الخارطة اللغوية لشعوب المنطقة
الجمل: يرتبط واقع الخارطة اللغوية، بواقع الخرائط الاثنية والدينية، وقد ظلت هذه الظاهرة تمثل عاملاً رئيسياً يلعب من بين عوامل أخرى الدور الهام في الواقع الجيوسياسي الماثل حالياً.
الخارطة الاثنين تقول بوجود الجماعات الآتية من منطقة شرق المتوسط:
- العرب.
- الأتراك.
- اليهود.
- الإيرانيين.
- الأكراد.
- التركمان.
- الآشوريين والكلدانيين.
- الايزيديون.
- الصابئة المندائيين.
والجماعات الأكبر هي: العرب، الإيرانيين، والأتراك، وذلك من حيث العدد وحجم النطاق الجغرافي.
التداخل اللغوي بين هذه المجموعات ظل قائماً لفترة طويلة من الزمن، وقد استطاع العرب إدخال الكثير من مفردات اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، بسبب عالمين، الأول: هو انتشار الدين الإسلامي، والثاني: يتمثل في سيطرة العرب على التجارة ومعاملاتها على النحو الذي جعل من اللغة العربية لغة السوق والتعامل اليومي في عموم منطقة شرق المتوسط.
وبالمقابل استطاع الأتراك إدخال الكثير من مصطلحات ومفردات اللغة التركية إلى دائرة استخدام اللغة العربية، وحالياً توجد الكثير من هذه المفردات والمصطلحات، مثل: أكزخانة، خازندار، سنقدادار، حرملك، سلملك.. وغيرها. ونفس الشيء بالنسبة لمفردات اللغة الإيرانية (الفارسية).. أما اللغة العبرية فلم يكن لها أي نصيب في التفاعلات اللغوية التي حدثت في منطقة شرق المتوسط، وذلك بسبب:
- الانكفاء والانعزال الذاتي الذي كانت تفرضه الجماعات اليهودية على نفسها منذ القدم.
- ارتباط اللغة العبرية بالطقوس التلمودية السرية، التي يعتبرها اليهود (أسراراً مقدسة) يتوجب حجبها عن الآخرين.
- عداء الجماعات اليهودية للثقافات الأخرى، ورفضهم التعايش والتفاعل مع الآخر إلا ضمن الشروط الاستعلائية التي تعطي اليهود وضعاً متميزاً على الآخرين هما كان شأنهم.
- نزعة السيطرة اليهودية على المنطقة دفعت الآخرين إلى النفور ورد الفعل المقاوم إزاء كل نمط ثقافي يهودي، أياً كان نوعه.
فترة الاستعمار الأجنبي، التي أعقبت اتفاقية سايكس- بيكو، والتي أدت إلى تقسيم منطقة شرق المتوسط بين الفرنسيين والبريطانيين، أسهمت بقدر كبير في قطع الطريق على عملية التكامل والاندماج الثقافي واللغوي مثلت: العرب، تركيا، إيران.
وكان من أبرز العوامل التي عرقلت التفاعل الثقافي اللغوي يتمثل في قيام الانكليز والفرنسيين بفرض اللغتين الانكليزية والفرنسية كلغة رسمية للدولة والتعليم، ولغة ثانية في الشارع، على النحو الذي أدى إلى دفع النخب الاجتماعية باتجاه تعلم اللغات الأوروبية، وذلك بشكل أدى إلى تراجع الرغبة في تعلم اللغة التركية والفارسية في البلدان العربية، وأيضاً إلى تراجع الرغبة في تعلم اللغة العربية، في كل من تركيا وإيران.
كذلك فقد كان التراجع عن تعلم اللغة الفارسية والتركية في العالم العربي كبير، مقارنة بالتراجع عن تعلم اللغة العربية في تركيا وإيران، وعلى ما يبدو فقد لعبت الضرورة الدينية المتعلقة باعتبارات القرآن الكريم والعقيدة والفقه الإسلامي دوراً ملحوظاً في الإبقاء على جذوة اللغة العربية في كل من تركيا وإيران.
خرج الاستعمار منذ حوالي 60 عاماً، وظلت اللغة الفرنسية لغة ثانية في البلدان التي كانت تحت الحكم الفرنسي مثل سوريا ولبنا، والانكليزية لغة ثانية في العراق، وتركيا، وإيران، وفلسطين، والأردن، والتي خضعت جميعها للحكم الاستعماري البريطاني.
أدى تراجع الاهتمام بتعلم اللغات التركية والفارسية في المنطقة العربية إلى تراجع الحراك الديموغرافي، وإلى تراجع التفاهم الشعبي البيني المشترك، وقد انعكس ذلك سلباً على الكثير من التفاعلات المجتمعية، الثقافية، والدينية، والطائفية، والمذهبية.. وذلك على النحو الذي جعل النخب الثلاثة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط (العربية- التركية- الإيرانية) أكثر انعزالاً وانكفاء على الذات، بل وأكثر انفصالاً عن بعضها البعض.
انعكست العزلة على شعوب المنطقة الثلاثة، وعلى عملية التفاعل الثقافي، بشكل أدى إلى جعل خط الحدود السياسية التي تفضل البلدان العربية عن تركيا وإيران، يتحول إلى خط حدود ثقافي لغوي (عربي- تركي- فارسي)، وأيضاً إلى خط حدود طائفي (سني- شيعي).
وعموماً ماتزال الفرصة سانحة أمام دوائر صنع واتخاذ القرار، من أجل وضع البرامج والخطط الهادفة إلى تحقيق المزيد من التفاعل، وعودة الشراكة المجتمعية العربية- التركية- الفارسية، إلى وضعها الطبيعي الذي كان سائداً قبل الاستعمار البريطاني الذي سعى لفرض هوية اللغة الانجلوفونية، والاستعمار الفرنسي لفرض الهوية اللغوية الفرانكفونية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد