تركيا - مصر: حرب المصالح أم الأيديولوجيا؟
سيطر العثمانيون على ليبيا في عام 1571، قبل أشهر قليلة من الاستيلاء على جزيرة قبرص. تبيّن المعلومات التاريخية أن الكثير من عناصر الجيش الانكشاري العثماني بقوا في ليبيا، وخاصة في منطقة مصراتة، معقل الفصائل الإسلامية الموالية لحكومة «الوفاق». تقول بعض المصادر التاريخية إن البعض من هؤلاء يهود أو مسيحيون وشركس وقد أعلنوا إسلامهم وانضموا إلى الجيش الانكشاري مقابل وعود بتقاسم مكاسب الحرب، وأن البعض منهم سبق أن أقلّتهم السفن العثمانية من إسبانيا بعد سقوط دولة الأندلس عام 1592.
اليوم، تهتم أنقرة بـ«بقايا الحكم العثماني» في ليبيا، حيث قدّمت لحلفائها مختلف أنواع الدعم، المالي والعسكري والسياسي، وجعلت منهم قوة لا يستهان بها. وهي قوة تنضوي تحتها رايات مختلفة من الفصائل الإسلامية (أهمّها تلك التي يقودها عبد الحكيم بلحاج؛ كان مقرّباً من أسامة بن لادن، يقيم في إسطنبول ويتنقّل منها إلى ليبيا وأماكن أخرى، يحمل جواز السفر التركي، كما يملك شركة طيران تقوم بنقل المسلحين من سوريا إلى ليبيا). لا يخفي إردوغان، الذي أرسل جيشه إلى سوريا والعراق وليبيا والصومال وأفغانستان والبوسنة، دعمه لكل الإسلاميين في جميع أنحاء العالم، وخاصة «في الأماكن التي وطأتها أقدام العثمانيين». وهو ما يعكس الجانب العقائدي لتحرّكاته، ولا سيما في المنطقة العربية حيث الإسلاميون الذين يبدون كما لو أنهم بايعوا إردوغان، وهو بدوره يريد أن يستفيد منهم في مشروعه العقائدي والسياسي والاستراتيجي، وهو مشروع قد يحقق له مكاسب اقتصادية تساعده على تجاوز أزمته الاقتصادية والمالية الخطيرة. لكن بحسب أوساط المعارضة التركية، فإنه أساساً من أهم أسباب هذه الأزمة الاقتصادية والمالية هو ما هذا الذي يصرفه إردوغان على تواجده العسكري في دول المنطقة، وتسليحه وتمويله عشرات الآلاف من المسلحين في سوريا وليبيا والعراق (ثمّة معلومات تتحدّث عن فعّاليات وأنشطة سرية وعلنية لتركيا في لبنان واليمن وتونس بل وحتى العديد من الدول الأوروبية التي لم تعد تخفي قلقها وانزعاجها من هذه الفعّاليات التي تستهدف الأتراك وكل الجاليات الإسلامية وخاصة الجزائرية والمغربية والتونسية والسورية في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا التي اتهمت أنقرة رسمياً بالعمل على استهداف أمنها واستقرارها).
في ليبيا، تعدّ الأوساط العسكرية، الأميركية والأوروبية، الطائرات التركية المسيّرة المتواجدة بكثافة هناك سبباً رئيساً في الانتصارات التي حققتها قوات حكومة «الوفاق»، في الشهرين الماضيين. وهذه الانتصارات تسببت بتوترات جدّية؛ أوّلاً بين تركيا وشريكتها في «الأطلسي» فرنسا، ومع روسيا التي اتهمها إردوغان أكثر من مرة بإرسال مرتزقة إلى ليبيا لدعم قوات حفتر، كما هو الحال الآن في مطار الجفرة ومدينة سرت وفق الإعلام الموالي لإردوغان. كما حرّكت هذه الانتصارات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن سرت-الجفرة خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه. ودفع ذلك القاهرة لحشد قوات كبيرة على الحدود مع ليبيا، وإرسال كمّيات كبيرة من الأسلحة والمعدات إلى قوات حفتر، رافقتها تحركات سياسية ودبلوماسية كاستنجاد البرلمان في طبرق بالجيش المصري رسمياً. كان ذلك كافياً بالنسبة إلى مصر، التي تدعمها الإمارات وفرنسا والسعودية، للتحرّك عملياً عبر استهداف منصات الصواريخ والرادارات التي تسعى تركيا لنصبها في قاعدة الوطية غرب البلاد.
بعد زيارات متتالية لوزراء الخارجية والدفاع والمالية التركية ومعهم رئيس المخابرات حاقان فيدان وقائد القوات البحرية، تحدّثت المعلومات عن اتفاقيات تركية-ليبية لإنشاء قواعد بحرية (مصراتة والزاوية)، وجوية قرب مطار معيتيقة جنوب طرابلس. كما تحدثت المعلومات عن وصول كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية التركية المتطورة إلى طرابلس ومصراتة استعداداً لمواجهات ساخنة قريبة مع قوات حفتر. لا تخفي الأوساط العسكرية قلقها من احتمالات المواجهة العسكرية الساخنة بين مصر وتركيا، المتنافستين على الساحة الليبية التي لا يريد السيسي أن تتحوّل إلى بؤر إخوانية تحرّك الشارع المصري الداخلي، بل وحتى تونس والجزائر والسودان وهي دول مجاورة لليبيا.
تستغل أنقرة الخلافات العربية-العربية. بالموازاة يتعمّق عداء الدول العربية للرئيس إردوغان، شخصياً ورسمياً وعقائدياً. مواقفه وخطواته الأخيرة، يضعها البعض في إطار مخططات لإحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية التي يريد لها أن تعود إلى المنطقة بمضمون جديد يعتبره البعض توسعياً واستعمارياً. يسعى إردوغان أيضاً لاسترجاع ما خسره من شعبية بسبب الأزمة المالية من خلال مواقف جديدة، وهو ما سعى إليه بقرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى جامع.
الأخبار - حسني محلي
إضافة تعليق جديد