دولة الخرافة الإسلامية
من سمات مراكز الدراسات المتطورة استشراف المستقبل والعمل على صناعته بدلاً من انتظاره أو توقعه، وهذا ما يميز مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في دولة الإمارات، ومن هنا نرى أهمية انعقاد مؤتمر: بناء الدولة تحدي ما بعد انتهاء الصراعات الداخلية في دول التغيير العربية، خلال هذا الأسبوع.
الدولة العربية الوطنية تواجهها تحديات كثيرة اقتصادية واجتماعية وأمنية، لعلي في هذا المقال أشير إلى أحد أهم هذه التحديات والتي تبنتها كافة الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، إنها فكرة انتهاء الدولة الوطنية تحت دعوى الخلافة الإسلامية. كلمة حق أُريد بها باطل، ولحن تفننت جماعات الإسلام السياسي في عزفه خلال العقود الماضية في المنطقة، الإسلام هو الحل، ومن يرفض هذه الفكرة، لكنه شعار لقطف ثمرة، وبعدها يكتشف دعاة هذه الفكرة. إن صيرورة الحياة تتطلب نوعاً من الفكر البراجماتي، الذي جعل فكرة الإسلام هو الحل رأياً قابلاً للنقاش، وأضحى دور دعاتها البحث عن المخارج الشرعية، التي تمكنهم من إقناع المريدين بأن هذا الشعار ليس من الواجب تطبيقه على الفور، بل لا بد من التدرج في تبني هذا الأمر، والقضية تحتاج إلى عقود من الزمن، وترجعنا إلى نقطة البداية.
اسمحوا لي أن أشارككم هذا الحوار الذي جمعني مع أحد الشباب «المتحمس»، والذي يمثل ثمرة واضحة لتيارات الإسلام السياسي، بدأ الحوار عندما سألني عن نماذج للدولة المسلمة، تفاجأ عندما ذكرت اسم دولته التي ينتمي لها، وهي من دول الخليج العربي، تبسم ساخراً من قولي، وبدا في ذكر ملاحظاته على دولته، والمخالفات الشرعية من «وجهة نظره» التي توجد في بلاده، أردت أن أزيد من فهمي لموقفه، فقلت له مع تحفظي على ماذكرت ما رأيك في المملكة العربية السعودية بلد الحرمين؟ ذكر لي قائمته التي يحفظها من الملاحظات. طلبت منه عندها أن يذكر لي هو نموذجاً مقتنعاً به للدولة الإسلامية تفاجأت عندما أشار إلى تركيا، شكرته على صراحته. وعقبت بقولي، مع تقديري لكل المنجزات التركية وخصوصاً التطور الاقتصادي الذي تحقق في السنوات العشر الأخيرة، لكنها دولة ديمقراطية إنْ كان من يحكمها اليوم ذو توجه إسلامي، فالتاريخ يقول لنا إن الديمقراطية لا تدوم فيها الأحزاب، فهل سيبقى النموذج التركي هو المثل لديك، وحتى إنْ حكمها حزب شيوعي؟ تلعثم صاحبي، وأضفت إلى ما سبق نفس الملاحظات التي ذكرها حول دول الخليج العربي، وختمت حديثي بالقول: إن تركيا دولة مسلمة علمانية السياسة، ثم صدمته بقولي بكل صراحة: أنت ترى النموذج التركي لأنه يحتضن رموز التنظيم الدولي الذي تنتمي إليه، ولو قررت تركيا طردهم ربما لن تكون النموذج الذي تؤمن به.
لم ينته الحوار مع صاحبي، لكنه سألني عن رأيي في الخلافة الإسلامية. وأنا لا أدعي إلمامي بكل تفاصيل السياسة الشرعية، لكن من يدرس التاريخ ويقارنه بالتشريع، يرى أن الإسلام كدين لم يأت بنموذج واحد للدولة وأمر المسلمين بتبنيه، لكن من عظمة هذا الدين الخالد الذي يتصف بالمرونة وهي سر انتشاره وبقائه ومناسبته لكل الحضارات عبر القارات، نجد أن الله سبحانه وتعالى زودنا بقواعد كلية في سياسة الناس مثل قوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»، ثم ترك للبشر ميداناً للاجتهاد في تطبيق هذه القواعد، ففي عصر الخلفاء الراشدين كان لدينا نموذج للدولة المسلمة، ثم نموذج الأمويين فالعباسيين وهكذا، حتى أتى زمن العثمانيين، ثم قيام الدول الوطنية بعد التحرر من المستعمر، وهكذا يتطور مفهوم الدولة. أما عصابة «الخلافة الإسلامية» في العراق والشام، فهم واجهة غير مشرفة للإسلام أسميتها «دولة الخرافة الإسلامية».
خليفة علي السويدي
المصدر: الأوان
إضافة تعليق جديد