مؤتمرات المانحين: القليل من المال والكثير من الوعود
الجمل: مؤتمر المانحين، الذي ينعقد اليوم في باريس، هل يهدف إلى دعم لبنان كما تقول بنوده المعلنة، أم أنه حلقة جديدة تُضاف إلى جولات وحلقات مؤتمرات المانحين السابقة التي تم عقدها في باريس.
مع بدايات التصعيد السياسي في عملية الإضراب الأخيرة.. وفي وسط الاحتجاج الشعبي، صدرت التصريحات الغربية الآتية:
• في أمريكا صرح الرئيس جورج بوش عن رغبة الإدارة في تقديم الدعم المالي لحكومة السنيورة لكي تواجه (الرعاع) على حد تعبيره.
• في فرنسا جدد الرئيس جاك شيراك مطالبته سوريا بعدم التدخل وزعزعة استقرار لبنان.
كتبت آن غياران، المحررة الدبلوماسية في وكالة الاشوسيتيد بريس قائلة: إن الإدارة الأمريكية تسعى لتقديم ما يتجاوز ثلاثة أضعاف مساعداتها الاقتصادية إلى الحكومة اللبنانية التي ماتزال تعاني من الهشاشة والضعف. أما كوندوليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية، فصرحت قائلة: إن إدارة بوش تسعى لتقديم مبلغ 770 مليون دولار كمساعدات إلى لبنان، والمبلغ الذي يتوجب أن يقوم ا لكونغرس الأمريكي بالمصادقة عليه، سوف يستخدم في تمويل التنمية طويلة الأجل، وإعادة البناء والتعمير الجارية حالياً لما خربته حرب الصيف الماضي بين حزب الله وإسرائيل.
اجتماع مؤتمر باريس للمانحين، المنعقد اليوم، سوف يشارك فيه أكثر من 35 بلداً، والتوقعات تقول: إن حجم الدعم المخطط تقديمه للبنان سوف يكون في حدود 5 مليارات دولار.. كذلك سوف يكون هناك إدراج لاستثمارات خاصة سوف تقوم بها بعض المنشآت الأمريكية:
- سيتي كورب (citicorp) الأمريكية سوف تقوم بتخصيص 120 مليون دولار لعمليات الإقراض بواسطة ثلاثة مصارف لبنانية.
- سيسكو سيستم سوف يقوم مديرها بعقد اجتماع ومؤتمر صحفي مع كوندوليزا رايس وفؤاد السنيورة.
يقول التقرير: إن اقتصاد لبنان مازال في نفس حالته، برغم انعقاد مؤتمرين للمانحين أحدهما في باريس، والآخر في استكهولم.
كذلك يقول المسؤولون في واشنطن بأن ا لحكومة الأمريكية سوف تقدم 220 مليون دولار كمعونة عسكرية لحكومة السنيورة، وسوف يستغل هذا المبلغ في شراء الأسلحة الصغيرة الخفيفة، والعتاد، وقطع الغيار، وسيارات الهامفي الأمريكية.
لقد بدأت ظاهرة عقد مؤتمرات المانحين الدوليين لتقديم الدعم للاقتصاديات الناشئة والمتخلفة، أو التي خربتها الحروب أو الكوارث الطبيعية، بشكل جدي بدءاً من مؤتمر برايتون وودز الذي نظمته وزارة الخزانة الأمريكية، وترتب عليه ما عرف بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية.
ولكن، بعد مرور فترة من الزمن أصبحت مؤتمرات المانحين تستخدم كوسيلة لتصعيد الصراعات والنزاعات، وذلك بإدخال العنصر الاقتصادي والمالي كعامل محفز ضمن ديناميكيات الصراع، وذلك على النحو الآتي:
• عندما يتصاعد الصراع ويشتد وتكون نتيجته في غير صالح (المانحين)، فإنهم ينظمون اجتماعاً على وجه السرعة يقدم القليل من المال، والكثير من الوعود، وذلك تحقيقاً لهدف غير معلن يتمثل في تهدئة الصراع وتنفس ضغوط الأزمة، وكسب الوقت بما يتيح إعادة ترتيب الأوراق، لبدء لعبة الصراع لاحقاً من جديد.
• عندما تكون الأوضاع هادئة ومستقرة، بحيث تكون نتيجة الهدوء والاستقرار في غير مصلحة (المانحين)، فإنهم ينظمون اجتماعاً على وجه السرعة يقدم أيضاً القليل من المال والكثير من الوعود بمستقبل أفضل، على النحو الذي يحرك توازع الكسب وصراعات المصالح المتضاربة، ويبدأ اشتعال حرائق الصراع والنزاع.
إن مؤتمر باريس الثالث، المنعقد اليوم 25 كانون الثاني 2007م، والذي تزامن مع مواجهة حكومة السنيورة وقوى 14 آذار الحليفة للغرب، يتمنى الجميع ألا يكون مثل مؤتمرات باريس السابقة، والتي هدفت مقرراتها إلى برمجة عمليات الدعم المالي بتنفيذ الحكومة اللبنانية للأجندة والإملاءات الإسرائيلية- الأمريكية وحيدة الاتجاه، والتي تم إخفاؤها بعناية فائقة ضمن وبين سطور وكلمات وحروف ا لقرارات الدولية التي تم استصدارها من مجلس الأمن الدولي بواسطة أمريكا وفرنسا وبريطانيا دعماً لإسرائيل.
مؤتمر باريس-3 هل سيقدم الدعم لإعادة إعمار وتنمية لبنان مما خربته الاعتداءات الإسرائيلية، أم أن سوف يكون مجرد أرقام على ورق، يتم سردها ضمن بيان ختامي يعد اللبنانيين بتقديم كذا وكذا بشرط أن يفعلوا كذا وكذا.. وفي نهاية الأمر يكشف اللبنانيون أن المانحين سوف يأخذون منهم (كل شيء) مقابل منهم (لا شيء) سوى الديون الباهظة التكلفة، التي ترفع وطأة وسخونة الدين في الأسواق اللبنانية ناراً على نار.
هل يهدف المانحون حقاً إلى دعم لبنان، أم أنهم يهدفون إلى إطالة عمر حكومة السنيورة وقوى 14 آذار في وجه الانتفاضة الشعبية اللبنانية، وهي إطالة عمر ترغبها وتريدها إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك لإدراك هذه الأطراف، بأن الخدمات التي سوف تقدمها قوى 14 آذار لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وتجريد سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية بحيث يكون لبنان أعزلاً أمام حرب الصيف القادم المحتملة التي تحضر لها إسرائيل حالياً.
إن دعم لبنان بالمال وبالموارد الاقتصادية، هو مطلب يلبي رغبة كل دول منطقة شرق المتوسط وبالذات سوريا، والتي ظل اقتصادها يتحمل التداعيات السالبة للأزمات الاقتصادية اللبنانية في كل الفترات السابقة. أما إسرائيل فمن الممكن أن تكون الدولة الوحيدة في منطقة شرق المتوسط التي ليست لها مصلحة في دعم لبنان ولو بدولار واحد، وعلى أصدقاء أمريكا وإسرائيل من قوى 14 آذار ألا يتعجبوا كثيراً إذا فاجأتهم الحقيقة القائلة: إن إسرائيل تمارس نفوذها على فرنسا وأمريكا، من أجل تقديم القليل من المال، والكثير من الوعود للحكومة اللبنانية، لكي تنفذ لها كل شيء، وفي نهاية الأمر لا تحصل على شيء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد