إبحار سوري جدّي إلى حيث تطبيقات ” عصفور باليد”…
يمكن القول إن ملامح التوجه شرقاً بدأت بالتبلور أكثر فأكثر، فقبل الزيارة الحالية للوفد الحكومي برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل، أبدت روسيا استعدادها لاستيراد الخضراوات والفواكه السورية، ونذكر أن نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري راغوزين نوه في تصريح له منذ نحو عامين بجودة المنتجات الزراعية السورية، وذلك خلال الإعلان عن التوقيع على اتفاقية “الممر الأخضر” لتصدير الفواكه والخضراوات السورية إلى روسيا.
تفعيل
وسبق ذلك ما قامت به وزارة الاقتصاد من مساعٍ باتجاه تفعيل مجلسي الأعمال (السوري – الصيني، والسوري – الروسي)، لتوطيد العلاقات التجارية مع الشركاء الفعليين، وذلك ضمن سياق تنشيط عمل مجالس الأعمال المشتركة وزيادة حجم التبادل التجاري بين سورية والصين وروسيا الاتحادية، والعمل على فتح قنوات مصرفية مباشرة مع الجانب الصيني لتسهيل التبادل التجاري، وإمكانية فتح خط نقل جوي مباشر بين بكين ودمشق، ودعوة الشركات الصينية والروسية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار، والعمل على تصدير المنتجات السورية ذات الميزة النسبية لكلا البلدين والترويج للمنتجات السورية عبر المواقع الإلكترونية ذات الفعالية الكبيرة. إلى جانب تعهد الوزارة العمل على تذليل كافة العقبات والقيود التي يواجهها مجلس الأعمال السوري الروسي أثناء تأديته لمهامه، بحيث يكون هناك تنسيق وتكامل بين الوزارة والمجلس بما يساهم في تحقيق أهدافهما في توسيع وتنشيط التعاون مع روسيا الاتحادية في إطار تحقيق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف وبما يتناسب مع مستوى العلاقات الاستراتيجية السورية الروسية.
توقع حكومي
وبالعودة إلى الزيارة الحالية للوفد الحكومي إلى إيران فقد بين وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور محمد سامر الخليل في تصريح له أنه أجرى مجموعة من اللقاءات مع مجموعة من الوزراء والمسؤولين في الحكومة الإيرانية إضافة إلى الشركات الإيرانية الراغبة بالتعرف إلى الفرص المتاحة للمشاركة في إعادة إعمار سورية، متوقعاً أن ينتج عن الزيارة الاتفاق على مجموعة من النقاط والتي من شأنها إحداث نقلة نوعية على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين سواء على المستوى الحكومي أم على صعيد فعاليات الأعمال.
بين التكتيك والاستراتيجية
لعل أبرز ما يجب التركيز عليه في علاقتنا مع الشركاء التجاريين المحتملين هو اعتماد شركاء جدد أكثر وأشد حاجة إلى منتجاتنا من الشركاء الأوروبيين من جهة، والاستفادة من حالة التكامل بالتعامل معهم من جهة ثانية، بحيث يفتحون أسواقهم لمنتجاتنا، ونستقطب خبراتهم العلمية والتكنولوجيا لرفع سوية إنتاجنا، وهنا على سلطتنا التنفيذية العمل على اتجاهين؛ الأول تكتيكي ويتمثل باستدراك الواقع الحالي وترميمه، بحيث نتمكن من تجاوز الأزمة بأقل الخسائر الممكنة إثر العقوبات التي فرضها شركاء الماضي، والاتجاه الثاني استراتيجي يعتمد على وضع خطط مستقبلية ترتكز على تطوير آليات التعامل الاقتصادي، وفي مقدمتها الزراعة لكون سورية بلداً زراعياً بالدرجة الأولى.
منتجات منافسة
كما أن مقتضيات المرحلة بالذات تستدعي حشد كل الإمكانيات لإقامة علاقات تعاون استراتيجي مع الدول المرشحة كبديل عن أوروبا، وفق شروط تلزم جميع الشركاء باستيعاب منتجاتنا الزراعية، وعلى جهاتنا الحكومية المعنية أن تستفيد من أخطاء الماضي بحيث تعتمد مبدأ التعامل بالمثل، وألا تدخر جهداً لترسيخ الصادرات السورية كمكون لا يمكن للشركاء الاستغناء عنه، وذلك من خلال الاهتمام البالغ بتلبية حاجات أسواقهم وفق المواصفات والمعايير المطلوبة من قبلهم، لنصل إلى مرحلة التفرد بتغذية هذه الأسواق دون غيرنا، مع الإشارة إلى أن سورية منافس قوي بكثير من المنتجات الزراعية الخاصة مثل حبة البركة والتوت الشامي وكذلك الكرز حيث إنه منتج منافس في كثير من دول العالم. مع التذكير بأن هناك عدداً لا بأس به من دول آسيا وإفريقيا مثل ماليزيا والهند وجنوب إفريقيا وغيرها، لابد أن تكون تحت مجهر هذا التوجه، فهي دول مشهود لبعضها بالتنمية الاقتصادية، وبعضها الآخر يبحث عن موارد زراعية بغية تحقيق أمنه الغذائي، وتبعا لذلك فإننا أمام فرصة علينا اغتنامها لتحقيق شراكة تكاملية بعيدة عن الغبن، فالصين رغم مساحتها الشاسعة -على سبيل المثال- تسعى للبحث عن أراضٍ جديدة للاستثمار الزراعي، كونها تمتلك كتلة بشرية هائلة مستهلكة، وبنفس الوقت لديها الإمكانيات الكبيرة لتصنيع الآلات الزراعية، إلى جانب مقدرتها على تحسين الأصناف الزراعية، وكان لها تجربة سابقة باستثمار أراضٍ زراعية في أنغولا لزيادة إنتاجها الزراعي، وهنا يمكن الاستفادة من هذه التجربة ولكن بشروط سورية سيادية، وعبر اتفاقيات وبروتوكولات تعاون تحفظ حقوق الطرفين، بحيث نستقطب الصينيين للاستثمار الزراعي في سورية، ليس بهدف تحسين مستوى الإنتاج لدينا فحسب، بل لفتح سوق جديدة لتصريف ما تنتجه أراضينا من جهة، وإيجاد فرص عمل من جهة ثانية، وتوطين تكنولوجيا زراعية من جهة ثالثة، والأهم من ذلك هو فتح شراكة زراعية استراتيجية مع دولة كبرى تسعى لأن تكون أحد أقطاب العالم.
خيار المعارض
وفي سياق متصل تجدر الإشارة إلى التوجه الحكومي نحو اعتماد المعارض كخيار مهم باتجاه تسويق منتجاتنا المحلية، وبالفعل قد بدأ هذا التوجه بإيتاء ثماره، حيث يمكن اعتبار أبرز المكاسب المتمخضة عن معرض البيع المباشر للمنتجات السورية الذي أقيم مؤخراً في بغداد وحمل عنوان “صنع في سورية”، أن المنتج التركي بدأ يستشعر منافسة نظيره السوري ولو نسبياً في السوق العراقية، إذ سرعان ما أعلنت الحكومة التركية دعماً أكبر لصادراتها لجهة الشحن، فبعد أن كانت تدعم الشحن الجوي بواقع 75 سنتاً للكغ الواحد، سارعت إلى زيادة هذا الدعم بواقع 1.2 دولار للكغ المصدر إلى العراق وذلك وفق إعلان نشرته إحدى كبرى شركات الشحن التركية تضمن أيضاً عروضاً خاصة للمبيت والإقامة، ويأتي هذا الإعلان –حسب بعض المراقبين- إثر احتدام المنافسة بين المنتج السوري ونظيره التركي، الذي تولد نتيجة التوجه الحكومي بدعم الشحن الجوي للصادرات السورية.
يذكر أن الأرقام التي تتحدث عن ارتفاع حجم الشحنات المستوردة من سورية إلى روسيا ارتفع بنسبة 274% مقارنة بالعام 2015، إذ بلغت قيمة المنتجات السورية الموردة نحو 7 ملايين دولار خلال 2016 مقابل 2 مليون دولار خلال 2015، تنبئ بمؤشرات مستقبلية تستحق حشد الجهود لتنميتها قدر المستطاع، وهنا نشير إلى ضرورة ألا يكون التعامل الاقتصادي مع الدول مجرد تكتيك آني، فالأصح أن يكون استراتيجياً، كما يجب أن يكون التوجه شرقاً بآليات جديدة مختلفة عن السابقة، وذلك عبر شركات ومؤسسات وجمعيات وطنية تعمل ضمن منظومة اقتصادية مدروسة، خاصة في المجال الزراعي واستثمار الأراضي، والاستفادة من هذه الدول بموضوع التكنولوجيا والتجهيزات والمستلزمات الزراعية، شريطة أن تكون معايير هذه الشراكة وفق السيادة المطلقة للدولة، وألا تكون أسيرة لأي جهة كانت، وما سبب فشل تجربتنا باستثمار أراضٍ زراعية في السودان –قبل الأزمة- إلا نتيجة غياب العمل المؤسساتي المنظم
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد