قلق في تل أبيب: قمة أنقرة كرّست هوية المنتصرين
تابعت إسرائيل باهتمام وقلق القمة الثلاثية في أنقرة التي جمعت رؤساء إيران وروسيا وتركيا. وانعكست المخاوف في مواقف الخبراء والمعلقين الذين تناولوا الحدث – القمة، عرضاً وتحليلاً واستشرافاً لمفاعيلها، من زاوية أنها تأتي تجسيداً لموازين القوى الاقليمية على الساحة السورية، وكونها تعكس وجهة التطورات على الساحة السورية، وهوية الجهات الاقليمية التي ترسم المسار السياسي السوري الذي يتبلور انعكاساً لانتصارات الجيش السوري وحلفائه.
ما يرفع من مستوى القلق في تل أبيب، أن قمة انقرة تؤشر في الوعي والحسابات الإسرائيلية إلى الغياب الفاعل للولايات المتحدة الأميركية الذي انعكس بالضرورة ضعفاً في حضور إسرائيل غير المباشر على الطاولة. وفي الموازاة، قدمت القمة إيران كقوة أساسية في حل المسألة السورية. وهو ما أغضب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ودفعه إلى القول إنه «لا حدود للسخافة. أخطبوط الإرهاب الإيراني يتهم إسرائيل بالإرهاب».
أيضاً، من الصعب الفصل بين توقيت الاتصال الذي أجراه نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن كل ما يتعلق بالمسار السوري، ومن ضمنه هذه القمة (وايضاً إعلانه عزمه على الانسحاب من سوريا)، حيث أكدت التقارير أن الحديث بينهما تركز على الوجود الإيراني المتزايد (في سوريا)، والممر البري الذي يحذر منه، من طهران حتى دمشق وصولاً إلى بيروت». وحاول نتنياهو التأكيد للرئيس الأميركي أن هذا الوجود «لا يلحق ضرراً فقط بالمصالح الإسرائيلية بل أيضاً بالمصالح الأميركية».
لم يقتصر هذا الاهتمام الاستثنائي بالقمة على المستويين السياسي والاعلامي، في تل أبيب، بل طال المؤسسة الأمنية التي أكدت التقارير الإسرائيلية أنها تابعت القمة بقلق نتيجة «غياب إسرائيل عن رسم المشهد النهائي في سوريا». ورأى المعلق العسكري للقناة العاشرة، أور هيلر، أن «قمة هذا المحور، كما نحب أن نسميه في إسرائيل... تؤشر في الواقع إلى نهاية، أو اقتراب نهاية الحرب الأهلية في سوريا. وما هو محزن من ناحية إسرائيل، من ناحية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن من يبلور مستقبل سوريا، بالتأكيد لسنا نحن ولا حلفاؤنا الأميركيون، بل الروس، الأتراك والإيرانيون، الذين مصالحهم بالتأكيد ليست مصالح إسرائيل. لذلك، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات، يبدو لي، أنها تتابع الموضوع وما يقال هنا في الغرف المغلقة».
وحضرت المقاربة الإسرائيلية للقمة، أيضاً، من زاوية كونها تعبّر عن هوية المنتصرين على المستوى المحلي والاقليمي والدولي. ورأى الخبير في شؤون الشرق الاوسط، ايال زيسر، أن «من انتصر في سوريا ليس بشار الأسد وحده، بل جزء كبير من الشعب السوري أيضاً الذي كان مستعداً لدعمه. المهم بالنسبة إلينا حقيقة أن الإيرانيين لديهم شرعية روسية وبدرجة معينة موافقة تركية، وأعتقد أنّ ما يحصل أكبر منّا». وبالقياس إلى ما كانت تراهن عليه إسرائيل وتأمله من الساحة السورية، أقرّ الرئيس السابق لوحدة الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، عاموس غلعاد، بأن «السيناريو الأسوأ هو الذي تحقق»، مضيفاً أنّ «الأمر الأهم هو أن الرئيس الأسد نجح في الصمود، بالدعم المكثف من قبل روسيا وبدعم قوي جداً من إيران وبدعم من حزب الله، وان كل التوقعات انه سيختفي قد تلاشت، وهو بقي». وحذر من الخطة الايرانية لبناء حزب الله ثان في الجولان، لافتاً إلى أنّ الإيرانيين ليسوا بحاجة إلى مصادقة الروس والاتراك.
مع ذلك، نقلت قناة «كان» عبر مراسلها في أنقرة، عن مصادر رفيعة المستوى في الحكومة التركية، أن «لإسرائيل وتركيا مصالح مشتركة في الحرب السورية، وهما يمكنهما التعاون». وأضافت المصادر التركية أنه «توجد للدولتين مصلحة في تعزيز المسلحين ضد نظام الأسد. أنتم تفعلون ذلك في الجنوب، في الجولان، ونحن نفعل ذلك في الشمال». ووصف المراسل السياسي في العاصمة التركية هذا الموقف بأنه «رسالة مفاجئة، وإيجابية هنا في أنقرة».
لكن مشكلة إسرائيل المتفاقمة، أن قمة أنقرة وما تنطوي عليه من رسائل اقليمية، تزامنت مع الأزمة التي افتعلها الرئيس الأميركي حول نيته الانسحاب من سوريا، وأيّاً ما كان سيؤول إليه هذا المسار الأميركي المستجد في المدى القريب، لكنه عزّز المخاوف الإسرائيلية من امكانية حصول تحولات مفاجئة في أي مرحلة لاحقة. وهو ما يجسد ضعف الغرب عموماً، والولايات المتحدة تحديداً في كل ما يجري في الساحة السورية.
ومع أن إسرائيل كانت تراهن على أن تسهم التباينات بين الأطراف الثلاثة في تفرّقهم، إلا أن محللين إسرائيليين توقفوا عند ما اعتبروه نجاح الاطراف الثلاثة في وضع خلافاتهم جانباً والاتحاد ضد إسرائيل والولايات المتحدة. ورأى محرر الشؤون الخارجية في قناة «كان»، موآف فردي، أن «الصور (في أنقرة) غير مشجعة لأنها تظهر إلى أيّ حدّ هذه العلاقة معقدة، الى أيّ حدّ قوية ولا يمكن وصفها. فعلى سبيل المثال، بوتين ربما لا يريد إيران، لكن لا يمكنه أن يقول لها أن ترحل غداً صباحاً، كذلك فإن أردوغان الذي يريد أن يرحل الأسد لكنه لا يستطيع التسبب في ذلك غداً صباحاً. إسرائيل في الواقع تأمل ان لا يتدهور الوضع القائم أكثر ممّا هو متدهور الآن بالنسبة إليها». ووصف «فردي» الواقع المتشكل في الساحة السورية، بلحاظ مصالح الأطراف الثلاثة التي اجتمعت في أنقرة، بالقول إن «كل واحد يحافظ على مصالحه من دون المس بمصالح الآخر». لكن من ناحية إسرائيل فهي «تريد أميركا قوية في الشرق الأوسط لأن البديل منها هو فراغ تدخل إليه، كما هي العادة، قوة ليست إيجابية لإسرائيل، كما في هذه الحالة التي نتحدث عنها، مثل أردوغان وروحاني وغيرهما». وحذّر محرر الشؤون الخارجية من الرسائل التي تنطوي عليها قمة أنقرة، «مع أن أميركا لم تغادر حتى الآن، والذئاب الثلاثة يفركون أيديهم بسرور، وفي الواقع القيام بما هم يريدون، من دون أي كلمة أميركية تفتقدها كثيراً الحكومة الإسرائيلية في القدس».
على خلفية المشهد في أنقرة، والرسائل التي تتوالى من واشنطن، رأت المعلقة السياسية في قناة «كان» غيلي كوهين، أن «المصلحة الاسرائيلية التي تتعمق شيئاً فشيئاً، هي تعزيز العلاقات مع موسكو، لأن موسكو ــ بوتين هي اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، أما ترامب فيقول إنه يريد إخراج القوات الأميركية وهو ينوي إخراجها، وعلى ما يبدو انه في النهاية سيحصل ذلك. والصديقة الوحيدة التي ستبقى في الشرق الأوسط هي روسيا، ولذلك إسرائيل لم تُدن التورط الروسي في الهجوم الكيميائي (في بريطانيا)، وأيضاً قامت بعدة خطوات لإبقاء روسيا قريبة منها».
علي حيدر - الأخبار
إضافة تعليق جديد