الشخصية الدنجوانية

14-12-2021

الشخصية الدنجوانية

Image
الشخصية الدنجوانية: مخاتل ولكنه في الأصل ضحية.

درصاف بندحر:

نسمع كثيرًا عن الشخصية الدنجوانية نسبة إلى دنجوان فمن هو وما هي علاقته بها؟
 
الدنجوان (Don Juan) شخصية أسطورية في الفولكلور الإسباني ولدت سنة 1630. من خلال مسرحية عنونها “مغوي اشبيلية (El Burlador de Sevilio) كتبها المؤلف الإسباني تيرسو دي مولينا (Tirso de Molina). وترمز أسطورة دون جوان عند تيرسو دي مولينا إلى فساد مرحلة تاريخية بأكملها، ظاهرها ُالتقى وباطنها الفساد.

إلا أن شخصية الدونجوان تدين بشهرتها في المقام الأول إلى الكاتب المسرحي الفرنسي موليير Molière الذي كتب مسرحية “دون جوان” سنة 1665.

بطل الأسطورة في المسرحية شاب مخاتل يخفي شخصيته عن العامة ويقوم  بإغواء النساء. دونجوان هو كذلك رجل مفكر إذ يجد دائما تبريرا لتجاوزاته. تبرير بحمل في طياته إيديولوجية مناهضة للمسيحية آنذاك.

ولئن ألهمت أسطورة الدونجوان العديد من الشعراء والموسيقيين والسينمائيين فإن علماء النفس قد انكبوا كذلك على دارسة هذه الشخصية. ومن بينهم كارل غوستاف يونغ (Carl Jung) وهو عالم نفس سويسري عاش بين سنتي 1875و 1961. وهو مؤسس علم النفس التحليلي توصل إلى أن الدنجوانية. “رغبة لا شعورية من رجل يبحث من خلالها عن أمه في كل النساء اللاتي يواجههن”.

وتبعا لذلك فإن التحليل النفسي المعاصر يؤكد على أن الشخصية الدنجوانية هي شخصية تعرضت لكراهية دفينة في فترة الطفولة. وبالتالي فإن كرهها لهذا الواقع النفسي يدفعها إلى تجنب هذا الألم وإنكاره بالتعويض عن الحرمان العاطفي عن طريق ربط علاقات عابرة ومؤقتة وزائفة مع الكثير من النساء.

إذا وجود الشخصية الدنجوانية يفترض في المقابل وجود نساء يُمارِس عليهن سلوكا مخصوصا لتعزيز شعوره بكونه شخصًا مرغوبًا فيه.

ويعتقد البعض أن الدنجواني هو بالضرورة شخص وسيم إلا أن هذا الاعتقاد لا يمكن الأخذ به على إطلاقه إذ أن هناك نمطان للشخصية الدنجوانية:

-الدنجوان الوسيم والذي يستعمل وسامته لإغواء النساء.

-الدنجوان قبيح الشكل (أوما يطلق ليه تسمية كازانوفا) والذي يعوض عن عدم وسامته بتميزه بالذكاء والجرأة وتخطي الحدود والإقدام مما يجعل منه شخصًا جذابًا وقادرًا على اختراق مجال العديد من النساء.

فما هي السلوكات التي تتبعها الشخصية الدنجوانية مع النساء؟
هي ليست شخصية فطرية، الدنجواني في سعي دائم لتطوير مهاراته الاجتماعية، حيث يتمتع بسرعة التعلم والتأقلم مع مختلف الشخصيات. وهو ما يتطلب مهارات اجتماعية وقدرة كبيرة على فهم أمزجة النساء اللاتي يتسلل إلى عالمهن بتعليلاات مختلفة كالزمالة أو وجود أصدقاء مشتركين. ويَستعمل الدنجواني الحيلة والخيال في التعاطي مع النساء ويتقمص أدوارا كأنه ممثل في مسرحية وتكون غايته اللعب والتسلية. أما متعته فتنحصر في إحراج المرأة ومضايقتها فالمرأة بالنسبة له ليست سوى وسيلة لإشباع غروره. واستعادة ثقته بنفسه التي فقدها طفلا…ويتقن الدنجواني لعب دور الحضور والغياب…الاهتمام واللامبالاة …مديح المرأة والتقليل من شأنها …كل ذلك مرة بمرة لتسهل سيطرته النفسية عليها.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الشخصية الدنجوانية مجالا آمنا وسريا لممارسة أسالبيها في نسج الخيال. بواسطة الكلام المعسول والذي يقوم “الدونجوان” بصياغته مسبقا وإعادته بمناسبة الحديث مع كل ضحية. للتمكن من السيطرة عليها نفسيا والوصول إلى النتيجة المرجوة وهي القبول به لتمضية الوقت…ولفهم سلوكيات الدنجوان يؤكد علماء الاجتماع أنه شخصية مفصلة على مقاس المراهقة. 

ولا تنحصر الشخصية الدنجواية في فئة معينة من الناس أو ترتبط بسن محدد أو مستوى علمي أو ثقافي بذاته بل تشمل حتى أصحاب الواجهات الاجتماعية المحترمة والبارزين في ميادين مرموقة والذين يجدون في وسائل التواصل الاجتماعي ميدانا يوفر الحرية والسرية لممارساتهم.

أما أهداف (Les Cibles) الشخصية الدنجوانية فهن دائما نساء متميزات وهن متساويات بالنسبة إليه إذ يستعمل معهن سواء بالتزامن أو بصورة متتالية، خطابا نمطيا، لا يعنيه من أمرهن سوى أنهن يدعمن شعوره بالتحدي ليثبت لنفسه من خلال استعمالهن أنه قادر على جذب الاهتمام. وبذلك تصبح ممارسات الشخصية الدنجوانية منهجا خاصا بها في الحياة يتمثل في الفرق بين حالتي الحب والتورط…بين حب وجب.

ويمكن لهذا الشخص الزواج ولكنه لن يتوقف عن العلاقات أو البحث عن نساء أخريات ليشعر دائما أنه في مغامرة عاطفية. وهو ما يجعل استمرار زوجة الشخص الدنجواني في مؤسسة الزواج مرتبط بمدى قدرتها على التحمل والتفهم والعطاء دون انتظار المقابل سوى ما يمن به عليها.

بالنتيجة، لكل وهمه الذي يهرب به من الواقع المؤلم ولكن الفرق شاسع بين من يهرب إلى أماكن تعزز معنى وجوده وتوطد علاقته بمحيطه فتخفف عنه وطأة هذا الواقع بل وقد تجمله. وبين من يدفعه السعي إلى التخلص من الألم إلى الشعور بالعبث وفقدان كل معنى للحياة وللمحيطين به…عبث يبيح له استعمال الآخر وقودا تحت أقنعة ومسميات مختلفة.

– المرجع:

أسطورة “دون جوان” تأليف جان روسيه ترجمة زياد العودة.

المحطة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...