حلب.. إن حكت
أنا المطعونة خيانة مرات. أنا التي أوصيت أولادي بالتعقل، فاتهمني كثيرون بالخذلان! أنا السباقة، الشجاعة والباسلة، رموني بطلقات الجبناء!
أنا التي في كل أزمنة التاريخ، قاتلت آلاف المرات، آتون الي الآن بغزوة «مرج دابق» جديدة. السلطان سليم الاول يعود الآن باسم آخر من «القسطنطينية» زاحفاً لنشر ظلامها.
المذبوحة أنا من قبل، من هولاكو الى تيمورلنك، حاربت بأنفاسي الاخيرة فوق جماجم أبنائي لأحمي ما تبقى مني.. لهم.
أنا التي اكرمت التاريخ والانسان والثقافات. أنا المضيافة لقوافل التجار والشعراء والعشاق من كل الارض. أنا التي ارسلت ولدي سليمان الحلبي ليقتل رأس الغزو الفرنسي، حباً لمصر. وأنا التي كنت دوما عوناً لأهل لبنان، ولو خانني بعض «أمرائها» في «مرج دابق». اغفر ما شئت للتاريخ مهما ظلم، وأكون وفية متى شئت لذاتي، ولقلبي دمشق، ابادلها ما تتبادله الاخوات من همس وحب وأسرار، فكيف أكون أنا مجرمة بالوفاء!؟
وأنا شقيقة الموصل، منذ ألف عام او يزيد، واسألوا سيف الدولة الحمداني. وكما كنا وقتها، جاءنا الآن قاتل واحد، يريدنا سبايا في «خلافته»، جنودها بعضهم بلحى الضلال من الصحراء البعيدة، والبعض الآخر ببزات الخداع باسم الدين. وانا، انا التي كنت اذود عنهم في وجه الروم.
أنا الحضن لكل سوري، وأنا المنارة الرائدة والواهبة بسخاء. اهديت بلادنا سعد الله الجابري وأمين الحافظ وابراهيم هنانو، فلماذا جاءت عصابات من سواد التاريخ، لتقتلني؟!
أنا التي خرجت حمية للدفاع عن كل العرب. في العام 2003، مشيت احتجاجا مع كل ابنائي حبا بالعراق. ولفلسطين معي حكايات تطول وتروى منذ ما قبل غزوات الصليبيين. وما اكن للبنان، المقتطع هو الاخر من جسدي السوري، هو ذاته ما اكنه، لدمشق وحماه وتدمر وحمص...
وها أنا صامتة الآن. أنا الشهباء التي صارت خراباً. متروكة انا في صمتي وقهري الأكبر من كل أوجاع الدنيا.
أنا أمكم، وخائفة لو انكم لا تدرون. وبعض بناتي عطشى. ولي أوفياء على أسواري. والمضلل من ابنائي خذل ترابنا المقدس. أبكيهم احياناً وأرثي لحالهم، لكن الذئاب من حولي كثيرة.. وانتظاري لنخوتكم، صار طويلا.. طويلا.
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد