محصول سورية من الكمأة يقدر بـ 20 ألف طن...قيمتها حوالي نصف مليار دولار
لا يزال سكان البادية السورية يتذكرون بكثير من الأمل عام 1988 حين أهدتهم السماء موسما وفيرا من “الكمأة”.
خلال العام الحالي، ومع تشديد الحصار الاقتصادي الأمريكي وبعض الأوروبي على سوريا، لم تتأخر السماء عن وهب السوريين موسما غير مسبوق من هذه النبتة مرتفعة القيمة الغذائية، والسعر أيضا.
أحد تجار الكمأة في حماة، ممن يعرضون بضاعتهم القادمة من باديتها ضمن أسواقها، “هذه النبتة يبذرها الرعد في الأرض، إنها هدية الله سبحانه وتعالى للسوريين هذا العام”.
ويقدر الخبراء الزراعيون الموسم الحالي لـ “الكمأة” في سوريا بما يقترب من 20 ألف طن تتوزع في مناطق قطافها على بوادي وأرياف حمص وحلب وحماة ودمشق والسويداء شرقا، ودير الزور والرقة جنوبا.
يرتبط ظهور هذه النبتة ارتباطا وثيقا بالبرق والرعد خلال الشتاء، وهي لذلك تدعى في بعض المناطق بـ “نبتة الرعد”، ويسود الاعتقاد الشعبي بأنها جنين يزرعه البرق في رحم الأرض لحظة سقوطه عليها.
ويقوم أبناء القرى والبلدات على امتداد البادية السورية المتوزعة بين محافظات الرقة حلب وحماة وحمص ودير الزور ودمشق والسويداء، بجمع الكمأة التي ليس لها بذار أو جذور، بل تتشكل نواتها من اتحاد النتروجين والهيدروجين بفعل الشرارة الكهربائية الناتجة عن البرق، والتي تدور فوق التراب جاذبة إليها الأملاح المختلفة التي تهبها قيمة غذائية تضاهي اللحوم.
ويعد موسم الكمأة الذي (يهبه الله وحده) كما يقول سكان الأرياف السورية، فرصة ذهبية لتلطيف التراجع الحاد في مواردهم جراء التخريب الممنهج الذي لحق بأراضيهم وسرقة معداتهم على أيدي العصابات الإرهابية المسلحة.
وتصنف الكمأة بين أغلى أنواع الفطر تبعا لندرتها المرتبطة باستحالة زراعتها، وقد يصل سعر الكيلو غرام منها إلى مستويات خيالية أحيانا، ففي إمارة دبي مثلا، اشترى الشيف الصيني الشهير في هونغ كونغ تشن شيانغ دونغ عام 2016، أكبر حبة كمأة إيطالية بيضاء تزن 1,170 بـ 117 ألف دولار.
بطبيعة الحال، فالكمأة السورية لا تشهد مثل هذه الأسعار، إذ تراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها في أسواق حماة هذا العام بين 3 آلاف ليرة سورية (نحو 7 دولار، وفق أسعار الصرف الرسمية) و8 آلاف ليرة (نحو 19 دولار)، مسجلة بذلك انهيارا كبيرا في أسعارها قياسا بالعام الماضي.
أما في أسواق دمشق وحلب حيث الطلب الأوسع، فقد وصل سعر كيلو غرام الكمأة إلى 25 ألف ليرة (حوالي 58 دولار) لبعض الأنواع.
النوعيات الأنسب وزنا وجودة، تذهب إلى الأسواق التصديرية بأسعار أعلى من المحلية بكثير.
يعزو تجار الكمأة تراجع الأسعار الحاد هذا العام، إلى تسويق كميات كبيرة وخير وفير على حلفية موسم الأمطار الاستثنائي الذي شهدته سوريا هذا الشتاء، وما رافقه من عواصف رعدية وكثافة في البرق الهابط من السماء على أراضي الصحراء.
ومع ذلك، ووفق حسابات وسطية تقريبية، وقياسا بتوقعات التسويق عند 20 ألف طن من الكمأة هذا العام، فإن برق السماء يكون قد أهدى المزارعين السوريين ممن يعانون جور الحصار الغربي ومنعكسات الإرهاب، ما يقترب من نصف مليار دولار.. هكذا، بلا مقابل.
خلال الأعوام الماضية التي شهد مواسم شحيحة بالأمطار، قارب سعر كيلو غرام الكمأة في الأسواق السورية الـ 100 دولار، فيما بيعت أصناف محددة من هذه النبتة بأكثر من ذلك، إلا أن تدني كميات تسويقها بشكل كبير جدا، منع تأثيرها الاقتصادي على حياة القرويين.
على الجانب الآخر، فلم تخل عمليات قطاف الكمأة هذا العام من الأحزان، فخلال الأسبوعين الأخيرين، لقي عشرات القرويين حتفهم خلال قيامهم بجمعها من الأراضي جراء انفجار ألغام من مخلفات تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” الإرهابيين، والتي لا زال الكثير منها مدفون في أراضي البلاد.
منطقة وادي العذيب عند أقصى ريف حماة الشمالي الشرقي، شهدت قبل أسبوعين مصرع 24 قرويا خلال جمعهم للكمأة بانفجار حقل ألغام زرعه إرهابيو «جبهة النصرة» قبل طردهم من المنطقة على أيدي الجيش العربي السوري.
وأول من أمس، قضى 5 قرويين آخرين نحبهم أثناء بحثهم عن الكمأة في محيط قرية “تيارة ماضي” التابعة لمنطقة دير حافر
سبوتنيك
إضافة تعليق جديد