة من أجل رفع العقوبات تدريجيا مقابل عشر سنوات و أكثر من تقييد التطور النووي الإيراني. إضافة إلى ذلك لن يتم رفع الحظر على استيراد السلاح خلال السنوات الخمس القادمة.
و بنفس الوقت ، يجب أن تبقى القيود على تزويد الصواريخ كما هي لأكثر من ثمان سنوات، و هذا الموضوع كان نقطة خلاف أساسية خلال المفاوضات، إذ عملت إيران على إقناع الغرب برفع الحظر على تزويد مواد هامة لأجل المزيد من النشاطات النووية و تطوير الصواريخ البالستيه، إلى جانب القيود على استيراد أسلحة و مواد ذات صلة.
دعمت روسيا إيران في مطالبها، غير أن الدول الغربية أعربت عن قلقها من أن تتمكن الأخيرة من زيادة دعمها العسكري للوحدات الشيعية المقاتلة في العراق و اليمن، إلى جانب المزيد من الدعم للرئيس السوري بشار الأسد.
و وفقا للاتفاق الموقع، سيكون بإمكان مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى كل المواقع المريبة في إيران، بما فيها العسكرية ، و يمكن لمجلس الأمن في الأمم المتحدة أن يصدر خلال شهر قرارا يتعلق بالتراجع عن العقوبات. كما و يفرض الاتفاق قيودا على تخصيب اليورانيوم لمدة ثمانية أعوام. و في المستقبل، يمكن لطهران التقدم بمشاريع تخصيب اليورانيوم ، و لكن لأغراض سلمية فقط. علاوة على ذلك، يجب أن تعيد إيران بناء المفاعل النووي في آراك لأجل أن يكون أكثر قدرة على خدمة العمليات السلمية فقط. و في حال "تصرفت إيران بشكل جيد" خلال السنوات العشر القادمة، سيزال برنامجها النووي من أجندة مجلس الأمن، حيث يوجد سبعة قرارات من قبل المجلس متعلقة بملف إيران النووي.
و بالمقابل، ستنعم إيران بزوال العقوبات الدولية المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن و دول منفصلة. و حتى الآن سمح لإيران الانضمام إلى نظام التحويلات المالي الدولي SWIFT . و لكن كل ما عدا هذا يحتاج وقتا أطول.و سترفع العقوبات تدريجيا بالتوافق مع مدى التزام إيران بوعودها. ولكن مبدئيا مع انتهاء 2015 يجب أن تزال كل القيود التجارية و الاقتصادية و المالية التي تؤثر على اقتصاد إيران، بما فيها تجارة النفط و الاستثمارات في الاقتصاد الإيراني، و هذا الجزء الأخير سيكون ذا فائدة خاصة للغرب.
و لكن مكاسب روسيا من كل هذه القصة شبه معدومة، فالقيود على شحن الأسلحة ستستمر لمدة خمس سنوات و هي كل ما يمكن لموسكو تقديمه، فروسيا لن تكون قادة على التفوق على الشركات الغربية في تزويد الأسواق الإيرانية بمنتجات تكنولوجية متطورة ، و في أوج العقوبات ضد روسيا ، لا تملك موسكو شيئا لتقدمه في مجال الاستثمارات الأجنبية.
سيرعى الغرب قطاعي الغاز و النفط في الاقتصاد الإيراني مما يمكن طهران من زيادة إنتاج الهيدروكربون ، و في غضون وقت قصير ستكون قادرة على تزويد الاتحاد الأوروبي بالغاز عبر خطوط أنابيب جديدة. هذه الخطوة ستكون بمثابة ضربة قاسية لمواقع شركة Gazprom للغاز الطبيعي جنوب أوروبا. و ما من مكاسب سياسية أيضا، لأن برنامج الدفاع الصاروخي الأوروبي لن يتأثر بالاتفاق و الدور الايجابي الذي لعبته الفيدرالية الروسية في تسهيل المفاوضات لن يغير نظام العقوبات ضد روسيا، رغم أن موسكو تلقت تجاوبا ايجابيا من الرئيس أوباما الذي أطرى على الدبلوماسية الروسية لمساهمتها الكبيرة في هذا الاتفاق.
و ماذا يعني كل هذا بالمصطلحات الإستراتيجية؟ لنتحدث بصراحة، الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني هو في الحقيقة انجاز تاريخي، لأن إيران قد خلقت منعطفا في سعيها للاقتراب من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي. لقد انتهت تجربة الثورة الإسلامية و فشلت. و المنتصرون هم الغرب و الرئيس الإيراني الحاكم حسن روحاني و فريقه الليبرالي المؤيد للغرب. و كان يمكن للمرء توقع حدوث ذلك بسبب مزاج الغالبية الساحقة في المجتمع الإيراني، فقد أنهك الشعب من الشدة التي سببتها العقوبات الدولية، إذ عانى الاقتصاد الإيراني زمنا طويلا من الركود. و بالكاد تستطيع الحكومة تمويل المشاريع الاجتماعية، و الشبان، الذي يشكلون 50% من تعداد السكان، لا يستطيعون استيعاب لماذا عليهم العيش وفقا للمفاهيم الدينية لآية الله خامئني عوضا عن إتباع التطور التكنولوجي و الثقافي المعاصر المنتشر في العالم.
و إذا رفضت الحكومة الإيرانية تغيير مسارها، ستواجه ثورة "ملونه" تسببها البروبوغندا الغربية و حقيقة أن إيران دولة متعددة القوميات حيث لا يتم دائما احترام حقوق الأقليات. و مع إدراك المؤسسة الدينية التي يقودها آية الله خامئني بأن أفكار الثورة الإسلامية بدأت تفقد مفعولها، فان طهران تملك خيارات قليلة عدا تقديم تنازلات هامة في مفاوضات فيينا.
و من الآن فصاعدا يبدو واضحا أن آمال الشفاء السريع للاقتصاد الإيراني مرتبطة بالشركات الغربية.علاوة على ذلك، قامت فعليا عدد من الشركات الأميركية و الأوروبية الكبرى بعقد محادثات سرية مع مسؤولين إيرانيين حول شروط عودتها إلى إيران. و من الواضح أنه خلال سنوات قليلة، إذا لم نقل أشهر، سيتغير النظام السياسي في إيران، حيث ستجبر المؤسسة الدينية على المغادرة لفتح المجال أمام الإدارة الحديثة. و من الممكن أن تسعى إيران لكي تغدو عضوا زميلا في الاتحاد الأوروبي، و لكن هذا لا يعني أن إيران ستقوم فورا بالتخلي عن العراق و سوريه و اليمن.
و هناك أمر آخر واضح تماما، و هو أن روسيا لم تعد شريكا جذابا لطهران كما كانت قبل توقيع الاتفاق النووي، فهي غير قادرة على منافسة الشركات الأوروبية في القتال لأجل الاقتصاد الإيراني. و سيستمر الحظر على شاحنات الأسلحة لخمس سنوات قادمة، غير أن إيران ستستخدم لفترة زمنية الورقة الروسية ضد الغرب للتخلص من كل العقوبات بأقصر وقت ممكن.
و بكل الأحوال لقد انتهت اللعبة تقريبا، فإيران تتجه الآن بوضوح نحو الغرب. و لكن عليها أن تقاتل مع جيرانها العرب من أجل مكان في المدار الغربي ، و لاسيما السعودية. و لكن هذا موضوع آخر، و واشنطن تستطيع التأثير على كل حلفائها بطريقة تجعل فيها عدوي الأمس الأساسيين حليفين في الخليج الفارسي.و مهما يكن، فان منطقة الشرق الأوسط يجب أن تستعد للتغييرات القادمة.
*دكتور روسي في مجال العلوم السياسية
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد