قصة القاعدة في لبنان ولائحة اهداف 2007
الهدف الأول «حزب الله», الهدف الثاني قوات «اليونيفيل» المعززة, والهدف الثالث اسرائيل. وايمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» كان واضحاً جداً عندما اعلن ان المشكلة الاولى التي يواجهها لبنان هي القرار 1701 والقرارات المماثلة له التي ترمي الى «إهانة المسلمين» معتبراً قوات «اليونيفيل» «قوات معادية للاسلام».
ما قصة «القاعدة» في لبنان؟ ما هي خططها للعام 2007؟ وهل صحيح ان وجودها قد تنامى خلال العامين الأخيرين؟
اكثر من وهم واقل من حقيقة كبيرة تنظيم «القاعدة» في لبنان, فالتنظيم لا يملك جيشاً صغيراً كما الحال في العراق وباكستان وافغانستان, لكن رفاق أسامة بن لادن موجودون, تحت مسميات مختلفة في الاراضي اللبنانية, وهم محصورون في بعض المخيمات الفلسطينية, على شكل خلايا نائمة, كما الحال في معظم البلدان العربية.
والاشارات التي تدل بوضوح على وجود أصوليين متطرفين ينشطون بين شمال لبنان وجنوبه تتزايد, وآخرها في آذار €مارس€ 2006 تبني ابو مصعب الزرقاوي هجوماً بصواريخ «الكاتيوشا» على مستعمرات اسرائيلية قرب الحدود اللبنانية, والكلام المتواصل عن مقاتلين لبنانيين وفلسطينيين يتدربون في منطقة صيدا الجنوبية ويتطوع بعضهم للقتال في العراق, بعدما وثقوا علاقاتهم بتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين».
في الاخبار المحدودة التداول ايضاً ان ثمة اتجاهاً لاعلان ما يسمى «ولاية لبنان» في التنظيم, بقصد جمع الأصوليين اللبنانيين المتطرفين في بنية واحدة, في ظل فرضية تنامي الحركة. وقد جاء اعتقال ثلاثة عشر عنصراً من جنسيات عربية مختلفة بينهم لبنانيون, على يد القوى الامنية اللبنانية, يعزز هذه الفرضية.
ويبدو ان التدريب الذي يتلقاه الأصوليون في لبنان يثير اهتمام المخابرات الغربية, والمخابرات الاميركية بصوة خاصة, بدليل ان واشنطن طلبت رسمياً من السلطات اللبنانية ضبط «حركة المتسللين الى العراق» في ضوء معلومات تؤكد ان بعض المناطق اللبنانية تستضيف اعداداً من المتشددين الجهاديين الذين ينتمون الى تنظيمات مختلفة لعل ابرزها «عصبة الأنصار» و«جند الله» و«جند الشام» ويعتبرون أسامة بن لادن «قائداً اسلامياً عظيماً» يستحق ان يستشهدوا دفاعاً عن المبادئ التي ينشط من اجلها «ودفاعاً عن ارض وعرض المسلمين ونصرة دين الله». و«الانترنت» يعتبر إحدى صلات هؤلاء الأصوليين بـ«القاعدة» ويمكن من خلال تقليب صفحات بعض المواقع الاستدلال على «الشهداء» الذين تنعاهم تنظيماتهم بين وقت وآخر, وبعض هؤلاء لبنانيون سقطوا في بلاد الرافدين.
ولبنان ليس غائباً عن الرسائل التي يوجهها زعماء «القاعدة» بين وقت وآخر عبر أشرطة تلفزيونية مسجلة. وآخر هذه الاشرطة تضمن حديثاً صريحاً لأيمن الظواهري مفاده ان «التنظيم لن يسكت عما يحدث في غزة ولبنان». الرسالة التي بثت بمناسبة حصار غزة والحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان, كانت صريحة في دعوتها الى الجهاد ضد التحالف الصليبي وفي الدعوة الى طلب الشهادة دفاعاً عن اللبنانيين والفلسطينيين.
وفي كانون الاول €ديسمبر€ الفائت كشف تحقيق قضائي فرنسي ان اسلاميين فرنسيين أقاموا وتدربوا في طرابلس €شمال لبنان€ قبل ان يذهبوا لـ«القيام بالجهاد في العراق». واكدت اجهزة مكافحة الارهاب الفرنسية ان تحقيقها حول مجموعة صافي بورادة السلفية الجزائرية, التي فككتها المخابرات الفرنسية في ايلول €سبتمبر€ 2005, اثبت ان «متطرفين فرنسيين ذهبوا الى لبنان في العام الماضي للتدرب على استخدام السلاح والمتفجرات». وحسب الاتهام فان هذه الخلية المتطرفة في طرابلس يقودها لبناني, ولها علاقة بنشطاء سعوديين ومصريين يرتبطون بالقاعدة, وهي على علاقة بمجموعة الدعوة والقتال الجزائرية, وبفرع القاعدة في العراق. وذكرت صحيفة «لوفيغارو» التي اوردت النبأ انها المرة الاولى التي يضاف فيها لبنان الى لائحة الدول التي يقصدها جهاديون فرنسيون متوجهين الى العراق. ففي السابق كانت اللائحة تضم السعودية, مصر, سوريا واليمن. واوضحت الصحيفة ان المخابرات الفرنسية الداخلية كانت تعرف ان أحد اعضاء مجموعة بورادة السلفية, المعروفة بـ«انصار الفتح», كان زار لبنان, وعزز زيارته حينها لأسباب عائلية وسياحية, ولكن يظهر ان عضوين آخرين على الأقل ذهبا الى لبنان, وان بعض الاسلاميين كانوا يخططون للذهاب قريبا الى لبنان, حسب الصحيفة التي تستند الى مصادر قريبة من التحقيق. وكانت اجهزة مكافحة الارهاب الفرنسية فككت شبكة «انصار الفتح», التي يتزعمها الجزائري صافي بورادة, الذي سبق ان قضى عشر سنين في السجون الفرنسية بتهمة انتمائه لشبكة تقديم الدعم للجماعة الاسلامية المسلحة الجزائرية في هجمات 1995 في محطات المترو في باريس والتي اسفرت عن مقتل 8 اشخاص واصابة 117 آخرين. وتنشط شبكة «انصار الفتح» في اوساط الشباب المغاربة والفرنسيين ممن اعتنقوا الاسلام, لتجنيد متطوعين مرشحين للجهاد في العراق.
البدايات
وللحديث عن جذور «القاعدة» في لبنان لا بد من العودة الى ايام الحرب الافغانية ضد الاحتلال السوفياتي, يوم كان المتطوعون العرب يقصدون افغانستان لمساعدة اخوانهم في الحرب ضد الاحتلال او الجيش الاحمر, وكان معظمهم يأتي من السعودية وليبيا ومصر والجزائر. وبالرغم من ان الحضور اللبناني في الحرب الافغانية كان معدوماً فان «الجماعة الاسلامية» أقامت بعض المهرجانات لدعم الجهاد الافغاني. والفكر الجهادي في لبنان لم يكن موجوداً طوال سنوات الحرب الاهلية وظل محصوراً في بعض المخيمات الفلسطينية, وتحديداً لدى جماعة «عصبة الأنصار» التي يتزعمها عبد الكريم السعدي €ابو محجن€, اضافة الى افراد يتم تجنيدهم في اوروبا او اميركا, وهذا ما حصل فعلاً لزياد الجراح أحد منفذي هجمات 11 ايلول 2001 الذي تم تجنيده في هامبورغ €المانيا€ وبسام كنج €ابو عائشة€ الذي تم تجنيده في الولايات المتحدة.
وقد كانت لي لقاءات صحفية مع اكثر من رمز من رموز «القاعدة» قبل وبعد هجمات 11 ايلول, بينها لقاء مع الشيخ ابو قتادة الفلسطيني الذي كما يقيم في لندن, وهو معتقل فيها حالياً بتهمة التحريض على الارهاب, وتعتبره معظم مراكز الابحاث كما اجهزة المخابرات الغربية أحد منظري التنظيم. واذكر انني سألت «ابو قتادة» عما اذا كان هو الذي أصدر الفتوى باغتيال نزار الحلبي زعيم جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية وقد أجاب «لم أحظَ بهذا الشرف, وبارك الله باخواننا في «عصبة الانصار» الاسلامية. واضاف «ان من يشاهد تشييع الشباب الذين أعدموا بتهمة اغتيال الحلبي يستنتج بسهولة ان معظم الحركات الاسلامية كانت سعيدة بهذا الاغتيال», مضيفاً ان «عصبة الانصار» تمثل بالنسبة اليه التيار السلفي الحقيقي في لبنان, وبحكم العمل السري للتيارات الجهادية فان «عصبة الأنصار» لم تتمكن من الانتشار شعبياً, لكنها استطاعت تجنيد نخب جاهزة للجهاد. وفي لقاء آخر مع «ابو قتادة» بعد احداث الضنية, حدثته عن وجود مجموعة في الشمال اللبناني مرتبطة بتنظيم «القاعدة» يتزعمها بسام كنج الملقب بـ«ابو عائشة» فقال: اعتقد ان هؤلاء الشباب شاهدوا اعدام قتلة نزار الحلبي فقرروا حمل السلاح. وربما كان بعضهم يتدرب للذهاب الى الشيشان. في وقت لاحق عرفت ان مجموعة الضنية جزء من التيار السلفي الجهادي وهي بالتالي تتلاقى مع «عصبة الأنصار» في العقيدة كما في النهج, وقد اختلف معها على بعض التفاصيل. واذكر انني سألت «ابو قتادة» عن حقيقة وجود تيار سلفي مرتبط بالقاعدة في لبنان فقال: انا اعتبر اغتيال نزار الحلبي مكرمة من عند الله, ولا أعرف من هو صاحب الفضل الذي أصدر فتوى بقتله, اما «عصبة الانصار» فهي جماعة سلفية جهادية تقاتل ضد نظام الردة من اجل ان تفتح الطريق للقتال ضد اسرائيل «لأن قتال اليهود أشرف انواع القتال».
وتساءل ابو قتادة على مسمعي: لماذا يسمح لـ«حزب الله» باستخدام السلاح ولا يسمح بذلك للآخرين؟ وعندما اجبته بأن «حزب الله» يقاتل اسرائيل وليس الدولة اللبنانية اجاب: ومن قال ان ابو عائشة اراد قتال الدولة اللبنانية؟ لقد فرضت المعركة عليه فرضاً لكن مشروعه جهادي وليس ضد الدولة اللبنانية.
اذكر ايضاً انني التقيت الشيخ مصطفى ست مريم نصار €ابو مصعب السوري€ الذي اعتقل في تشرين الثاني €نوفمبر€ من العام 2005 في كويتا €باكستان€ وتم تسليمه الى اجهزة الاستخبارات. التقيته قبل سقوط كابول حيث كان له معسكره الخاص الذي اشتهر باسم «معسكر الغرباء», وسألته عن لبنان, فقال: إن كلفة تدريب اي أخ يريد ان يأتي الى افغانستان من اجل الجهاد مرتفعة جداً, وهي تقارب الألفي دولار اميركي, وحماية المتدربين بعد عودتهم الى بلاد الشام عملية صعبة وبالغة التعقيد لأن كل من يأتي الى افغانستان يصبح مشبوهاً, ولذلك تم اتخاذ قرار على مستوى القيادة يقضي بأن يذهب الاخوة الى مخيم عين الحلوة لأن الكلفة هناك اقل و لن تكون هناك شبهات. ونظرية ابو مصعب السوري تقول ان الجهاد قادم لا محالة الى سوريا ولبنان, كجزء من «المقاومة الاسلامية العالمية», ولا بد من ضرب فرنسا بسبب تدخلها في لبنان, وضرب اميركا وبريطانيا بسبب سعيهما لنزع سلاح المقاومة في لبنان وبسبب اعتبارهما «حماس» و«الجهاد» منظمات ارهابية.
الاهداف
نعود الى اهداف «القاعدة» في لبنان لنقول انه منذ اعلن ايمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم ان القرار 1701 مشكلة اساسية والقوات الدولية في جنوب لبنان قوات معادية للاسلام, تحولت «اليونيفيل» الجديدة الى هدف اساسي. كلام الظواهري يعتبر فتوى شرعية باستهداف هذه القوات, ومن المؤكد ان مجموعات «القاعدة» سوف تحاول ضرب بعض فصائل القوات الدولية وبصورة خاصة الالمانية والفرنسية, وقد تستخدم عناصر لبنانية في اي عملية تنفذها في الاسابيع او الاشهر المقبلة, من اجل إعطاء صورة حية عن الجهاد في لبنان, ومن اجل تحييد الدولة اللبنانية والامن اللبناني.
الهدف الثاني لـ«القاعدة» في لبنان هو «حزب الله» الذي يعتبر عائقاً اساسياً امام انتشار التيار الجهادي السني. وقد سبق لـ«القاعدة» في بلاد الرافدين ان اصدرت دراسة حول «حزب الله» اللبناني يتعذر نشرها تحدثت عن السيد حسن نصر الله بعبارات نابية وسمته «حسن نصر اللات», وقد كان الظواهري واضحاً في رسالته ما قبل الاخيرة عندما وجه نقداً للحزب «الذي دعم الميليشيات الشيعية الموالية للاحتلال الاميركي في العراق». وليس سراً ان ارتفاع صور الزرقاوي واللافتات المؤيدة له عند مداخل مخيم عين الحلوة يشكل تعبيراً صريحاً عن الخصومة القائمة بين «حزب الله» وانصار «القاعدة» في لبنان, الى حد ان الكثيرين يعتقدون ان «حزب الله» مستهدف من قبل «القاعدة» اكثر من اسرائيل.
في هذا السياق يمكن التوقف عند الفتوى التي أصدرها «تنظيم القاعدة والجهاد في بلاد الشام لواء عمر» والداعية الى الدخول في معركة ومواجهة مع «حزب الله» اللبناني على ارض لبنان. بيان التنظيم يقول ان «قادة الشيعة وحزب الله هم عملاء اميركا وهم المستهدفون في عمليات التنظيم القادمة». وكثيرون يعتقدون ان كتابات عدد من المواقع السنية والسلفية حول «حزب الله» ودوره ومستقبله في لبنان تعتبر ترجمة اعلامية وسياسية لهذه الفتوى التي تكفّر الحزب وتحاول اخراجه من الوطنية, في العراق كما في لبنان, تمهيداً للانقضاض عليه عندما تسمح بذلك الظروف الاقليمية و الدولية.
موقع «البيّنة» السني السلفي, مثلاً, نشر دراسة حول «مستقبل حزب الله اللبناني» قال فيها «لا تفاجأوا غداً اذا اصبح هذا الحزب, كما اصبح حزب الدعوة وفيلق بدر, حليفاً للولايات المتحدة». وموقع «الأنبار» السلفي نشر بدوره دراسة عنوانها «حزب الله, خادم واحد واسياد كثر» يحاول فيها التحريض على قادة المقاومة اللبنانية, ومواقع فلسطينية متشددة دعت بدورها الى «تصفية الحساب» مع الارهابيين العرب وغير العرب, في محاولة لاضرام الوقود تحت نار الفتنة الطائفية في العراق وفي المنطقة.
يوم الخميس الفائت, عشية إقفال هذا العدد من «الكفاح العربي» شهدت منطقة التعمير القريبة من مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان مواجهة مسلحة بين الجيش اللبناني وجماعات متطرفة تتبنى التكفير نهجاً عقائدياً وسياسياً وتجهر بالعداء للأنظمة التي تتعاون مع الغرب, ومن بينها النظام اللبناني. الحادث أعاد الى الذاكرة الصدامات السابقة التي تولاها التكفيريون في الضنية والاشرفية وقصر العدل في صيدا, والتي اعتبرت انذارات متلاحقة للدولة اللبنانية التي تحاكم اليوم عدداً من أنصار «القاعدة» بتهمة ارتكاب جرائم سياسية والتحريض على الارهاب.
انها البداية في مواجهة قابلة للاتساع, في الساحة الجنوبية كما في الداخل, على خلفية مواجهة قوات اليونيفيل, ومواجهة «حزب الله» ومواجهة اسرائيل, ولبنان ساحة نموذجية لهذه المواجهات الثلاث.
بديع قرحاني
المصدر : الكغاح العربي
إضافة تعليق جديد