هل بدأ احتضار داعش؟
الجمل ـ *بقلم جان بيرييه ـ ترجمة رنده القاسم:
كانت مسألة التجنيد في ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) محور نقاش المحللين خلال السنوات الماضية، و قبل أقل من سنة ، ازداد عدد المتعاطفين مع داعش الراغبين في الانضمام إلى صفوف هذه المنظمة الإرهابية. و لكن الوقت قد تغير و داعش تمر بفترة صعب فيما يتعلق بتجنيد أفراد جدد.
و كما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية ، من المرعب بشكل خاص فكرة تعبئة إرهابيين من كل زوايا العالم لأجل القضاء على سكان مدنيين في العراق و سوريه بهدف مساعدة داعش على حيازة أراض بشكل سريع. و من الطبيعي قلق الحكومات الغربية حيال هذا الانضمام لداعش، لأنها ستواجه احتمال عودة الجهاديين المتمرسين في القتال إلى أوطانهم. و لكن الآن، و بعد ثلاث سنوات في القتال، أضحى هذا هو السلاح الذي يهدد داعش نفسها، لأن المقاتلين الأجانب فيها يغدون بسرعة أحد أكبر عوائقها.
و كما ذكرت الصحيفة الألمانية Die Welt بأن داعش، و لأجل سد نقص المقاتلين في صفوفها بعد الهجمات الإرهابية في بروكسيل، بدأت بتجنيد أفراد جدد عبر رسائل الخليوي القصيرة (SMS). و الشباب المسلمون في بروكسيل، بما فيهم أولئك المنتمون لتجمع مولينبيك (Molenbeek )، الذي يعتبر التربة الخصبة للمشاعر المتطرفة، استلموا الرسالة التالية :"أخي! لماذا لا تقاتل الغرب؟ اتخذ القرار الصحيح في حياتك!"...
Sueddeutsche Zeitung الألمانية ناقشت أيضا الاستخدام المفرط لشبكة الانترنيت من قبل المسؤولين عن التجنيد في داعش في محاول للعثور عل مقاتلين محتملين لأجل هجمات إرهابية جديدة، و استشهدت الصحيفة بمعطيات من قبل الشرطة الألمانية. و قد أنشأ بوليس الدولة في بافاريا الألمانية ما يسمى "لجنة تموز الخاصة" مهمتها مواجهة هذه الظاهرة، و يرى أفرادها أن المتطرفين يفحصون شبكة الانترنيت بهدف العثور على شبان يمكن تلقينهم أفكارهم السامة. و عندما يتم استدراجهم يتواصل معهم مرشدون من داعش لتزويدهم بالنصائح المتعلقة بأهداف من أجل هجمات إرهابية و لتحريضهم على قتل الأشخاص.
و التهديد المتنامي لهجمات إرهابية في أوروبا، من قبل مخربين يتلقون التعليمات من داعش عبر الانترنيت، أمر أعلن عنه هانس جورج ماسينيا ، المسؤول عن المكتب الفدرالي لحماية الدستور، ووفقا لهذا المكتب، غالبا ما يستخدم المتطرفون في ألمانيا موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، و خدمة الرسائل الفورية مثل واتساب و تيليغرام من أجل العثور على متطوعين. و ذكر المكتب الفدرالي لحماية الدستور أن 12 من أصل 15 هجوم إرهابي ارتكب في أوروبا خلال السنتين الماضيتين نفذ من قبل أشخاص غريبي الأطوار.و في بعض الحالات عثرت الشرطة على دليل حيازتهم على تعليمات من قبل داعش عبر شبكة الانترنيت.
أما بالنسبة لانتشار المتطوعين الأجانب على أرض المعركة الفعلي، فليس سرا أن داعش تستخدم تمييزا عميقا في ترتيبها العسكري، فموقع المقاتل يعتمد على جنسيته، و قد أعلن بأن الأميركيين و الأوربيين و الأوربيين الشرقيين (بما فيهم الروس و الشيشان) يحتلون المواقع الإدارية المتوسطة في المحطات و معسكرات التدريب و الخطوط الأمامية من القواعد العسكرية، و يستخدم المقاتلون الصينيون (وسط آسيه) في داعش كمفجرين انتحاريين. أما العرب فينقسمون إلى مجموعتين، أولئك الذين يحتلون أعلى المواقع القيادية و آخرين في أدنى مواقع ممكنة.
و لكن ، و وفقا لأقوال مقاتلين محليين من داعش، فإن المقاتلين الأجانب يخلقون اضطرابا أكثر من كونهم مفيدين في أرض المعركة. فعجز المقاتلين الأجانب، أو عدم استعدادهم للتعاون مع المقاتلين المحليين أسفر عن سباق مهلك من أجل المال و السلطة، رغم وجوب أن يكون واضحا منذ البداية بأن كلا من المقاتلين الأجانب و المحليين يملكون أهدافا مختلفة. و قد اعتقد المقاتلون المحليون أن الآخرين الأجانب الغربيين مؤمنون حقيقيون ذو خبرة و ثقافة عالية، و لكنهم يرونهم الآن سفاحين. و علاوة على ذلك، عندما يصل الخلاف بين مقاتلين محليين و أجانب إلى محاكم داعش، يجبر المقاتلون الأجانب القاضي على إنزال أقسى العقوبات (مثل الإعدام) بحق المقاتلين المحليين المخالفين لهم.
و لهذا ، فإن التقدم الناجح ضد داعش ليس وحده العامل الذي سيؤدي إلى الزوال السريع لهذه المنظمة الإرهابية، بل أيضا المنافسة بين السكان الأصليين و المهاجرين على السلطة في داعش و بقية المجموعات الإرهابية ما يمنح الأمل بالنصر على هذا الطاعون الأسود في زمننا. و لكن يمكن القول أن هذا النصر لا يمكن تحقيقه بشكل سريع إذا لم يكن هناك تعاون شامل في النشاطات المعادية للإرهاب من قبل لاعبين دوليين متعددين، و مع ذلك يبدو الغرب عوضا عن ذلك ممتازا جدا في سعيه نحو المواجه مع روسيا.
* باحث و محلل
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد